مقدمة المؤلف
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد وَآله وَسلم
الْحَمد الله الْقَائِم بِالْقِسْطِ الْملك للقبض والبسط الَّذِي لَا راد لما يَقْضِيه وَلَا دَافع لما يمضيه أَحْمَده على نعمه الَّتِي لَا يُحْصى عَددهَا وَلَا يَنْقَطِع مددها وَأشْهد أَن لَا إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ شَهَادَة تزلف إِلَيْهِ وتكسب الحظوة لَدَيْهِ وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله الْمَبْعُوث بِالرَّحْمَةِ الْمُخْتَار لهداية الْأمة أرْسلهُ رَافعا لاعلام الحق صلى الله عَلَيْهِ وعَلى آله مصابيح الْخلق
ثمَّ أَنِّي مَا رَأَيْت نوعا من الْعُلُوم وفنا من الأداب إِلَّا وَقد صنف فِيهِ كتب تجمع أَطْرَافه وتنظم أصنافه الا الْكَلَام فِي الْفرق بَين معَان تقاربت حَتَّى أشكل الْقرب بَينهَا نَحْو الْعلم والمعرفة والفطنة والذكاء والارادة والمشيئة وَالْغَضَب والسخط والخطا والغلط والكمال والتمام وَالْحسن وَالْجمال والفصل وَالْفرق وَالسَّبَب والآلة وَالْعَام وَالسّنة وَالزَّمَان والمدة وَمَا شاكل ذَلِك فَانِي مَا رَأَيْت فِي الْفرق بَين هَذِه الْمعَانِي وأشبهاهها كتابا يَكْفِي الطَّالِب ويقنع الرَّاغِب مَعَ كَثْرَة مَنَافِعه فِي مَا يُؤَدِّي إِلَى الْمعرفَة بِوُجُوه الْكَلَام وَالْوُقُوف على حقائق معانية والوصول إِلَى الْفَرْض فِيهِ فَعمِلت كتابي هَذَا مُشْتَمِلًا على مَا تقع الْكِفَايَة بِهِ من غير إطالة وَلَا تَقْصِير وَجعلت كَلَامي فِيهِ على مَا يعرض مِنْهُ فِي كتاب الله وَمَا يَجْزِي فِي أَلْفَاظ الْفُقَهَاء والمتكلمين وَسَائِر محاورات النَّاس وَتركت الْغَرِيب الَّذِي يقل تداوله ليَكُون الْكتاب قصدا بَين العال والنحط وَخير الْأُمُور أوسطها
وَفرقت مَا أردْت تصمينه إِيَّاه من ذَلِك فِي ثَلَاثِينَ بَابا
1 / 21
الْبَاب الأول فِي الْإِبَانَة عَن كَون اخْتِلَاف الْعبارَات مُوجبا لاخْتِلَاف الْمعَانِي فِي كل لُغَة وَالْقَوْل فِي الْبَيَان عَن معرفَة الفروق وَالدّلَالَة عَلَيْهَا
الْبَاب الثَّانِي فِي الْفرق بَين مَا كَانَ من هَذَا النَّوْع كلَاما
الْبَاب الثَّالِث فِي الْفرق بَين الدَّلِيل وَالدّلَالَة وَالِاسْتِدْلَال وَالنَّظَر والتامل
الْبَاب الرَّابِع فِي الفروق بَين أقسامت الْعُلُوم وَمَا يجْرِي مَعَ ذَلِك من الفروق بَين الادراك والوجدان وَفِي الْفرق بَين مَا يُخَالف الْعُلُوم ويضادها
الْبَاب الْخَامِس فِي الْفرق بَين الْحَيَاة وَمَا يقرب مِنْهَا فِي اللَّفْظ وَالْمعْنَى وَمَا يُخَالِفهَا ويضادها وَالْفرق بَين الْقُدْرَة وَمَا يُخَالِفهَا ويناقضها وَالْفرق بَين الصِّحَّة والسلامة وَمَا يجْرِي مَعَ ذَلِك
الْبَاب السَّادِس فِي الْفرق بَين الْقَدِيم والعتيق وَالْبَاقِي والدائم وَمَا يجْرِي مَعَ ذَلِك
البابع السَّابِع فِي الْفرق بَين أَقسَام الارادات وأضدادها وَالْفرق بَين أَقسَام الْأَفْعَال
الْبَاب الثَّامِن فِي الْفرق بَين الْفَرد وَالْوَاحد والحوانية وَمَا بسبيل ذَلِك وَمَا يخالغه من الْفرق بَين الْكل وَالْجمع وَمَا هُوَ من قبيل الْجمع من التَّأْلِيف والتصنيف والتنظيم والتنضيد والقرق بَين الممارسة والمجاورة وَمَا يُخَالف ذَلِك من الفروق بَين الْفَصْل وَالْفرق
الْبَاب التَّاسِع فِي الْفرق بَين الشّبَه والشبه والعديل والنظير وَالْفرق بَين مَا يُخَالف ذَلِك من المتناقض والمتضاد وَمَا يجْرِي مَعَه
الْبَاب الْعَاشِر فِي الْفرق بَين الْجِسْم والجزم والشخص والشبح وَمَا يجْرِي مَعَ ذَلِك
الْبَاب الْحَادِي عشر فِي الْفرق بَين الْجِنْس وَالنَّوْع وَالضَّرْب والصنف وَالْأَصْل والاس وَمَا بسبيل ذَلِك
الْبَاب الثَّانِي عشر فِي الْفرق بَين الْقسم والحظ والرزق والنصيب وَبَين السخاء والجود وَبَين أَقسَام العطيات وَبَين الْغنى وَالْجدّة وَمَا يُخَالف الْغنى من الْفقر والاملاق وَمَا بسبيله وَمَا يُخَالف الْحَظ من الحرمان والحرف
الْبَاب الثَّالِث عشر فِي الْفرق بَين الْعِزّ والرف والرياسة والسؤدد وَبَين الْملك وَالسُّلْطَان والدولة والتمكين وَبَين النَّصْر والاعانة وَبَين الْكَبِير والعظيم وَالْكبر والكبرياء وَبَين الحكم وَالْقَضَاء وَالْقدر وَالتَّقْدِير وَمَا يجْرِي مَعَ ذَلِك
الْبَاب الرَّابِع عشر فِي الْفرق بَين النِّعْمَة وَالرَّحْمَة والاحسان والانعام وَبَين الْحلم والامهال وَالصَّبْر وَالِاحْتِمَال وَالْوَقار والسؤدد وَمَا بسبيل ذَلِك
