الفتوة
لأبي عبد الرحمن محمد بن الحسين السلمي
(٤١٢ هـ)
تحقيق
د. إحسان ذنون الثامري
د. محمد عبد الله القدحات
دار الرازي
عمان - الأردن
الطبعة الأولى
١٤٢٢ هـ - ٢٠٠٢ م
Shafi da ba'a sani ba
الجزء الأول من كتاب الفتوة
مما جمعه الشيخ أبو عبد الرحمن محمد بن الحسين السلمي
قدس الله روحه العزيز
1 / 1
بسم الله الرحمن الرحيم وعليه نتوكل
الحمد لله الذي جعل منهاج الفتوة واضح الملاحب، يؤول ويرشد إلى كل حسنٍ واجب، ونزهها عن الفواحش والمعايب، وأرقاها إلى أعلى المراتب، وارتضى لها من أنبيائه المرسلين، وأصفيائه المقربين، كل من كتب اسمه على صفاء لوح الصدق، وبان له طريق الحق، فقام بواجبه، ودام جالسًا على مراتبه.
فأول من أجاب إلى دعوة الفتوة، وحبا مكرمات المروة، آدم بديع الفطرة، رفيع الأسرة، المشتق من أديم الأرض اسمه، الثابت في محل الإرادة رسمه، الساكن في دار الحشمة، المؤيد بالأنوار والعصمة، المتوج بتاج الكرامة، الحال بدار السلامة.
وقبل بها هابيل لما طرد عنه قابيل، ودام بحقها شيث، ونزهها عن كل أمر خبيث. ورفع بها إلى المكان العلي إدريس، فنجا من كيد إبليس. وبحبها كثرت نياحة نوح، وكان نورها عليه يلوح. وتسمى بها عاد، فما رجع إلى دنسٍ ولا عاد. وحسن لهود بها وفاء العهود. ونجا بها صالح من القبائح. ولقب بها إبراهيم
1 / 3
الخليل، فكسر رؤوس الأصنام والتماثيل. وفدي بها إسماعيل، بأمر الملك الجليل، ورقى بها لوط إلى مقام ليس بعده هبوط، وكان بها إسحاق، قائمًا إلى يوم التلاق، ونهض بأسبابها يعقوب، وكشف بها ضر أيوب.
سلك بها يوسف الصديق أكرم طريق، ودام له بها التوفيق. وانقاد ذو الكفل إلى رتبتها العلياء، وقام بأمورها المرضية الحسناء. وحاز قصباتها شعيب، فنزه عن كل ريب وعيب، رفل لها موسى إرفالًا، وأجاب هارون فأحسن مقالًا، شرف بها أهل الكهف والرقيم، ففازوا بدار النعيم. عمر بها قلب داود، ولذ له بها الركوع والسجود. وورثها منه سليمان، وسخر له بها الإنس والجان. وصحت ليونس شروطها، فوفى. وورد بها زكريا مورد الصفا. وصدق بها يحيى فنجا من الغم، وعظم بها لما هم، فما اهتم، وبالألم ما ألم. وجلا بها العسعس عيسى بالنور الصريح، ولقب بها الروح والمسيح. وفتح الله بها لمحمد صلى الله عليه وآله فتحًا مبينًا، فجعل عليها أخاه وابن عمه أمير المؤمنين عليًا أمينًا.
اللهم فوفقنا للقيام بحقوق هذه الصحبة، وأعد علينا بركات هذه النسبة، واجعلنا من أهل هذه الحقائق، واسلكنا بها أحمد الطرائق، فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملًا صالحًا. ولا يشرك بعبادة ربه أحدًا، والحمد لله على نعمه أبدًا، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم الذي لم يتخذ ولدًا، ولم يكن له شريك في الملك، ولم يكن له ولي من الذل، وكبره تكبيرًا.
