وفي دمشق جامع مشهور اسمه «جامع التوبة» في حي العُقَيبة، وهو اليوم من أحياء دمشق القديمة، ولكنه كان قديمًا قرية خارج البلد. وكان فيها خان يدعى خان الزّنجاري، قد جمع - كما قال ابن خَلّكان- أسباب اللذائذ ويجري فيه من ألوان الفسوق والمعاصي ما لا يوصف.
وبلغ ذلك الملك الأشرف، وقيل له: إن هذا لا يجوز أن
_________
= ألف دينار. وروى ابن الأثير أخبارًا مدهشة عن كرمه وسخاء نفسه وما فرّقه في الناس من أموال، وقال أيضًا: ووُجد في بيت من داره ألوف رِقاع كلها مختومة، فقيل له: لِمَ لا تفتحها؟ قال: لا حاجة لنا فيها، كلها سِعايات. ونقل السيوطي عن سبط ابن الجوزي أنه دخل إلى الخزائن يومًا فقال له خادمه: كانت في أيام آبائك تمتلئ. فقال: "ما جُعلت الخزائن لتمتلئ بل لتُفرَّغ وتُنفَق في سبيل الله، فإن الجمعَ شُغلُ التجّار". ولم يَعِش في الخلافة غير تسعة أشهر، ﵀. ومن تمام الفائدة أن يعرف الناس شيئًا عن ابنه المستنصر، وهو أبو المستعصم آخر الخلفاء العباسيين في العراق. وكان المستنصر صالحًا مُصلحًا كأبيه الظاهر، وكان جدّه الناصر يقرّبه ويسميه «القاضي» لهُداه وعقله وإنكاره ما يجد من المنكر. وكان عادلًا كريمًا شهمًا حسن السيرة، أقام مَنار الدين ونشر السنن وعمّر الطرق، وقاد الجيوش وافتتح الحصون وحفظ الثغور، وردّ التتار في مواقع عدة وأنزل بهم هزائم منكرة، وهو الذي بنى المدرسة المستنصرية ببغداد، ولولا أن أطيل لسردت عليكم من أخباره الكثير، ولكن المقام ليس يتسع لذلك كله، فاقرؤوا عنه في كتب التاريخ لتعرفوا فصلًا لا تعرفونه من أخبار دولة الإسلام. ومَلَك سبع عشرة سنة، ﵀ (مجاهد).
1 / 48