الْبَاب الْخَامِس عشر فِي الْفرق بَين الْحِفْظ وَالرِّعَايَة والحراسة والحماية وَالْفرق بَين الرَّقِيب والمهيمن وَبَين الْوَكِيل والضمين وَمَا يجْرِي مَعَ ذَلِك
الْبَاب السَّادِس عشر فِي الْفرق بَين الْهِدَايَة والرشدت وَالصَّلَاح والسداد وَمَا يُخَالف ذَلِك من الغي وَالْفساد
الْبَاب السَّابِع عشر فِي الْفرق بَين التَّكْلِيف والاختبار والابتلاء والفتنة وَبَين اللطف والتوفيق واللطف واللطف
الْبَاب الثَّامِن عشر فِي الْفرق بَين الدّين وَالْملَّة وَالطَّاعَة وَالْعِبَادَة وَالْفَرْض وَالْوُجُوب والمباح والحلال وَمَا يُخَالف ذَلِك من أَقسَام الْمعاصِي وَالْفرق بَين التَّوْبَة والاعتذار وَمَا يجْرِي مَعَ ذَلِك
الْبَاب التَّاسِع عشر فِي الْفرق بَين االثواب والعوض وَبَين الْعِوَض
وَالْبدل وَبَين الْقيمَة وَالثمن وَالْفرق بَين مَا يُخَالف الثَّوَاب من الْعقَاب وَالْعَذَاب والألم والوجع وَالْخَوْف والخشية والوجل وَالْحيَاء والخجل وَمَا يُخَالف ذَلِك من الرَّجَاء والطمع واليأس والقنوط
الْبَاب الْعشْرُونَ فِي الْفرق بَين الْكبر والتيه والجبرية وَمَا يُخَالف ذَلِك الخضوع والخشوع وَمَا بسبيلها
الْبَاب الْحَادِي وَالْعشْرُونَ فِي الْفرق بَين الْعَبَث واللعب والهزل والمزاح والاستهزاء والسخرية وَمَا بسبيل ذَلِك
الْبَاب الثَّانِي وَالْعشْرُونَ فِي الْفرق بَين الخديعة وَالْحِيلَة وَالْمَكْر والكيد وَمَا يقرب من ذَلِك
الْبَاب الثَّالِث وَالْعشْرُونَ فِي الْفرق بَين الْوَضَاءَة وَالْحسن والقسامة والبهجة وَبَين السرُور والفرح وَمَا بسبيل ذَلِك
الْبَاب الرَّابِع وَالْعشْرُونَ فِي الْفرق بَين الزَّمَان والدهر والأمد والمدة وَمَا يجْرِي مَعَ ذَلِك
الْبَاب الْخَامِس وَالْعشْرُونَ فِي الْفرق بَين ضروب الْقرَابَات وَبَين المصاحبة والمقاربة وَمَا يقرب من ذَلِك
الْبَاب السَّادِس وَالْعشْرُونَ فِي الْفرق بَين الاظهار والجهر وَمَا بسبيل ذَلِك وَمَا يُخَالِفهُ من الفروق بَين الكتمان والاخفاء والستر والحجاب وَمَا يقرب ذَلِك
الْبَاب السَّابِع وَالْعشْرُونَ فِي الْفرق بَين الْبَعْث والارسال والإنفاذ وَبَين النَّبِي وَالرَّسُول
الْبَاب الثَّامِن وَالْعشْرُونَ فِي الْفرق بَين الْكتب والنسخت وَبَين المنشور وَالْكتاب وَبَين الْكتاب والدفاتر والصحيفة
الْبَاب التَّاسِع وَالْعشْرُونَ فِي الْفرق بَين نِهَايَة الشَّيْء وَآخره وغايته وَبَين
الْجَانِب ولكنف وَمَا يجْرِي مَعَ ذَلِك
الْبَاب الثَّلَاثُونَ فِي الْفرق بَين أَشْيَاء مُخْتَلفَة
وَالرَّغْبَة إِلَى الله فِي التَّوْفِيق للصَّوَاب فِي مَا أضمنه هَذِه الْأَبْوَاب ثمَّ فِي جَمِيع مَا أتصرف فِيهِ من القَوْل وَالْفِعْل إِن شَاءَ الله تَعَالَى
Shafi da ba'a sani ba
الْبَاب الأول
فِي الابانة عَن كَون اخْتِلَاف الْعبارَات والاسماء مُوجبا لاخْتِلَاف الْمعَانِي فِي كل لُغَة وَالْقَوْل فِي الدّلَالَة على الفروق بَينهَا
قَالَ الشَّيْخ أَبُو هِلَال الْحسن بن عبد الله بن سهل رَحمَه الله تَعَالَى الشَّاهِد على أَن اخْتِلَاف الْعبارَات والاسماء يُوجب اخْتِلَاف الْمعَانِي أَن الِاسْم كلمة تدل على معنى دلَالَة الْإِشَارَة وَإِذا أُشير إِلَى الشَّيْء مرّة وَاحِدَة فَعرف فالإشارة إِلَيْهِ ثَانِيَة وثالثة غير مفيدة وواضح اللُّغَة حَكِيم لَا يَأْتِي فِيهَا بِمَا لَا يُفِيد فَإِن أُشير مِنْهُ فِي الثَّانِي وَالثَّالِث إِلَى خلاف مَا أُشير إِلَيْهِ فِي الأول كَانَ ذَلِك صَوَابا فَهَذَا يدل على أَن كل اسْمَيْنِ يجريان على معنى من الْمعَانِي وَعين من الْأَعْيَان فِي لُغَة وَاحِدَة فَإِن كل اسْمَيْنِ يجريان على معنى من الْمعَانِي وَعين من الْأَعْيَان فِي لُغَة وَاحِدَة فَإِن كل وَاحِد مهما يَقْتَضِي خلاف مَا يَقْتَضِيهِ الآخر وَإِلَّا لَكَانَ الثَّانِي فضلا لَا يحْتَاج إِلَيْهِ وَإِلَى هَذَا ذهب الْمُحَقِّقُونَ من الْعلمَاء واليه أَشَارَ الْمبرد فِي تَفْسِير قَوْله تَعَالَى (لكل جعلنَا مِنْكُم شرعة ومنهاجا) قَالَ فعطف شَرعه على منهاج لِأَن الشرعة لأوّل الشَّيْء والمنهاج لمعظمة ومتسعه واستشهدت على ذَلِك بقَوْلهمْ شرع فلَان فِي كَذَا إِذا ابتدأه وأنهج البلى فِي الثَّوْب إِذا اتَّسع فِيهِ قَالَ وَعطف الشَّيْء على الشَّيْء وان كَانَا يرجعان إِلَى شَيْء وَاحِد كَانَ فِي أَحدهمَا خلاف للْآخر فَأَما إِذا اريد بالثناني مَا أُرِيد بِالْأولِ فعطف أَحدهمَا على الآخر خطأ لَا تَقول
