في يقيني أنه كان يخاف الاستقبال الذي أعده له جنوده من بيض فاسد، وبندورة مهترئة؛ كذا كانت النقمة عليه.
كنت في مانيلا حين جاءت طائرة من اليابان تحمل أكبر سياسييها ليفاوضوا ماك آرثر بشروط التسليم، هل تعلم ماذا فعل هذا الجنرال؟ أبى أن يقابلهم، وعهد إلى بعض أعوانه أن يتحدثوا إلى الوفد الياباني.
وتولى الصديق إدارة اليابان بعد الحرب؛ فأسرف في الاستبداد بالرأي، ولم يكن رؤساؤه في واشنطن ليجسروا أن يصدروا إليه أمرا، بل كانوا «يقترحون»، أو «يبدون رأيا»، أو «يستمزجون»، وفي الأشهر الأخيرة جاء ترومن بنفسه ليباحثه في شئون الحرب، بدلا من أن يستدعيه إليه.
وكان الأميركان يقابلون بين الوضع المستقر في اليابان، وبين الحالة القلقة التي تسود منطقتهم في ألمانيا، فينتهون إلى الاستنتاج أن سبب الاستقرار في الشرق الأقصى عائد إلى مقدرة الصديق الحميم، غير عارفين أن اليابانيين - بعكس الألمان - شعب قروي ساذج طائع، من تقاليد فروسيته أن يخضع المغلوب للغالب.
وجاءت كوريا ... وكانت فاجعة هزيمة الجيوش التي قادها ماك آرثر، هزيمة كادت تؤدي إلى خسارة ماك آرثر لولا حنكة قائد جديد اسمه «ردجواي»، وتبعتها مسرحية دعوة أرسلها الصديق الحميم من غير تفويض ، إلى قائد الجيوش الشيوعية للاجتماع، ثم رسالة وجهها الجنرال إلى أحد أعضاء البرلمان يقول له فيها إنه من الحكمة ضرب مراكز تموين الجيوش الشيوعية، وغزو شواطئ الصين، كل هذا نطق به قائد كاد يخسر كوريا، وجندي تجاوز السبعين من العمر، وشخص مكروه، في وقت عصيب قد تؤدي فيه الكلمة الخاطئة، أو العمل الأحمق، إلى اندلاع حرب عالمية؛ فكانت إقالته.
أخالني جرت على الصديق الحميم، يجب إعادة القول أنه كان تلميذا لامعا، وأنه ليس من يتهمه بأنه جنرال رديء، وإن لم يكن الإعجاب بمقدرته العسكرية شاملا، وأنه إن كان في بطولته مسرحية، فهو بطل على كل حال. من الراهن أنه لم يكن خلال الغارات الجوية يرفع بنظره إلى السماء، بل يسأل مرافقه بكل هدوء: «أهذه طائراتنا أم طائرات العدو؟» وإن كاد يهم بأن يخسر معركة كوريا، فأي قائد يأمن خسارة معركة؟ وإنه ربح الحرب في الباسفيك، وإنه في نظر شعوب الشرق الأقصى رمز القوة الأميركية، وإنه إن كان يهوى الدعاية لنفسه فأي منا يكرهها؟ وإن من أسباب تصلبه في رأيه أنه يعلم من أمور الشرق الأقصى ما لا يعلمه سواه، وأن رؤساءه - ومنهم ترومن - أقزام فكر، وأخصياء دبلوماسية.
لعل سبب سقوطه تلك العبارة التي تلفظ بها قائد روماني، وقد علقها ماك آرثر في مكتبه:
هنا لا نستمع إلا إلى الرأي الذي نبديه نحن.
غريب بلا بسطبورزو
في الصباح الباكر، نهضت حائرا فيما ينتظرنا، وماذا عساي أن أفعل؟ أحقا أن الجيش الياباني الفاتح الذي أذاع بالراديو دعوة للأجانب المقيمين في مانيلا عام 1942 أن يأتوا إلى الفندق الكبير يريد منا أن نسجل أسماءنا فقط، أم أن في الأمر خديعة، وأننا سائرون إلى القتل، أو السجن، أو التشريد؟
Shafi da ba'a sani ba