Ghabir Andalus Wa Hadiruha
غابر الأندلس وحاضرها
Nau'ikan
وتجاوز هذه المملكة فيما يميل إلى الشمال قليلا مدن كثيرة أيضا، وهي: سمورة وشلمنكة والسبطاط وقلمرية، هذه كلها يملكها رجل يعرف بالببوج، وتسمى هذه الجهة: ليون، وفي الحد المغربي الذي هو ساحل البحر الأعظم أقيانس، ومدن أيضا منها مدينة الأشبونة وشنترين وباجة وشنترة وشنتياقو ويابرة ومدن كثيرة يملكها رجل يعرف بابن الريق، ووراء هذه المدن مما يلي بلاد الروم مدن كثيرة. ثم ذكر ما يملكه المسلمون لعهده من الأندلس؛ فأورد حصن بنشكله وطرطوشة وبلنسية وشطبة وجزيرة الشقر ودانية ومرسية وغرناطة وحصون لرقة وبلش وقلية وبسطة ووادي آش وألمرية وحصن منكب ومالقة والجزيرة الخضراء.
وقوم القلقشندي الأندلس في المائة الثامنة، فقال: إن الأندلس أقامت بأيدي المسلمين إلى رأس الستمائة سنة من الهجرة، ولم يبق منا بيد المسلمين إلا غرناطة وما معها من شرق الأندلس عرض ثلاثة أيام في طول عشرة أيام، وباقي الجزيرة على سعتها بيد النصارى الفرنج، وأن المستولي على ذلك منهم أربعة ملوك؛ الأول: صاحب طليطلة وما معها، ولقبه الأدفونش سمة على كل من ملك منهم، وعامة المغاربة يسمونه ألفنس، وله مملكة عظيمة وعمالات متسعة تشتمل على طليطلة وقشتالة وإشبيلية وبلنسية وقرطاجنة وجيان وجليقية وسائر أعمالها. الثاني: صاحب لشبونة وما معها، وتسمى البرتغال، ومملكته صغيرة واقعة في الجانب الغربي، وهي تشتمل على لشبونة وغرب الأندلس. الثالث: صاحب برشلونة وأرغن وشاطبة وسرقسطة وبلنسية وجزيرة دانية وميورقة. الرابع: بيرة، وهي بين عمالات قشتالة وعمالات برشلونة، وقاعدته مدينة ينبلونة، ويقال لملكها: ملك البشكنس.
هذا في الجملة تقويم الأندلس في القديم، وكلما توغلت في سمت الشمال صعب المرور؛ لكثرة الجبال وترامي المسافات، وهي اليوم في الخطوط الحديدية سهلة في الجملة، فإذا جئت من مدينة باريز وهو الطريق الذي سلكناه تصل إلى مجريط في ست وعشرين ساعة وهي 1455 كيلومترا، ومن مجريط إلى قرطبة 442 كيلومترا، ومن قرطبة إلى إشبيلية 131 كيلومترا، ومن غرناطة إلى جبل طارق 301 كيلومتر، ويتأتى اختصار هذه المسافات إذا كانت القطر تقصد إلى البلد مباشرة بدون تنقل أو تعاريج، ولكن تقل فيها الخطوط المستقيمة والقاطرات.
الفصل الرابع
فتح الأندلس
لما فتح موسى بن نصير مولى بني أمية إفريقية وما حولها؛ أي تونس وما وراءها، سنة ثمان وسبعين للهجرة، وبلغ طنجة، سار يريد مدائن على شط البحر، وفيها عمال صاحب الأندلس قد غلبوا عليها وعلى ما حولها، وكان يليان أحد ملوك الأندلس لموجدة وجدها على بعض الملوك من قومه في تلك البلاد بعث بالطاعة لموسى، وأقبل به حتى أدخله المدائن بعد أن اعتقد لنفسه ولأصحابه عهدا رضيه، واطمأن إليه، ثم وصف له الأندلس ودعاه إليها، فبعث رجلا من مواليه يقال له طريف، في أربعمائة رجل ومعهم مائة فارس، في أربعة مراكب، حتى نزل جزيرة سميت له لنزوله فيها، وكانت هذه الجزيرة معبر مراكبهم، ودار صناعتهم، فأغار على الجزيرة فأصاب شيئا ورجع سالما، وذلك سنة إحدى وتسعين.