والحمد لله الذي أبدى آثار فضله على خواص عباده، فهداهم إلى موافقته، وبعدهم عن مخالفته، فأخبر عن أحوالهم في مقامهم، بما زين به خليله ﷺ،
1 / 4
وهي الفتوة. فقال تعالى: ﴿قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم﴾ . سماه فتىً لأنه خلى له في نفسه وأهله وماله وولده، ووهب الكل لمن له الكل، وخلى من الكون وما فيه لما تسمى بالفتوة، وسمي به، وأخبر بعد ذلك تعالى عن خواص أوليائه بهذا الاسم. فقال: ﴿إنهم فتية آمنوا بربهم﴾، بلا واسطة ولا استدلال، بل آمنوا به له، فأكرموا بزيادة هدى حتى قاموا إلى بساط القرب، ﴿[فـ] قالوا ربنا رب السموات والأرض﴾، فألبسهم الحق خلعه، من خلعة وآواهم إلى كريم رعايته، وصرفهم في لطائف تقليبه، فقال: ﴿ونقلبهم ذات اليمن وذات الشمال﴾ . كذا من لزم طريق الفتوة كان في رعاية الحق، ولحياته وتوليته وحياطته.
سألت -أكرمك الله لمرضاته- عن الفتوة. فاعلم أن الفتوة هي الموافقة وحسن الطاعة، وترك كل مذموم، وملازمة مكارم الأخلاق ومحاسنها، ظاهرًا وباطنًا وسرًا وعلنًا، وكل حال من الأحوال، ووقت من الأوقات يطالبك بنوع من الفتوة فلا يخلو حال من الأحوال عن الفتوة. فتوة تستعملها مع ربك تعالى، وفتوة تستعملها مع نبيك ﷺ، وفتوة مع الصحابة، وفتوة مع السلف
1 / 5
الصالحين، وفتوة مع مشايخك، وفتوة مع إخوانك، وفتوة مع أهلك وولدك وأقاربك، وفتوة مع ملكيك كرام الكاتبين. وأنا مبين أطرافًا من ذلك على الاختصار من سنن النبي ﷺ، وآثار السلف وآدابهم وشمائلهم بعد أن أستعين بالله في ذلك، وفي جميع أموري، وهو حسبي ونعم الوكيل.
فمن الفتوة الملاطفة مع الإخوان، والقيام بحوائجهم. أخبرنا عبد الرحمن ابن محمد بن محمود، ثنا أحمد بن محمد بن يحيى، ثنا محمد بن الأزهر، ثنا محمد ابن عبد الله المصري، ثنا يعلى بن ميمون، ثنا يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك ﵁، قال: قال رسول الله ﷺ: «من ألطف مؤمنًا أو قام له بحاجة من حوائج الدنيا، صغر ذلك أو كبر، كان حقًا على الله أن يخدمه خادمًا يوم القيامة» .
ومن الفتوة مقابلة الإساءة بالإحسان، وترك المكافأة على القبيح، أخبرنا محمد بن عبد الله بن محمد بن صبيح الجوهري، ثنا عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن شيرويه، ثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي، أخبرنا قبيصة عن سفيان عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن أبيه، قال: «قلت: يا رسول الله، إذا مررت برجل فلم يضفني، فمر بي أفعل به مثل ذلك؟ قال: لا» .
1 / 6
ومن الفتوة ترك طلب عثرات الإخوان. أخبرنا أحمد بن محمد بن رجا البزاري. ثنا أحمد بن عمير بن حوصا، ثنا أبو عمير عيسى بن محمد، ثنا محمد بن يوسف، ثنا سفيان عن ثور بن يزيد عن راشد عن معاوية ﵃، قال: قال رسول الله ﷺ: «إنك إن اتبعت عثرات المسلمين، أفسدتهم أو كدت أن تفسدهم» .
ومن الفتوة حضور دار من يثق به من الإخوان من غير دعوة. أخبرنا عبد الله بن محمد بن علي بن زياد، ثنا محمد بن إسحاق الثقفي، ثنا سعيد بن يحيى، ثنا أبي، ثنا يزيد بن كيسان عن أبي حازم عن أبي هريرة ﵁، قال: «بينا أبو بكر وعمر ﵄ جالسان، إذ جاءهما النبي ﷺ فقال: ما أجلسكم هاهنا؟ قالوا: والذي بعثك بالحق، ما أخرجنا إلا الجوع. قال: اذهبوا إلى بيت فلان رجل من الأنصار» .. وذكر الحديث.