جَاءَنِي زيد وَأَبُو عبد الله إِذا كَانَ زيد هُوَ أَبُو عبد الله وَلَكِن مثل قَوْله من الْبَسِيط
(أَمرتك الْخَيْر فافعل مَا أمرت بِهِ ... فقد تركتك ذَا مَال وَذَا نشب) وذلكت أَن المَال إِذا لم يُقيد فَإِنَّمَا يعْنى بِهِ الصَّامِت كَذَا قَالَ والنشب
1 / 22
مَا ينشب وَيثبت من العقارات وكلك قَول الحطيئة من الطَّوِيل
(أَلا حبذا هِنْد وَأَرْض بهَا هِنْد ... وَهِنْد أَتَى من دونهَا الناي والبعد)
وَذَلِكَ أَن النأي يكون لما ذهب عَنْك إِلَى حَيْثُ بلغ وَأدنى ذَلِك يُقَال لَهُ نأي والبعد تَحْقِيق التروح والذهاب إِلَى الْموضع السحيق وَالتَّقْدِير أَتَى من دونهَا النأي الَّذِي يكون أول الْبعد والبعد الَّذِي يكَاد يبلغ الْغَايَة قَالَ أَبُو هِلَال ﵀ وَالَّذِي قَالَه هَهُنَا فِي الْعَطف يدل على أَن جَمِيع مَا جَاءَ فِي الْقُرْآن وَعَن الْعَرَب من لفظين جاريين مجْرى مَا ذكرنَا من الْعقل واللب والمعرفة وَالْعلم وَالْكَسْب وَالْجرْح وَالْعَمَل وَالْفِعْل مَعْطُوفًا أَحدهمَا على أخلا فَإِنَّمَا جَازَ هَذَا فيهمَا لما بَينهمَا من الْفرق فِي الْمَعْنى وَلَوْلَا ذَلِك لم يجز عطف زيد على أبي عبد الله إِذْ كَانَ هوهو قَالَ أَبُو هِلَال ﵀ وَمَعْلُوم أَن من حق الْمَعْطُوف أَن يتَنَاوَل غير الْمَعْطُوف عَلَيْهِ ليَصِح عطف مَا عطف بِهِ لعيه إِلَّا إِ ١ اعْلَم أَن الثَّانِي ذكر تفخيما وَأَفْرج عَمَّا قبله تَعْظِيمًا نَحْو عطف جِبْرِيل وَمِيكَائِيل على الْمَلَائِكَة فِي قَوْله تَعَالَى (من كَانَ عدوا الله
وَمَلَائِكَته وَرُسُله وَجِبْرِيل وميكال) وَقَالَ بعض النَّحْوِيين لَا يجوز أَن يدل اللَّفْظ الْوَاحِد على مَعْنيين مُخْتَلفين حَتَّى تُضَاف عَلامَة لكل وَاحِد مِنْهُمَا فَإِن لم يكن فِيهِ لذَلِك عَلامَة أشكل وألبس على الْمُخَاطب وَلَيْسَ من الْحِكْمَة وضع الْأَدِلَّة المشكلة إِلَّا أَن يدْفع ذلكت ضَرُورَة أوعلة وَلَا يَجِيء فِي الْكَلَام غير ذَلِك إِلَّا مَا شَذَّ وَقل وكما لَا يجوز أَن يدل اللَّفْظ الْوَاحِد عَليّ مَعْنيين فَكَذَلِك لَا يجوز أَن يكون اللفظان يدلان على معنى وَاحِد لِأَن فِي ذَلِك تَكْثِير للغة بِمَا لَا فَائِدَة فِيهِ
قَالَ وَلَا يجوز أَن يكون فعل وأفعل بِمَعْنى وَاحِد كَمَا لَا يكونَانِ على
1 / 23
بِنَاء وَاحِد إِلَّا أَن يجي ذَلِك فِي لغتين فَأَما فِي لُغَة وَاحِدَة فمحال أَن يخْتَلف اللفظان وَالْمعْنَى وَاحِد كَمَا ظن كثير من النَّحْوِيين واللغويين وَإِنَّمَا سمعُوا الْعَرَب تَتَكَلَّم بذلك على طباعها وَمَا فِي نفوسها من مَعَانِيهَا الْمُخْتَلفَة وعَلى مَا جرت بِهِ عاداتها وتعارفها وَلم يعرف السامعون تِلْكَ الْعِلَل والفروق فطنوا مَا ظنوه من ذَلِك وتأولوا على الْعَرَب مَا لَا يجوز فِي الحكم وَقَالَ الْمُحَقِّقُونَ من أهل الْعَرَبيَّة لَا يجوز أَن تخْتَلف الحركتان فِي الكمتين ومعناهما وَاحِد قَالُوا فَإِذا كَانَ الرجل عدَّة للشي قيل فِيهِ مفعل مثل مرحم ومحرب وَإِذا كَانَ قَوِيا على الْفِعْل قيل فعول مثل صبور وشكور وَإِذا كَانَ ذَلِك عَادَة لَهُ قيل مفعال مثل معوان ومعطاء ومهداء وَمن لَا يتَحَقَّق الْمعَانِي يظنّ أَن ذَلِك كُله يُفِيد الْمُبَالغَة فَقَط وَلَيْسَ الْأَمر كذلكت بل هِيَ مَعَ إفادتها الْمُبَالغَة تفِيد الْمعَانِي الَّتِي ذَكرنَاهَا وَكَذَلِكَ قَوْلنَا فعلت يُفِيد خلاف مَا يُفِيد أفعلت فِي جَمِيع الْكَلَام إِلَّا مَا كَانَ من ذَلِك لغتين فقولك سقيت الرجل يُفِيد أَنَّك أَعْطيته مَا يشربه أَو صببت ذَلِك فِي حلقه وأسقيته يُفِيد أَنَّك جعلت لَهُ سقيا أَو حظا من المَاء وقولك شَرقَتْ الشَّمْس يُفِيد
خلاف غربت وأشرقت يُفِيد أَنَّهَا صَارَت ذَات اشراق ورعدت السَّمَاء أَتَت برعد وأرعدت صَارَت ذَات رعد فَأَما قَول بعض أهل اللُّغَة إِن الشّعْر وَالشعر وَالنّهر وَالنّهر بِمَعْنى وَاحِد فَإِن ذَلِك لُغَتَانِ وَإِذا كَانَ اخْتِلَاف الحركات يُوجب اخْتِلَاف الْمعَانِي فاختلاف الْمعَانِي أَنْفسهَا أولى أَن يكون كَذَلِك وَلِهَذَا الْمَعْنى أَيْضا قَالَ الْمُحَقِّقُونَ من أهل الْعَرَبيَّة إِن حُرُوف الْجَرّ لَا تتعاقب حَتَّى قَالَ ابْن درسْتوَيْه فِي جَوَاز تعاقبها إبِْطَال حَقِيقَة اللُّغَة وإفساد الْحِكْمَة فِيهَا وَالْقَوْل بِخِلَاف مَا يُوجِبهُ الْعقل وَالْقِيَاس قَالَ أَبُو هِلَال ﵀ وَذَلِكَ أَنَّهَا إِذا تعاقبت خرجت عَن
1 / 24
