إيه مس هدسون ... ولكني استعجلت، فقد جمح بنا القلم إلى الغزل قبل أن نتمم البكاء على الطلول. ألم يقل امرؤ القيس «قفا نبك» قبل أن يقول «أغرق من»؟ إذن فلنقف قليلا على الأطلال، ثم نتخلف إلى مس هدسون.
غريب مسكين
للعالم رأي في بعض الناس، وبعض أصحاب المهن يصعب تفسيره؛ فهو - أي العالم - يعتقد أن المحامين يخلقون مشاكل أكثر مما يحلون، والعالم يعتقد أن الإسبانيولي متعجرف والفرنساوي سريع الغضب سريع الرضا.
وقد كانت عقيدتي قبل أن ركبت هذه الباخرة الإنكليزية التي تقلني من بورت سعيد أن الإنكليز أبعد الناس عن معاشرة غيرهم من الناس، وأنه كان من سوء طالعي أن أرافق خمسماية من الإنكليز والإنكليزيات، فلا يتيسر لي أن أكلم واحدا ولا واحدة.
ذلك كان رأيي الذي أخذته عن العالم؛ لذلك استكملت عدتي من بيروت، فجهزت نفسي بأربعة مؤلفات لأربعة من أشهر مؤلفي الإنكليز، حتى إذا وجدت نفسي بعيدا عن رفقائي عكفت على كتبي أستقصيها الأخبار، وأستنطقها الحكم.
ولكن كتبي إنكليزية ومؤلفوها إنكليز.
تبا لهم! أتهرب منهم إليهم؟
ومر بي يومان في أسوأ حال.
غريب مسكين ، لا عشير ولا سمير، لا كلمات ولا نظرات، وقد بدأت أشعر بوحشة وانقباض، بل وبازدراء لنفسي، وقد زاد نفسي صغارة في عيني حادثان؛ أولهما أن رجلا شرقيا مثلنا، لسانه عربي مثل لساننا، ووجهه أشد سمرة من وجهنا، وقد «تبرنط وتنعم» في بورت سعيد مثلنا، ذلك الرجل مر بنا مرة ونحن منكمشون في إحدى الزوايا، فألقى علينا نظرة شامخة أرستقراطية تشبه النظرة التي يلقيها الموظف الكبير على مرءوسه الموظف الصغير، وعند أهل لبنان من هذا علم كثير.
مر بنا شامخا مزدريا، ولم يتنازل إلى مبادلتنا الابتسام.
Shafi da ba'a sani ba