1 / 7
ومن الفتوة ترك العيب على طعام يقدم إليه. أخبرنا محمد بن عبد الله بن محمد بن صبيح، ثنا عبد الله بن شيرويه، ثنا إسحاق الحنظلي، ثنا جرير عن الأعمش، عن أبي حازم عن أبي هريرة ﵃، قال: «ما عاب رسول الله ﷺ طعامًا قط، كان إذا اشتهاه أكله، وإلا تركه» .
ومن الفتوة استعمال مكارم الأخلاق إذ هي من أعمال أهل الجنة. أخبرنا أبو القاسم إبراهيم بن محمد النصر آباذي، ثنا محمد بن الربيع عن سليمان الجسري بمصر، ثنا أبي، ثنا طلق بن السمح، ثنا يحيى بن أيوب عن حميد، عن أنس ﵁ أنه مرض فعاده بعض إخوانه، فقال لخادمته سلمي لإخواننا ولو كسرا، فإني سمعت رسول الله ﷺ يقول: «إن مكارم الأخلاق من أعمال أهل الجنة» .
ذكر بيان بعض مكارم الأخلاق من السنة
أخبرنا محمد بن محمد بن يعقوب الحافظ، ثنا عبد الله بن أيوب العسقلاني، ثنا هاشم بن محمد الأنصاري، ثنا عمرو بن بكر، عن عباد، عن أيوب بن موسى، وإسماعيل بن أمية عن نافع عن ابن عمر ﵄، عن النبي ﷺ، قال: «إن [من] مكارم الأخلاق التزاور في الله وحق على المزور أن يقرب إلى أخيه ما تيسر عنده، وإن لم يجد عنده إلا جرعة من ماء، وإن احتشم أن
1 / 8
يقرب إلى أخيه ما تيسر، لم يزل في مقت الله تعالى يومه وليلته» .
ومن الفتوة التآلف مع الإخوان. أخبرنا محمد بن محمد بن يعقوب الحجاجي، ثنا عبد الله بن صالح المدائني بالمصيصة، ثنا أبو الدرداء هاشم بن يعلى ثنا عمر وابن بكر عن ابن جريج عن عطاء عن جابر ﵃، قال: قال رسول الله ﷺ: «المؤمن إلفٌ مألوف، ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف، وخير الناس أنفعهم للناس» .
ومن الفتوة السخاوة. أخبرنا أبو الحسين بن صبيح، ثنا محمد بن المسيب الأرغياني، ثنا عبد الرحمن بن الحارث، ثنا بقية بن الوليد، ثنا الأوزاعي عن الزهري عن عائشة ﵃، قالت: قال رسول الله ﷺ: «الجنة دار الأسخياء» .
ومن الفتوة حفظ الود القديم. أخبرنا محمد بن محمود الفقيه المروزي بها، ثنا محمد بن عمير الرازي، ثنا إسحاق بن إبراهيم بن يونس، ثنا حسين ابن مرزوق النوفلي، ثنا عبد الله بن إبراهيم الغفاري، ثنا عبد الله بن أبي بكر بن
1 / 9
أخي محمد بن المنكدر، عن صفوان بن سليم عن عطاء، عن عائشة ﵂، قالت: قال رسول الله ﷺ: «إن الله يحب حفظ الود القديم» . أخبرنا أبو علي الحافظ، ثنا إسحاق بن إبراهيم الموصلي، ثنا علي بن الحسين الخواص الموصلي، ثنا عبد الله بن إبراهيم بهذا.
ومن الفتوة أن يتعمد الرجل إخوانه وجيرانه. أخبرنا إبراهيم بن محمد ابن يحيى، ثنا حبشون بن موسى الخلال، ثنا محمد بن حسان، ثنا قبيصة، ثنا سفيان عن عبد الملك بن أبي بشير، عن عبد الله بن أبي المساور ﵃، قال: سمعت ابن عباس ﵄ ينحل ابن الزبير ويقول: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «ليس المؤمن الذي يشبع وجاره جائع إلى جنبه» .
