ولقد حضرت في عمري مؤتمرًا واحدًا، هو مؤتمر القدس سنة ١٩٥٣ الذي انعقد لتأييد قضية فلسطين، وقد شرّفوني بأن ألقي كلمة الافتتاح فيه، فألقيتها وقلت فيها: إن كان لدى اليهود وعد من بلفور، يعدهم فيه بما لا حكم له عليه ولا نفاذ لأمره فيه، فإن لدينا وعدًا من رب بلفور ورب قوم بلفور، رب العالمين، بأن النصر للمؤمنين، للمؤمنين بكتب الله كلها وبرسل الله كلهم، العاقبة لهم؛ فإن كنا منهم بقلوبنا وجوارحنا وأقوالنا وأفعالنا، حقق الله هذا النصر على أيدينا وكان لنا به المجد في الدنيا والجنة في الآخرة، وإن انحرفنا وضللنا وابتعدنا عن ديننا استبدل الله بنا قومًا غيرنا، فأسلم الشعب الألماني مثلًا أو الشعب الياباني، فحملوا لواء الإسلام الذي لا يسقط أبدًا، وبقينا نحن -لا سمح الله ولا قدّر- كفقراء اليهود، لا دنيا ولا دين.
* * *
الإنسان يحبّ أن يكون مخدومًا لا خادمًا وأن يكون حرًا لا عبدًا، إلا إذا كانت العبودية لله وكانت الخدمة لدين الله. المسلمون الأوَّلون لمّا وضعوا جباههم (وهي أكرم أعضائهم) على الأرض عند موطئ النعال ذلًا لله، أعزهم الله، فجعل جباه الجبابرة توضع عند أقدامهم، وملّكهم مفاتيح الأرض، وجعلهم سادة الأرض وأساتذتها.
وبعد، فإن العاقبة للإسلام، فمن كان مع الإسلام كان النصر معه.
* * *