حقائقها وَوَقع كل وَاحِد مِنْهُمَا بِمَعْنى الآخر فَأوجب ذَلِك أَن يكون لفظان مُخْتَلِفَانِ لَهما معنى وَاحِد فَأبى الْمُحَقِّقُونَ أَن يَقُولُوا بذلك وَقَالَ بِهِ من لَا يتَحَقَّق الْمعَانِي وَلَعَلَّ قَائِلا يَقُول إِن امتناعك من أَن يكون للفظين الْمُخْتَلِفين معنى وَاحِد رد على جَمِيع أهل اللُّغَة لأَنهم إِذا أَرَادو أَن يفسروا اللب قَالُوا هُوَ الْعقل أَو الْجرْح قَالُوا هُوَ الْكسْب أَو السكب قَالُوا هُوَ الصب وَهَذَا يدل على أَن اللب وَالْعقل عِنْدهم سَوَاء وَكَذَلِكَ نقُول إِلَّا أَنا نَذْهَب إِلَى أَن قَوْلنَا اللب وان كَانَ هُوَ الْعقل فَإِنَّهُ يُفِيد خلاف مَا يُفِيد قَوْلنَا الْعقل وَمثل ذَلِك القَوْل وَإِن كَانَ هُوَ الْكَلَام وَالْكَلَام هُوَ القَوْل فَإِن كل وَاحِد مِنْهُمَا يُفِيد بِخِلَاف مَا يفِيدهُ الآخر وَكَذَلِكَ الْمُؤمن وَإِن كَانَ هُوَ الْمُسْتَحق للثَّواب فَإِن قَوْلنَا مُسْتَحقّ للثَّواب يُفِيد خلاف مَا يفِيدهُ قَوْلنَا مُؤمن وَكَذَلِكَ جَمِيع مَا فِي هَذَا الْبَاب وَلِهَذَا الْمَعْنى قَالَ الْمبرد الْفرق بَين ابصرته وبصرت بِهِ على اجْتِمَاعهمَا فِي الْفَائِدَة أَن بصرت بِهِ مَعْنَاهُ أَنَّك صرت بَصيرًا بموضعه وَفعلت أَي انْتَقَلت إِلَى هَذَا الْحَال وَأما أبصرته فقد يجوز أَن يكون مرّة وَيكون لأكْثر من ذَلِك وَكَذَلِكَ أدخلته
وَدخلت بِهِ فَإِذا قلت أدخلته جَازَ أَن تدخله وانت مَعَه وجا إلاتكون مَعَه وَدخلت بِهِ إِخْبَار بِأَن الدُّخُول لَك وَهُوَ مَعَك بسببك وحاجتنا إِلَى الِاخْتِصَار تلزمنا الِاقْتِصَار فِي تأييد هَذَا الْمَذْهَب على مَا ذَكرْنَاهُ وَفِيه كِفَايَة
فَأَما مَا يعرف بِهِ الْفرق بَين هَذِه الْمعَانِي وأشباهها فإشياء كَثِيرَة مِنْهَا اخْتِلَاف مَا يسْتَعْمل عَلَيْهِ اللفظان اللَّذَان يُرَاد الْفرق بَين معنييهما وَمِنْهَا اعْتِبَار صِفَات الْمَعْنيين اللَّذين يطْلب الْفرق بَينهمَا وَمِنْهَا اعْتِبَار مَا يؤول إِلَيْهِ المعنيات وَمِنْهَا اعْتِبَار الْحُرُوف الَّتِي تعدى بهَا الْأَفْعَال
1 / 25
وَمِنْهَا اعْتِبَار النقيض وَمِنْهَا اعْتِبَار الاشقاق وَمِنْهَا مَا يُوجِبهُ صِيغَة اللَّفْظ من الْفرق بَينه وَبَين مَا يُقَارِبه وَمِنْهَا اعْتِبَار حَقِيقَة اللَّفْظَيْنِ أَو أَحدهمَا فِي أصل اللُّغَة
فَأَما الْفرق الَّذِي يعرف من جِهَة مَا تسْتَعْمل عَلَيْهِ الكلمتان فكالفرق بَين الْعلم والمعرفة وَذَلِكَ أَن الْعلم يتَعَدَّى إِلَى مفعولين والمعرفة تتعدى إِلَى مفعول وَاحِد فتصرفهما على هَذَا الْوَجْه وَاسْتِعْمَال أهل اللُّغَة إيَّاهُمَا عَلَيْهِ يدل على الْفرق بَينهمَا فِي الْمَعْنى وَهُوَ أَن لفظ الْمعرفَة يُفِيد تَمْيِيز الْمَعْلُوم من غَيره وَلَفظ الْعلم لَا يُفِيد ذَلِك إِلَّا بِضَرْب آخر من التَّخْصِيص فِي ذكر الْمَعْلُوم وسنتكلم فِي ذَلِك بِمَا فِيهِ كِفَايَة إِذا انتهينا إِلَى مَوْضِعه
وَأما الْفرق الَّذِي يعرف من جِهَة صِفَات الْمَعْنيين فكالفرق بَين الْحلم والإمهال وَذَلِكَ أَن الْحلم لَا يكون إِلَّا حسنا والإمهال يكون حسنا وقبيحا وسنبين ذَلِك فِي مَوْضِعه إِن شَاءَ الله
وَأما الْفرق الَّذِي يعرف من جِهَة اعْتِبَار مَا يؤول إِلَيْهِ المعنيان فكالفرق بَين المزاح والاستهزاء وَذَلِكَ أَن المزاح لَا يَقْتَضِي تحقير الممازح وَلَا اعْتِقَاد ذَلِك فِيهِ أَلا ترى التارع يمازح المبتوع من الرؤساء والملوك فَلَا يدل ذَلِك مِنْهُ على تحقيرهم وَلَا اعْتِقَاد تحقيرهم وَلَكِن يدل
على استئناسه بهم والاستهزاء يَقْتَضِي تحقيره المستهزا بِهِ فَظهر الفرق بَين الْمَعْنيين بتباين مَا دلا عَلَيْهِ وأوجباه
وَأما الْفرق الَّذِي يعلم من جِهَة الْحُرُوف الَّتِي تعدى بهَا الْأَفْعَال فكالفرق بَين العقو والغفران ذَلِك أَنَّك تَقول عَفَوْت عَنهُ فَيَقْتَضِي ذَلِك أَنَّك محوت الذَّم وَالْعِقَاب عَنهُ وَتقول غفرت لَهُ فَيَقْتَضِي ذَلِك أَنَّك سترت لَهُ ذَنبه وَلم تفضحه بِهِ وَبَيَان هَذَا يَجِيء فِي بَابه إِن شَاءَ الله
واما الْفرق الَّذِي يعرف من جِهَة اعْتِبَار النقيض فكالفرق بَين الْحِفْظ وَالرِّعَايَة وَذَلِكَ أَن نقيض الْحِفْظ الإضاعة ونقيض الرِّعَايَة
1 / 26
الإهمال وَلِهَذَا يُقَال للماشية إِذا لم يكن لَهَا رَاع همل والإهمال مَا يُؤَدِّي إِلَى الإضاعة فعلى هَذَا يكون الْحِفْظ وَصرف المكاره عَن الشَّيْء لِئَلَّا يهْلك وَالرِّعَايَة فعل السَّبَب الَّذِي يصرف بِهِ المكاره عَنهُ وسنشرح هَذَا فِي مَوْضِعه ان شَاءَ الله وَلَو لم يعْتَبر فِي الْفرق بَين هَاتين الْكَلِمَتَيْنِ وَمَا بسبيلهما النقيض لصعب معرفَة الْفرق بَين ذَلِك