ومن الفتوة استعمال الأدب وقت الأكل، أخبرنا إبراهيم بن أحمد البزاري، ثنا الحسين بن علي بن زكريا البصري، ثنا عثمان بن عمرو الدباغ، ثنا ابن علاثة، ثنا الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن جعفر عن أبي هريرة ﵃، قال: قال رسول الله ﷺ: «لا يتبعن أحدكم بصره لقمة أخيه» .
1 / 10
ومن الفتوة المداراة مع الإخوان ما لم تكن معصية. أخبرنا إسماعيل بن أحمد الخلالي، ثنا أبو بدر أحمد بن خالد بن عبد الملك، ثنا مخلد يعني ابن يزيد، عن أبي داود النخعي، عن أبي الجويرية، عن ابن عباس ﵃، قال: قال رسول الله ﷺ: «رأس العقل بعد الإيمان بالله مداراة الناس في غير ترك الحق» .
ومن الفتوة المساعدة مع الإخوان وموافقتهم. أخبرنا إسماعيل بن أحمد الخلالي، أخبرنا محمد بن الحسين بن قتيبة، ثنا إسحاق بن إبراهيم بن سويد، ثنا إسماعيل بن أبي أويس، ثنا أبي عن محمد بن المنكدر، عن أبي سعيد الخدري ﵃، قال: «صنع رجل لرسول الله ﷺ طعامًا، فدعاه وأصحابه، لما وضع الطعام، قال رجل من القوم: إني صائم. فقال رسول الله ﷺ: «دعاكم أخوكم وتكلف لكم. ثم قال: افطر وصم يومًا مكانه إن شئت» .
ومن الفتوة أن يبدأ في رفقه بأصحابه دون خاصته. أخبرنا إسماعيل بن أحمد الخلالي، أخبرنا محمد بن الحسين بن قتيبة، أخبرنا حامد بن يحيى، ثنا سفيان، عن عطاء بن السائب، عن أبيه، عن علي ﵁ أن فاطمة ابنة رسول الله ﷺ سألته خادمًا، فقال: «.. .. لا أعطيك خادمًا وأدع
1 / 11
أهل الصفة تطوي بطونهم من الجوع» .
ومن الفتوة أن يمكن إخوانه أن يحكموا في ماله كحكمهم في أموالهم. أخبرنا محمد بن عبد الله بن زكريا، ثنا أحمد بن الحسين الحافظ، ومكي بن عبدان قالا: ثنا محمد بن يحيى الذهلي، ثنا عبد الرزاق، ثنا معمر، عن الزهري، عن ابن المسيب ﵃ أن رسول الله ﷺ كان يقضى في مال أبي بكر كما يقضي في مال نفسه.
ومن الفتوة محبة القرى والضيافة. أخبرنا محمد بن عبد الله بن محمد بن قريش، ثنا الحسين بن سفيان، ثنا محمد بن رمح، ثنا ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب أن أبا الخير حدثه عن عقبة بن عامر ﵃، قال: قال رسول الله ﷺ: «بئس القوم قوم لا ينزلون الضيف» . وبإسناده قال: قال رسول الله ﷺ: «لا خير فيمن لا يضيف» .
ومن الفتوة تعظيم الإخوان والحركة لهم. أخبرنا إسماعيل بن عبد الله الميكالي، وعلي بن سعد العسكري، ثنا جعفر بن الفضل الراسبي، ثنا محمد بن يوسف العرياني، ثنا أبو الأسود مجاهد بن فرقد الأطرابلسي، ثنا واثلة بن الخطاب القرشي، قال: «دخل رجلٌ المسجد والنبي ﷺ وحده
1 / 12
فتحرك له النبي ﷺ، فقيل له: يا رسول الله، المكان واسع. فقال: إن للمؤمن حقًا» .
