137

Fusul Gharawiyya

الفصول الغروية في الأصول الفقهية

Shekarar Bugawa

1404 AH

عندنا حيث لا تكون المقدمة المحرمة سببا كما مر في بحث المقدمة وظاهر أن فعل الخياطة سبب لحصولها فلا يمكن الامتثال بالتوصل به إليها وعلى الوجه الثاني بأن الخياطة كالصلاة عبارة عن أفعال مخصوصة ودعوى أن الكون جز منها دونها تحكم واضح أقول إذا قلنا بأن الكون جز من الصلاة لم نرد به كون المكلف أي وجوده كما قد يسبق إلى الوهم فإنه ليس جز من الصلاة ضرورة أن وجود الموضوع ليس جزا من العرض القائم به ولا كونه في المكان أعني تخيره فيه لان مفهوم التخير خارج عن مفهوم الصلاة كما سننبه عليه بل نريد به الأكوان التي يكون المصلي عليها من حركاته وسكناته كقيامه وركوعه وسجوده ولا ريب أن القيام في المكان المغصوب عين الغصب وجز من الصلاة وعلى حده بقية الأكوان فيكون الصلاة في المكان المغصوب بجميع أجزائها الفعلية غصبا لأنها عبارة عن حركات وسكنات مخصوصة هي غصب إذا وقعت في المكان المغصوب نعم لو قلنا بأن النية جز من الصلاة كان ما عداها من بقية الأجزاء غصبا وفي القراءة وجهان والتحقيق أنها ليست غصبا و إنما هي مسببة عن تصرف غصبي فيمتنع مطلوبيتها مع تحريمه كما مر وأما الخياطة فهي بمنزلة الصلاة في كون الكون بالمعنى الأخير جزا منها لكن ليس النهي في الفرض المذكور عنه بل عن الكون بالمعنى الثاني لأنه المتبادر من قول القائل لا تكن في مكان كذا وهو خارج عنها وتوضيح ذلك أن كون الانسان في الدار ليس نفس كونه متحركا أو ساكنا بل للانسان المتحرك أو الساكن فيها صفتان متمايزتان إحداهما كونه في الدار وتخيره فيها وهي صفة لاحقة للذات باعتبار ما شغله من القضاء والأخرى كون الحركة أو السكون قائمة به ولو كان التخير أعني الكون في المكان عين الحركة والسكون لصدق أن بعض التخير حركة أو سكون كما يصدق في المثال المتقدم أن بعض الصلاة غصب إذ المناط في الحمل مجرد الاتحاد في الخارج وظاهر أنه لا يصدق وأما ما يقال من أن الحركة كون الجسم في المكان الثاني بعد كونه في المكان الأول أعني مجموع الكونين فتسامح بل التحقيق في حدها ما ذكره الآخرون من أنها خروج الجسم من مكان إلى مكان فيكون أمرا مغايرا للكون في المكان مضافا إليه لا يقال فالحركة الخاصة لكونها أمرا إضافيا تتوقف على الكون الخاص ضرورة أن المضاف الخاص يتوقف على خصوص ما يضاف إليه فيجب الكون الخاص من باب المقدمة فيجتمع فيه الامر و النهي لأنا نقول ليس المراد أن الحركة صفة مضافة إلى الكون في المكان بل إلى نفس المكان والكون فيه من لوازمه فلا توقف لها عليه أصلا ومع الاغماض عن ذلك نقول إنما تجب الحركة الخاصة بالوجوب التخييري نظرا إلى كونها أحد أفراد الواجب التعييني على تقدير حصول مقدمتها من الكون المحرم لا مطلقا ووجوب الواجب على تقدير حصول مقدمة لا يقتضي وجوبها فلا يلزم اجتماع الحرمة معه فيها فالكلام في المقام على حد الكلام في الضد حيث يجب على تقدير حصول مقدمته من ترك الواجب المحرم مع أنه لا يقتضي وجوبه و قد مر تحقيق