وَأما الْفرق من جِهَة الِاشْتِقَاق فكالفرق بَين السياسة وَالتَّدْبِير وَذَلِكَ أَن السياسة هِيَ النّظر فِي الدَّقِيق من أُمُور السوس مشتقه من السوس هَذَا الْحَيَوَان الْمَعْرُوف وَلِهَذَا لَا يُوصف الله تَعَالَى بالسياسة لِأَن الْأُمُور لَا تدق عَنهُ التَّدْبِير مُشْتَقّ من الدبر ودبر كل شَيْء آخِره وأدبار الْأُمُور عواقبها فالتدبير آخر الْأُمُور وسوقها إِلَى مَا يصلح بِهِ أدبارها أَي عواقبها وَلِهَذَا قيل للتدبير المستمر سياسة وَذَلِكَ أَن التَّدْبِير إِذا كثر وَاسْتمرّ عرض فِيهِ مَا يحْتَاج إِلَى دقة النّظر فَهُوَ رَاجع إِلَى الأول وكالفرق بَين التِّلَاوَة وَالْقِرَاءَة وَذَلِكَ أَن التِّلَاوَة لَا تكون فِي الْكَلِمَة الْوَاحِدَة وَالْقِرَاءَة تكون فِيهَا تَقول قَرَأَ فلَان اسْمه وَلَا تَقول تَلا اسْمه وَذَلِكَ أَن أصل التِّلَاوَة من قَوْلك تَلا الشَّيْء الشَّيْء يتلوه إِذا تبعه فَإِذا لم تكن الْكَلِمَة تتبع أُخْتهَا لم تسْتَعْمل فِيهَا التِّلَاوَة وتستعمل فِيهَا الْقِرَاءَة لِأَن القراءاة اسْم الْجِنْس هَذَا الْفِعْل
وَأما الْفرق الَّذِي توجبه صيفة اللَّفْظ فكالفرق بَين الِاسْتِفْهَام وَالسُّؤَال وَذَلِكَ أَن الِاسْتِفْهَام لَا يكون إِلَّا لما يجهله المستفهم أَو يشك فِيهِ لِأَن المستفهم طَالب لِأَن يفهم وَقد يجوز أَن يسْأَل فِيهِ السَّائِل عَمَّا يعلم وَعَما لَا يعلم فصيغة الِاسْتِفْهَام هِيَ استفعال والاستفعال صيفته من الاسماء وَالْأَفْعَال فَمَعْنَاه مُخْتَلف مثل الضعْف والضعف والجهد والجهد وَغير ذَلِك مِمَّا يجْرِي مجْرَاه
وَأما الْفرق الَّذِي يعرف من جِهَة اعْتِبَار أصل اللَّفْظ فِي اللُّغَة
1 / 27
وَحَقِيقَته فِيهَا فَالْفرق بَين الحنين واشتياق وَذَلِكَ أَن أصل الحنين فِي اللُّغَة هُوَ صَوت من أصوات الأبل تحدثها إِذا اشتاقت إِلَى أوطانها ثمَّ كثر ذَلِك حَتَّى أجْرى اسْم كل وَاحِد منخا على الاخر كَمَا يجْرِي على السَّبَب وعَلى الْمُسَبّب أسم السَّبَب فَإِذا اعْتبرت هَذِه الْمعَانِي وَمَا شاكلها فِي الْكَلِمَتَيْنِ وَلم يستبن لَك الْفرق بَين معنييهما فَاعْلَم أَنَّهُمَا من لغتين مثل الْقدر بالبصرية والبرمة بالمكية وَمثل قَوْلنَا الله بِالْعَرَبِيَّةِ وأزر بِالْفَارِسِيَّةِ وَهَذِه جملَة إِذا اعتمدتها أوصلتك إِلَى بغيتك من هَذَا الْبَاب إِن شَاءَ الله
1 / 28
الْبَاب الثَّانِي
فِي الْفرق بَين مَا كَانَ من هَذَا النَّوْع كلَاما
فَمن الْكَلَام الِاسْم وَالتَّسْمِيَة واللقب وَالصّفة فَالْفرق بَين الِاسْم والتسمة وَالِاسْم واللقب أَن الِاسْم فِي مَا قَالَ ابْن السراج مَا دلّ على معنى مُفْرد شخصا كَانَ اَوْ غير شخص وَفِي مَا قَالَ أَبُو الْحسن عَليّ بن عِيسَى ﵀ كلمة تدل على معنى دلَالَة الاشارة واشتقاقه من السمو وَذَلِكَ أَنه كَالْعلمِ ينصب ليدل على صَاحبه وَقَالَ أَبُو الْعَلَاء الْمَازِني ﵀ الِاسْم قَول دَال على الْمُسَمّى غير مُقْتَض لزمان من حَيْثُ هُوَ اسْم وَالْفِعْل مَا اقتضى زَمَانا أَو تَقْدِيره من حَيْثُ هُوَ فعل قَالَ وَالِاسْم اسمان اسْم مَا اقْتضى زَمَانا أَو تَقْدِيره من حَيْثُ هُوَ فعل قَالَ والأسم اسم مَحْض وَهُوَ قَول دَال الأشارة وَاسم صفة وَهُوَ قَول دَال دلَالَة الإفادة
وَقَالَ عَليّ بن عِيسَى التَّسْمِيَة تَعْلِيق الِاسْم بِالْمَعْنَى على جِهَة الِابْتِدَاء وَقَالَ أَبُو الْعَلَاء اللقب مَا غلب على الْمُسَمّى من اسمعلم بعد اسْمه الأول فقولنا زيد لَيْسَ بلقب لِأَنَّهُ أصل فَلَا لقب إِلَّا علم وَقد يكون علم لَيْسَ بلقب وَقَالَ النحويون الِاسْم الأول هُوَ الِاسْم الْمُسْتَحق بالصورة مثل رجل وظبي وحائط وحمار وَزيد هُوَ اسْم ثَان واللقب مَا غلب على الْمُسَمّى من اسْم ثَالِث وَأما النبز فَإِن الْمبرد قَالَ هواللقب الثَّابِت قَالَ والمنابزة الإشاعة باللقب يُقَال لبني فلَان نبز يعْرفُونَ بِهِ إِذا كَانَ لَهُم لقب ذائع شَائِع وَمِنْه قَوْله تَعَالَى (وَلَا تنبروا بِالْأَلْقَابِ) وَكَانَ هَذَا من أَمر الْجَاهِلِيَّة فَنهى الله تَعَالَى عَنهُ وَقيل النبز ذكر اللقب يُقَال نبز ونزب كَمَا يُقَال جذب وجبذ وَقَالُوا فِي تَفْسِير الْآيَة هُوَ أَن يَقُول للْمُسلمِ يَا يَهُودِيّ اَوْ يَا نَصْرَانِيّ فينسبه إِلَى مَا تَابَ مِنْهُ