ومن الفتوة استقامة الأحوال. أخبرنا أبو عمرو محمد بن جعفر بن مطر، ومحمد بن إبراهيم بن عبده، قالا: ثنا إبراهيم بن علي، ثنا يحيى بن يحيى، ثنا عبد الرحمن بن أبي الزياد، عن أبيه، عن عروة ﵃، قال: قال سفيان ابن عبد الله الثقفي: «يا رسول الله، قل لي في الإسلام قولًا لا أسأل عنه أحدًا بعدك. قال: قل: آمنت بالله ثم استقم» .
ومن الفتوة سخاوة النفس. وسلامة الصدر. أخبرنا أبو بكر الديونجي، ثنا الحسين بن سفيان، قال: وجدت في إجازة عثمان بن سعيد، ثنا محمد بن عمران ابن أبي بكر ليلى، ثنا سليمان بن رجاء، عن صالح المزي، عن الحسن، عن أبي سعيد الخدري ﵃، قال: قال رسول الله ﷺ: «إن أبدال أمتي لم يدخلوا الجنة بأعمال، ولكن دخلوها برحمة الله، وسخاوة الأنفس، وسلامة الصدر» .
1 / 13
ومن الفتوة الشفقة على الإخوان والمواساة معهم. أخبرنا أبو عمرو محمد ابن أحمد بن حمدان، ثنا عمران بن موسى السختياني، ثنا شيبان بن أبي شيبة، ثنا أبو الأشهب، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري ﵃، قال: بينا نحن مع رسول الله ﷺ في سفر، إذ جاءه رجل على راحلة له، قال: فجعل يضرب يمينًا وشمالًا، فقال رسول الله ﷺ: «من كان له فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له، ومن كان فضل زاد فليعد به على من لا زاد له. قال: فذكر من أصناف المال ما ذكر حتى رأينا أنه لا حق لأحد منا في فضل» .
ومن الفتوة التحبب، والتزاور في الله، والتواصل. أخبرنا محمد بن عبد الله ابن صبيح، ثنا عبد الله بن شيرويه، ثنا إسحاق الحنظلي، ثنا النضر بن شميل، ثنا شعبة، عن يعلى بن عطاء، قال: سمعت الوليد بن عبد الرحمن يحدث عن أبي إدريس الخولاني، قال في حديث ذكره: فلقيت عبادة بن الصامت، فقال: لا أحدثك إلا ما سمعت الله ذكره على لسان نبيه ﷺ: «حقت محبتي للمتحابين في، وحقت محبتي للمتبادلين في، وحقت محبتي للمتزاورين في وحقت محبتي للمتواصلين في» .
ومن الفتوة محبة الغرباء، وحسن تعدهم. أخبرنا عبد الله بن محمد بن علي ابن زياد، ثنا محمد بن إسحاق بن خزيمة، ثنا أبو شعيب، حدثنا محمد بن مسلم،
1 / 14
عن محمد بن عبد الله بن أوس، عن سليمان بن هرمز، عن عبد الله بن عمرو، عن النبي ﷺ: «أحب شيء إلى الله تعالى الغرباء. قالوا: يا رسول الله من هم؟ قال: الفرارون بدينهم، يحشرون يوم القيامة إلى عيسى بن مريم ﵇) .
ومن الفتوة صدق الحديث، وأداء الأمانة. أخبرنا عبد الله بن محمد السمري، ثنا عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن، ثنا إسحاق بن إبراهيم، أخبرنا يحيى بن يحيى، أخبرنا ابن لهيعة، عن الحارث بن زيد، عن ابن حجيرة، عن عبد الله بن عمرو ﵃، عن رسول الله ﷺ، قال: «أربع إذا كن فيك، فما عليك، فإنك من الدنيا، حفظ الأمانة، وصدق الحديث، وحسن الخلق، وعفة طعمة» .