ذلك فإن قلت قضية النهي عن طبيعة الكون حرمة كل واحد من أفرادها والخروج من مكان سبب للكون في مكان آخر و هو محرم لأنه أحد أفراد الكون المحرم فيحرم الخروج منه لحرمة معلوله قلت كما أن الخروج من مكان سبب للتوصل إلى الفرد الثاني كذلك سبب للتخلص عن الفرد الأول وكما أن الأول جهة لتحريمه كذلك الثاني جهة لوجوبه وهما متساويان في المرتبة إذ التقدير تساوي نسبة التحريم إلى جميع الأكوان الخاصة فتتعارضان و تتساقطان فيبقى السبب بالنظر إلى هاتين الجهتين خاليا عن الحكمين فإذا تحقق له جهة أخرى مقتضية لوجوبه صح اتصافه به ولو فرض كون الحركة رافعة للتمكن من الخروج ولو في زمن يسير لم يؤثر فيها ذلك جهة قبح زائد يعرف وجهه مما أسلفناه في مسألة الضد حيث لم نفرق فيه بين الرافع منه للتمكن وغيره ويظهر مما قررنا أنه لو كانت الحركة في جوانب المكان بحيث يتسبب لزوال الكون المباح وحدوث الكون المحرم كانت محرمة وحينئذ فربما أشكل الامر في مسألة الخياطة إذا فرض وقوعها في جوانب الدار بحيث يكون تحريك اليد فيها من خارجها إليها مع أن أهل العرف لا يفرقون في الحكم بالامتثال بينه وبين وقوعها في الدار وجوابه أنا إن قلنا بأن المفهوم من قول القائل لا تكن في الدار المنع من كون أصل الجثة فيها خاصة كما يشهد به عدم الاعتداد بإدخال مثل يده فيها مع خروج الجثة في حصول المخالفة ولا بإخراجها مع دخول الجثة في رفع المخالفة أو تخفيفها كان كون اليد في الدار غير محرمة فلا ينافي في وجوب حركتها إليها وفيها مطلقا وبه يتضح وجه آخر في الجواب عن الاستدلال المذكور أيضا وإن جعلنا المدار على ما يعد عرفا كونا له فيها كما هو التحقيق فلا خفاء في أنه ليس للعبد فيها إلا كون واحد فإن كان فيها بتمام أعضائه عد كون المجموع كونا واحدا محرما وإن ترك بعض أعضائه كاليد خارجها كان كون البقية كونا واحدا محرما فهما فردان من الكون في مرتبة واحدة من التحريم فتحريك اليد في الفرض المذكور من قبيل التسبب للانتقال من فرد محرم إلى مثله وقد عرفت خلو مثله عن التحريم هذا فإذا ثبت مما حققنا أنهما أمران متغايران جاز أن يتعلق الامر بأحدهما والنهي بالآخر وخرج عن محل النزاع فلا مطابقة بين المثال المذكور وبين المقام وإن أريد المثال المطابق فليمثل بما لو أمر المولى عبده بخياطة ثوب ونهاه عن التصرف في مكان فخاطه فيه ولا ريب في أنه لا يعد ممتثلا نعم يجوز أن يسقط عنه التكليف بالخياطة حينئذ بأن لا يكون عاصيا بتركها أيضا نظرا إلى حصول الغرض إذا عرفت هذا تبين لك أنه يمكن توجيه كلام المجيب بحمل الكون الذي نفي كونه جزا من الخياطة على الكون بالمعنى الثاني لأنه مورد النهي فيستقيم كلامه ويسقط به الاستدلال المذكور هذا غاية تحقيق المقام وإن كان كلام كثير منهم لا يساعد عليه واعلم أنه يتفرع على ما حققناه من أن النهي عن الكون في مكان لا يقتضي النهي عن مطلق التصرف فيه لا عقلا ولا عرفا أحكام كثيرة متفرقة في أبواب الفقه منها أن من نذر أن لا يكون في مكان أو نهاه عنه من يجب عليه إطاعته شرعا

Shafi 137