وانتقل منه إلى الدار التي تليه، فلمح فيها نساء فغضّ من بصره وابتعد، ونظر فرأى إلى جنبها دارًا خالية، وشم رائحة الطبخ تصعد منها، فأحس من جوعه لمّا شمّها كأنها مغناطيس يجذبه إليها. وكانت الدور من طبقة واحدة، فقفز قفزتين من السطح إلى الشرفة فصار في الدار، وأسرع إلى المطبخ فكشف غطاء القِدر، فرأى فيها باذنجانًا محشوًّا، فأخذ واحدة ولم يُبالِ من شدة جوعه بسخونتها، وعضّ منها عضة، فما كاد يبتلعها حتى ارتدّ إليه عقله ودينه، وقال لنفسه: أعوذ بالله، أنا طالب علم مقيم في المسجد، ثم أقتحم المنازل وأسرق ما فيها؟
وكبر عليه ما فعل، فندم واستغفر ورَدّ الباذنجانة، وعاد من حيث جاء فنزل إلى المسجد وقعد في حلقة الشيخ وهو لا يكاد -من شدة الجوع- يفهم ما يسمع. فلما انقضى الدرس وانصرف الناس (وأؤكد لكم أن القصة واقعة) جاءت امرأة مستترة (ولم يكن في تلك الأيام امرأة غير مستترة) فكلمت الشيخ بكلام لم يسمعه، فتلفّت الشيخ حوله فلم يَرَ غيره، فدعاه وقال له: هل أنت متزوج؟ قال: لا. قال: هل تريد الزواج؟ فسكت، فقال له الشيخ: قل، هل تريد الزواج؟ قال: يا سيدي، ما عندي ثمن رغيف آكله فبماذا أتزوج؟
قال الشيخ: إن هذه المرأة خبّرتني أن زوجها توفي وأنها غريبة عن هذا البلد، ليس لها فيه ولا في الدنيا إلا عم عجوز فقير، وقد جاءت به معها (وأشار إليه قاعدًا في ركن الحلقة) وقد ورثَت دار زوجها ومعاشه، وهي تحب أن تجد رجلًا يتزوجها على سنة الله ورسوله لئلا تبقى منفردة فيطمع فيها الأشرار وأولاد
1 / 20