ومن الفتوة إصلاح السر قبل التزيي بزي الصالحين. أخبرنا عبد الله بن أحمد ابن جعفر الشيباني، أخبرنا أحمد بن محمد بن علي الباشاني، أخبرنا أحمد بن عبد الله الجويباري، أخبرنا سلم بن سالم، عن عباد بن كثير، عن مالك بن دينار، عن الحسن، قال: بلغني أن رسول الله ﷺ، قال: «لا تلبسوا الصوف إلا وقلوبكم نقية، فإن من لبس الصوف على دغلٍ وغش قلاه جبار السماء» .
1 / 15
ومن الفتوة حسن القراء. وإكرام الضيف. أخبرنا محمد بن الفضل بن محمد ابن إسحاق، أخبرنا محمد بن إسحاق الثقفي، أخبرنا إسحاق الحنظلي، عن [أبي] حازم، عن أبي هريرة ﵃، قال: قال رسول الله ﷺ: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليحسن قراء ضيفه» .
ومن الفتوة الأكل بعد أكل الأصحاب [.. .. ..] . أخبرنا محمد بن يعقوب الأصم، أخبرنا العباس بن محمد الدوري، أخبرنا يحيى بن معين، حدثنا عبد الرحمن بياع الهروي، عن جعفر بن محمد، عن أبيه ﵃، قال: «كان رسول اله ﷺ إذا أكل مع قوم، كان آخرهم أكلًا» .
ومن الفتوة أن يرى أن الباقي من ماله ما بذله، لا ما أمسكه. أخبرنا عبد الله ابن محمد بن علي، أخبرنا أبو العباس الثقفي، حدثنا الحسين بن عيسى، أخبرنا ابن المبارك، أخبرنا سفيان، عن أبي إسحاق الهمداني، عن عمرو بن شرحبيل عن عائشة ﵃، قالت: «أهديت لرسول الله ﷺ شاة، فقسمها. فقلت: لم يبق منها إلا عنقها. فقال رسول الله ﷺ: قد بقي كلها إلا عنقها» .
1 / 16
ومن الفتوة الإفطار على سرور الإخوان. أخبرنا محمد بن عبد الله بن محمد بن قريش، حدثنا مسدد بن قطن، حدثنا داود بن رشيد، حدثنا بقية، عن محمد بن عبد الرحمن، حدثني عبيد الله عن نافع عن ابن عمر ﵃، قال: قال رسول الله ﷺ: «من دخل على أخيه المسلم، وهو صائم، فأراد أن يفطر، فليفطر» . وذكر الحديث.
ومن الفتوة حسن العشرة، والملاعبة مع الإخوان، والبشر معهم. أخبرنا عبد العزيز بن جعفر بن محمد الخرقي ببغداد، حدثنا محمد بن هارون بن بريه، حدثنا عيسى بن مهران، حدثنا الحسن بن الحسين، حدثنا الحسين بن زيد، قال: قلت لجعفر بن محمد: جعلت فداك، هل كانت في النبي ﷺ دعابة ومداعبة؟ فقال: لقد وصفه الله بخلق عظيم في المداعبة، إن الله بعث أنبياءه، فكانت فيهم كزازة. وبعث محمدًا ﷺ بالرأفة والرحمة، وكان من رأفته بأمته، مداعبته لهم، لكيلا يبلغ بأحد منهم التعظيم حتى لا ينظر إليه. ثم قال: حدثني أبي محمد، عن أبيه علي [عن أبيه الحسين] عن أبيه علي
1 / 17
رضوان الله عليهم، قال: كان رسول الله ﷺ ليبشر الرجل من أصحابه إذا رآه مغمومًا بالمداعبة. وكان ﷺ يقول: «إن الله يبغض المعبس في وجوه إخوانه» .
ومن الفتوة أن لا يطالع العبد نفسه، ولا أفعالها، ولا يطلب على فعله عوضًا. سمعت محمد بن عبد الله الرازي يقول: سئل أبو العباس بن عطاء عن أقرب شيء إلى مقت الله. فقال: رؤية النفس وأفعالها، وأشد من ذلك مطالبة الأعواض على أفعالها.