ثم دعا موسى مولى له يقال له: طارق بن زياد، فبعثه في سبعة آلاف من المسلمين جلهم من البربر والموالي ليس فيهم عرب إلا قليل، فدخل في تلك السفن الأربع سنة اثنتين وتسعين، وأخذت السفن الأربع تختلف بالرجال والخيل، وضمهم إلى جبل على شط البحر منيع فنزله، وسمي به جبل طارق، والمراكب تختلف حتى توافى جميع أصحابه .
ولما بلغت ملك الأندلس رذريق صاحب طليطلة غارة طريف على الأندلس جمع جموعه، قيل: مائة ألف أو شبه ذلك، فبعث موسى على سفن كثيرة كان عملها بخمسة آلاف مقاتل، فتوافى المسلمون بالأندلس عند طارق اثني عشر ألفا، ومعهم يليان في جماعة من أهل البلد يدلهم على العورات، ويتجسس لهم الأخبار. فالتقى رذريق صاحب طليطلة وطارق بن زياد بموضع يقال له البحيرة، فانهزم رذريق، ثم مضى طارق إلى مضيق الجزيرة، فمدينة أستجة، وحارب فل العسكر الأعظم وهزمه، ثم ورد طارق عينا من مدينة أستجة على نهرها على أربعة أميال فسميت العين عين طارق، وفرق جيشه؛ فأرسل فرقة إلى قرطبة، وأخرى إلى رية، وثالثة إلى غرناطة، وسار هو في عظم الناس يريد طليطلة ففتحت كلها، وكذلك مدينة تدمير، وأسر أحد ملوك الأندلس، ومنهم من اعتقد على نفسه أمانا، ومنهم من هرب إلى جليقية في الشمال، ثم سار طارق حتى بلغ طليطلة، وخلى بها رجالا من أصحابه، فسلك إلى وادي الحجارة، ثم استقبل الجبل فقطعه من فج يسمى فج طارق.
وفي سنة ثلاث وتسعين دخل موسى بن نصير في ثمانية عشر ألفا من وجوه العرب والموالي وعرفاء البربر، وقد بلغه ما صنعه طارق بن زياد فحسده، وخشي أن ينال شرف الفتح دونه أمام الخليفة من بني أمية. فلم يلبث أن فتح من المدن ما لم يفتحه طارق مولاه؛ فافتتح مدينة شذونة وقرمونة وإشبيلية، وحاصر هذه أشهرا، فهرب أهلها إلى مدينة باجة، فمضى موسى إلى مدينة ماردة، وقاتلهم عليها أشهرا، فصالحه أهلها على أن جميع أموال القتلى وأموال الهاربين إلى جليقية للمسلمين وأموال الكنائس وحليها له، ثم افتتح سرقسطة ومدائنها.
ذكروا أن المسلمين انتهوا إلى مدينة لوطون قاعدة الإفرنج، ولم يبق لأهل الإسلام شيء لم يتغلبوا عليه مما وراء ذلك إلا جبال قرقوشة وجبال بنبلونة وصخرة جليقية، فأما الصخرة فلم يبق فيها مع ملك جليقية إلا ثلاثمائة رجل تلفوا بالموت والجوع والحصار، فلما لم يبق منهم إلا ثلاثمائة رجل، ورأى ذلك المرتبون على حصارهم استقبلوهم ، فتركوهم فلم يزالوا يزدادون حتى كانوا سبب إخراج المسلمين من جليقية وهي قشتيلية.
Shafi da ba'a sani ba