الْفرق بَين الِاسْم وَالصّفة
أَن الصّفة مَا كَانَ من الاسماء مُخَصّصا
1 / 29
مُفِيدا مثل زيد الظريف وَعَمْرو الْعَاقِل وَلَيْسَ الِاسْم كَذَلِك فَكل صفة اسْم وَلَيْسَ كل اسْم صفة وَالصّفة تَابِعَة للاسم فِي إعرابه وَلَيْسَ كَذَلِك الِاسْم من حَيْثُ هُوَ اسْم وَيَقَع الْكَذِب والصدق فِي الصّفة لاقتضائها الْفَوَائِد وَلَا يَقع ذَلِك فِي الِاسْم واللقب فالقائل للأسود أَبيض على الصّفة كَاذِب وعَلى القب غير كَاذِب وعَلى اللقب غير كَاذِب وَالصَّحِيح من الْكَلَام ضَرْبَان أَحدهمَا يُفِيد فَائِدَة الاشارة فَقَط وَهُوَ الِاسْم الْعلم واللقب وَهُوَ مَا صَحَّ تبديله واللغة مجالها كزيد وَعَمْرو لِأَنَّك لَو سميت زيدا عمرا لم تَتَغَيَّر اللُّغَة
والثناني يَنْقَسِم أقساما فَمِنْهَا مايفيد إبانه مَوْصُوف من مَوْصُوف كعالم وَحي مِنْهَا مَا يبين نوعا من نوع كَقَوْلِنَا لون وَكَون واعتقاد وَإِرَادَة
وَمِنْهَا مَا يبين جِنْسا من جنس كَقَوْلِنَا جَوْهَر وَسَوَاد وَقَوْلنَا شَيْء يَقع على يعلم وَإِن لم يفد أَنه يعلم
الْفرق بَين الصّفة والنعت
أَن النَّعْت فِي مَا حكى أَبُو الْعَلَاء ﵀ لما يتَغَيَّر من الصِّفَات وَالصّفة لما يتَغَيَّر وَلما لَا يتَغَيَّر فالصفة أَعم من النَّعْت قَالَ فعلى هَذَا يَصح أَن ينعَت الله تَعَالَى بأوصافة لفعله لِأَنَّهُ يفعل وَلَا يفعل وَلَا ينعَت بأوصافة لذاته إِذْ لَا يجوز أَن يتَغَيَّر وَلم يسْتَدلّ على صِحَة مَا قَالَه من ذَلِك بِشَيْء وَالَّذِي عِنْدِي أَن النَّعْت هُوَ مَا يظْهر من الصِّفَات ويشتهر وَلِهَذَا قَالُوا هَذَا نعت الْخَلِيفَة كَمثل قَوْلهم الْأمين والمأمون والرشيد وَقَالُوا أول من ذكر نَعته على الْمِنْبَر الْأمين وَلم يَقُولُوا صفته وَإِن كَانَ قَوْلهم الْأمين صفة لَهُ عِنْدهم لِأَن النَّعْت يُفِيد من الْمعَانِي الَّتِي ذَكرنَاهَا مَا لَا تفيده الصّفة ثمَّ قد تتداخل الصّفة والنعت فَيَقَع كل وَاحِد مِنْهُمَا مَوضِع الآخر لتقارب معنييهما ويجوم أَن يُقَال الصّفة لُغَة والنعت لُغَة أُخْرَى وَلَا فرق بَينهمَا فِي الْمَعْنى وَالدَّلِيل على ذَلِك أَن أهل الْبَصْرَة من النُّحَاة يَقُولُونَ الصّفة وَأهل الْكُوفَة يَقُولُونَ النَّعْت وَلَا يقرقون بَينهمَا فَأَما قَوْلهم نعت الْخَلِيفَة فقد غلب على ذَلِك كَمَا يغلب بعض الصِّفَات على بعض الموصفين بِغَيْر معنى يَخُصُّهُ فَيجْرِي مجْرى اللقب فِي الرّفْعَة ثمَّ كَثُرُوا حَتَّى اسْتعْمل كل وَاحِد مِنْهُمَا فِي مَوضِع الآخر
1 / 30
الْفرق بَين الصّفة وَالْحَال
أَن الصّفة تفرق بَين اسْمَيْنِ مشتركين فِي اللَّفْظ وَالْحَال زِيَادَة فِي الْفَائِدَة وَالْخَبَر قَالَ الْمبرد إِذا قلت جَاءَنِي عبد الله وقصدت إِلَى زيد فَخفت أَن يعرف السَّامع جمَاعَة أَو اثْنَيْنِ كل وَاحِد عبد الله أَو زيد قلت الرَّاكِب أَو الطَّوِيل أَو الْعَاقِل وَمَا أشبه ذَلِك من الصِّفَات لتفصل بَين من تَعْنِي وَبَين من خفت أَن يلبس بِهِ كَأَنَّك قلت جَاءَنِي زيد الْمَعْرُوف بالركوب أَو الْمَعْرُوف بالطول فَإِن لم ترد هَذَا وَلَكِن أردْت الْإِخْبَار عَن الْحَال وَقع فِيهَا مجيئة قلت جَاءَنِي زيد رَاكِبًا أَو
مَاشِيا فَجئْت بعده بنكرة لَا تكون نعتا لِأَنَّهُ معرفَة وَإِنَّمَا أردْت أَن مَجِيئه وَقع فِي هَذِه الْحَال وَلم ترد جَاءَنِي الْمَعْرُوف بالركوب فَإِن أدخلت الْألف وَاللَّام صَارَت صفة للاسم الْمَعْرُوف وفرقا بَينه وَبَينه
الْفرق بَين الْوَصْف وَالصّفة
أَن الْوَصْف مصدر وَالصّفة فعله وَفعله نقضت فَقيل صفة وَأَصلهَا وَصفَة فَهِيَ أخص من الْوَصْف لِأَن الْوَصْف اسْم جنس يَقع على كَثِيره وقليله وَالصّفة ضرب من الْوَصْف مثل الجلسة والمشية وَهِي هَيْئَة الْجَالِس والماشي وَلِهَذَا أجريت الصِّفَات على الْمعَانِي فَقيل العفاف وَالْحيَاء من صِفَات الْمُؤمن وَلَا يُقَال أَوْصَافه بِهَذَا الْمَعْنى لِأَن الْوَصْف لَا يكون إِلَّا قولا وَالصّفة أجريت مجْرى الْهَيْئَة وَإِن لم تكن بهَا فَقيل للمعاني نَحْو الْعلم وَالْقُدْرَة صِفَات لِأَن الْمَوْصُوف بهَا يعقل عَلَيْهَا كَمَا ترى صَاحب الْهَيْئَة على هَيْئَة وَتقول هُوَ على صفة كَذَا وَهَذِه صِفَتك كَمَا تَقول هَذِه حليتك وَلَا تَقول هَذَا وصفك إِلَّا أَن يعْنى بِهِ وَصفه للشَّيْء
الْفرق بَين التحلية وَالصّفة