ومن الفتوة ملازمة التوبة وتصحيحها بصحة العزم على ترك العود إلى ما منه تاب. سمعت منصور بن عبد الله الهروي يقول: سمعت أبا الحسن المزين يقول: صحة التوبة ثلاثة أشياء: الندم على ما مضى، وصحة العزم على ترك العود إلى ما منه تاب، ووجل القلب على ذلك، لأنه من ذنوبه على يقين. ومما أحدث من التوبة على وجل لا يدري أمقبولٌ منه أم مضروبٌ به وجهه.
ومن الفتوة استجلاب محبة الله بالتحبب إلى أوليائه. سمعت عبد الواحد ابن بكر الورثاني يقول: سمعت القناد يقول: سمعت أبا موسى الديبلي يقول: سمعت أبا يزيد البسطامي و[قد] سأله رجل، فقال: دلني على عمل أتقرب به إلى الله. فقال: تحب أولياء الله. وتتحبب إليهم ليحبوك، فإن الله ينظر في قلوب أوليائه في كل يوم وليلة سبعين مرة فلعله أن ينظر إلى اسمك في قلب ولي من أوليائه، فيحبك ويغفر لك.
1 / 18
ومن الفتوة أن لا تعاتب إخوانك عند زلاتهم. وأن تتوب عنهم إذا أذنبوا. سمعت أبا الفرج الصائغ يقول: سمعت الحسين بن سهل، حدثنا أحمد بن عمران الرازي، سمعت على بن صالح يقول: سمعت عمران بن موسى الديبلي يقول: سمعت أبي يقول: قدم يوسف بن الحسين علي أبي يزيد البسطامي ﵏، فسأله: مع من تأمرني أن أصحب؟ فقال: من إذا مرضت عادك، وإذا أذنبت تاب عنك. وأنشد في هذا المعنى:
إذا مرضنا أتيناكم نعودكم ... وتذنبون، فنأتيكم، فتعتذروا
ومن الفتوة أن لا يقعد العبد عن الكسب إلا بعد صحة عقدة التوكل. سمعت أبا بكر الرازي يقول: سمعت أبا عثمان الآدمي يقول: سمعت إبراهيم الخواص يقول: لا ينبغي للصوفي أن يتعرض للقعود عن الكسب إلا أن يكون رجلًا مطلوبًا بتركه، قد وقعت به حالة من الأحوال اقتطعته عن مواضع كسبه، وقد أعتبه الحال عن المكاسب، فأما إذا كانت الحاجات منه قائمة، ولم يقع له عروف تحول بينه وبين التكلف، فالعمل أولى به، والكسب أحل له وأبلغ، لأن القعود لمن خرج عن المعارف والتشرف والعادات.
ومن الفتوة تصحيح اعتقاده فيما بينه وبين ربه فيما ألزم من الأحوال والآداب. سمعت أبا بكر الرازي يقول: سمعت خير النساج يقول: سمعت أبا حمزة يقول: إني لأستحيي من الله أن أدخل البادية، وأنا شبعان، وقد أعتقد
1 / 19
التوكل لئلا يكون شبعي زادًا أتزوده.
ومن الفتوة تعظيم حرمات الله. سمعت محمد بن شاذان يقول: سمعت علي بن موسى التاهرتي يقول: وقع من عبد الله بن مروان فلس في بئر قذرة، فاكترى عليه بثلاثة عشر دينارًا حتى أخرجه. فقيل له في ذلك، فقال: كان عليه اسم الله مكتوبًا، فاحترمته لذلك.
ومن الفتوة أن تعامل الناس على حسب ما تحب أن يعاملوك به وهو ما روي أن النبي ﷺ قال: «وأحب للناس ما تحب لنفسك، تكن مؤمنًا»، وفي حديث آخر: وآت للناس ما تحب أن يؤتى إليك» . سمعت أبا بكر الرازي يقول: سمعت سعيد الصوفي يقول: سمعت ابن يزدانيار و[قد] قال له رجلٌ: أوصني. فقال: اقض من الناس حسب ما يقضى لهم من نفسك.
1 / 20