أَن التحلية فِي الأَصْل فعل الْمحلي وَهُوَ تركيب الْحِيلَة على الشَّيْء مثل السَّيْف وَغَيره وَلَيْسَ هِيَ من قبيل القَوْل واستعمالها فِي غير القَوْل مجَاز وَهُوَ أَنه قد جعل مَا يعبر عَنهُ بِالصّفةِ صفة كَمَا أَن الْحَقِيقَة من قبيل القَوْل ثمَّ جعل مَا يعبر عَنهُ بِالْحَقِيقَةِ حَقِيقَة هُوَ الذَّات إِلَّا أَنه كثر بِهِ الِاسْتِعْمَال حَتَّى صَار كالحقيقة
1 / 31
الْفرق بَين الِاسْم وَالْحَد
أَن الْحَد يُوجب الْمعرفَة بالمحدود من غير الْوَجْه الْمَذْكُور فِي الْمَسْأَلَة عِنْد فَيجمع للسَّائِل الْمعرفَة من وَجْهَيْن وَفرق آخر وَهُوَ أَنه قد يكون فِي الاسماء مُشْتَرك وَغير مُشْتَرك مِمَّا يَقع الالتباس فِيهِ بَين المتجادلين فَإِذا توافقا على الْحَد زَالَ ذَلِك وَفرق آخر وَهُوَ أَنه قد يكون مِمَّا يعق الِاسْم مَا هُوَ مُشكل فَإِذا جَاءَ الْحَد زَالَ ذَلِك مِثَاله قَول النَّحْوِيين الِاسْم مَا هُوَ مُشكل فَإِذا جَاءَ الْحَد زَالَ ذَلِك مِثَاله قَول النَّحْوِيين الِاسْم وَالْفِعْل والحرف وَفِي ذَلِك إِشْكَال فَإِذا جَاءَ الْحَد أبان وَفرق آخر وَهُوَ أَن الِاسْم يسْتَعْمل على وَجه الِاسْتِعَارَة
والحقيقة فَإِذا جَاءَ الْحَد بَين ذَلِك وميزة
الْفرق بَين الْحَد والحقيقة أَن الْحَد مَا أبان الشَّيْء وفصله من أقرب الْأَشْيَاء بِحَيْثُ منع من مُخَالطَة غَيره لَهُ وَأَصله فِي الْعَرَبيَّة الْمَنْع والحقيقة مَا وضع من القَوْل مَوْضِعه فِي أصل اللُّغَة وَالشَّاهِد أَنَّهَا مقتضية الْمجَاز وَلَيْسَ الْمجَاز إِلَّا قولا فَلَا يجوز أَن يكون مَا يناقضه إِلَّا قولا وَمثل ذَلِك الصدْق لما كَانَ قولا كَانَ نقيضه وَهُوَ الْكَذِب قولا ثمَّ يمسى مَا يعبر عَنهُ بِالْحَقِيقَةِ وَهُوَ الذَّات حَقِيقَة مجَازًا فَهِيَ على الْوَجْهَيْنِ مُفَارقَة للحد مُفَارقَة بَينه وَالْفرق بَينهمَا أَيْضا أَن الْحَد لَا يكون إِلَّا لما لَهُ غير يجمعه وإياه جنس قد فصل بِالْحَدِّ بَينه وَبَينه والحقيقة تكون كَذَلِك وَلما لَيْسَ لَهُ غير كَقَوْلِنَا شَيْء وَالشَّيْء لَا حد لَهُ من حَيْثُ هُوَ شَيْء وَذَلِكَ أَن الْحَد هُوَ الْمَانِع للمحدود من الِاخْتِلَاط بِغَيْرِهِ وَالشَّيْء لَا غير لَهُ وَلَو كَانَ لَهُ غير لما كَانَ شَيْئا كَمَا أَن غير اللَّوْن بلون فَتَقول مَا حَقِيقَة الشَّيْء وَلَا تَقول مَا حد الشَّيْء وَفرق آخر وَهُوَ ان الْعلم بِالْحَدِّ هُوَ علم بِهِ وَبِمَا يمييزه وَالْعلم بِالْحَقِيقَةِ على بذاتها
الْفرق بَين الْحَد والرسم
أَن الْحَد أتم مَا يكون من البينان عَن الْمَحْدُود
1 / 32
والرسم مثل السمة يخبر بِهِ حَيْثُ يعسر التَّحْدِيد وَلَا بُد للحد من الْإِشْعَار بِالْأَصْلِ إِذا أمكن ذَلِك فِيهِ والرسم غير مُحْتَاج إِلَى للحد من الاشعار بِالْأَصْلِ إِذا أمكن ذَلِك فِيهِ والرسم غير مُحْتَاج إِلَى ذَلِك وأصل الرَّسْم فِي اللُّغَة الْعَلامَة وَمِنْه رسوم الديار وفروق المنطقيون بَين الرَّسْم وَالْحَد فَقَالُوا الْحَد مَأْخُوذ من طبيعة الشَّيْء والرسم من أعراضه
الْفرق بَين قَوْلنَا مَا حَده؟ وَقَوْلنَا مَا هُوَ؟
أَن قَوْلنَا مَا هُوَ يكون سؤالا عَن الْحَد كَقَوْلِك مَا الْجِسْم وسؤالا عَن الرَّسْم كَقَوْلِك مَا الشَّيْء وَذَلِكَ ان الشَّيْء لَا يحد على ذكرنَا وَإِنَّمَا يرسمت بقولنَا إِنَّه الَّذِي يَصح أَن يعلم وَيذكر ويخبر عَنهُ وسؤالا عَن الْجِنْس كَقَوْلِك مَا الدُّنْيَا وسؤالا عَن التَّفْسِير اللّغَوِيّ كَقَوْلِك مَا الْقطر فَتَقول
النّحاس وَمَا الْقطر فَتَقول الْعود وَلَيْسَ كَذَلِك قَوْلنَا مَا حَده لِأَن ذَلِك يبين الِاخْتِصَاص من وَجه من هَذِه الْوُجُوه
الْفرق بَين الْحَقِيقَة والذات
أَنه لم يعرف الشَّيْء من لم يعرف ذَاته وَقد يعرف ذَاته من لم يعرف حَقِيقَته والحقيقة أَيْضا من قبيل القَوْل على مَا ذكرنَا وَلَيْسَت الذَّات كَذَلِك والحقيقة عِنْد الْعَرَب مَا يجب على الْإِنْسَان حفظه يَقُولَن هُوَ حامي الْحَقِيقَة وَفُلَان لَا يحمي حَقِيقَته
الْفرق بَين الْحَقِيقَة وَالْحق
أَن الْحَقِيقَة مَا وضع من القَوْل مَوْضِعه فِي أصل اللُّغَة حسنا أَو قبيحا وَالْحق مَا وضع مَوْضِعه من الْحِكْمَة فَلَا يكون إِلَّا حسنا وَإِنَّمَا شملها اسْم التَّحْقِيق لاشْتِرَاكهمَا فِي وضع الشَّيْء مِنْهُمَا مَوْضِعه من اللُّغَة وَالْحكمَة
الْفرق بَين الْحَقِيقَة وَالْمعْنَى
أَن الْمَعْنى هُوَ الْقَصْد الَّذِي يَقع بِهِ القَوْل على وَجه دون وَجه وَقد يكون معنى الْكَلَام فِي اللُّغَة ماتعلق بِهِ الْقَصْد والحقيقة مَا وضع من القَوْل مَوْضِعه مِنْهَا على مَا ذكرنَا يُقَال عنيته أعنيه معنى والمفعل يكون مصدرا ومكانا وَهُوَ هَهُنَا مصدر وَمثله قَوْلك دخلت مدخلًا حسنا أَي دُخُولا حسنا وَلِهَذَا قَالَ أَبُو عَليّ
1 / 33
﵀ عَلَيْهِ إِن الْمَعْنى هوالقصد إِلَى مَا يقْصد إِلَيْهِ من القَوْل فَجعل الْمَعْنى الْقَصْد لِأَنَّهُ مصدر قَالَ وَلَا يُوصف الله تَعَالَى بِأَنَّهُ معنى لِأَن الْمَعْنى هُوَ قصد قُلُوبنَا إِلَى مَا نقصد إِلَيْهِ من القَوْل وَالْمَقْصُود هُوَ الْمَعْنى وَالله تَعَالَى هُوَ الْمَعْنى وَلَيْسَ بِمَعْنى وحقية هَذَا الْكَلَام أَن يكون ذكر هُوَ الْمَعْنى وَالْقَصْد إِلَيْهِ هُوَ الْمَعْنى إِذا كَانَ الْمَقْصُود فِي الْحَقِيقَة حَادِثا وَقَوْلهمْ عنيت بكلامي زيدا كَقَوْلِك أردته بكلامي وَلَا يجوز أَن يكون زيد فِي الْحَقِيقَة مرَادا مَعَ وجوده فَدلَّ ذَلِك على أَنه عني ذكره وَأُرِيد الْخَبَر عَنهُ دون نَفسه
وَالْمعْنَى مَقْصُور على القَوْل دون مَا يقْصد إِلَّا ترى أَنَّك تَقول معنى قولكت كَذَا وَلَا تَقول معنى حركتك كَذَا ثمَّ توسع فِيهِ فَقيل لَيْسَ لدخولك إِلَّا فلَان معنى وَالْمرَاد أَنه لَيْسَ لَهُ فَائِدَة تقصد ذكرهَا بالْقَوْل وتوصع فِي الْحَقِيقَة مَا لم يتوسع فِي الْمَعْنى فَقيل لَا شَيْء إِلَّا وَله حَقِيقَة وَلَا يُقَال لَا شَيْء إِلَّا وَله معنى وَيَقُولُونَ حَقِيقَة الْحَرَكَة كَذَا وَلَا يَقُولُونَ معنى الْحَرَكَة كَذَا هَذَا على أَنهم سموا الْأَجْسَام والاعراض مَعَاني إِلَّا أَن ذَلِك توسع والتوسع يلْزم مَوْضِعه الْمُسْتَعْمل فِيهِ وَلَا يتعداه
الْفرق بَين الْمَعْنى والموصوف
أَن قَوْلنَا مَوْصُوف يجي مُطلقًا وَقَوْلنَا معنى لَا يَجِيء إِلَّا مُقَيّدا تَقول الشَّيْء موصفوف وَلَا تَقول معنى حَتَّى قَول معنى بِهَذَا القَوْل بِهَذَا الْكَلَام وَذَلِكَ أَن وصفت تتعدى إِلَى مفعول وَاحِد بِنَفسِهِ كضربت تَقول وصفت زيدا كَمَا تَقول ضربت زيدا فَإِن أردْت زِيَادَة فَائِدَة عديته بِحرف فَقلت وَصفته بِكَذَا كَمَا تَقول ضَربته بعصا أَو بِسيف وعنيت يتَعَدَّى إِلَى مفعولين أَحدهمَا بِنَفسِهِ والاخر بالحرف تَقول عنيت زيدا بِكَذَا فالفائدة فِي قَوْلك بِكَذَا فَهُوَ كالشيء الَّذِي لَا بُد مِنْهُ فَلهَذَا يُقيد الْمَعْنى وَيُطلق الْمَوْصُوف
الْفرق بَين الْفَرْض وَالْمعْنَى
أَن الْمَعْنى الْقَصْد الَّذِي يَقع بِهِ القَوْل على وَجه على مَا ذكرنَا وَالْكَلَام لَا يَتَرَتَّب فِي الاخبار والاستخبار
1 / 34
وَغير ذَلِك إِلَّا بِالْقَصْدِ فَلَو قَالَ قَائِل مُحَمَّد رَسُول الله وَيُرِيد مُحَمَّد بن جَعْفَر كَانَ ذَلِك بَاطِلا وَلَو أَرَادَ مُحَمَّد بن عبد الله ﵇ كَانَ حَقًا أَو قَالَ زيد فِي الدَّار يرد بزيد تَمْثِيل النَّحْوِيين لم يكن مخبرا وَالْغَرَض هُوَ الْمَقْصُود بالْقَوْل أَو الْفِعْل بإضمار مُقَدّمَة وَلِهَذَا لَا يسْتَعْمل فِي الله غرضي بِهَذَا الْكَلَام كَذَا أَي هُوَ مقصودي بِهِ وَسمي غَرضا تَشْبِيها بالغرض الَّذِي يَقْصِدهُ الرَّامِي بهسمه وَهُوَ الهدف وتوق معنى قَول الله كَذَا لِأَن الْغَرَض هُوَ الْمَقْصُود وَلَيْسَ لِلْقَوْلِ
مَقْصُود فَإِن قلت لَيْسَ لِلْقَوْلِ قصد أَيْضا قُلْنَا هُوَ مجَاز وَالْمجَاز يلْزم مَوْضِعه وَلَا يجوز الْقيَاس عَلَيْهِ فَتَقول غَرَض قَول الله كَمَا تَقول معنى قَول الله قِيَاسا وَالْغَرَض أَيْضا يَقْتَضِي أَن يكون بإضمار مُقَدّمَة وَالصّفة بالإضمار لَا تجوز على الله تَعَالَى وَيجوز أَن يُقَال الْغَرَض الْمُعْتَمد الَّذِي يظْهر وَجه الحالجة اليه وَلِهَذَا لَا يُوصف الله تَعَالَى بِهِ لِأَن الْوَصْف بِالْحَاجةِ لَا يلْحقهُ
الْفرق بَين الْكَلَام والتكليم
أَن التكليم تَعْلِيق الْكَلَام بالمخاطب فَهُوَ أخص من الْكَلَام وَذَلِكَ أَنه لَيْسَ كال كَلَام خَطَايَا للْغَيْر فَإِذا جعلت الْكَلَام فِي مَوضِع الْمصدر فَلَا فرق بَينه وَبَين التكليم وَذَلِكَ أَن قَوْلك كَلمته كلَاما وكلمته تكليما سَوَاء وَأما قَوْلنَا فلَان يُخَاطب نَفسه ويكلم نَفسه فمجاز وتشبيه بِمن يكلم نَفسه فمجاز وتشبيه بِمن يكليما سَوَاء وَأما قَوْلنَا فلَان يُخَاطب نَفسه ويكلم نَفسه فمجاز وتشبيه بِمن يكلم غَيره وَلِهَذَا قُلْنَا إِن الْقَدِيم لَو كَانَ متكلما فِي مَا لم يزل لَكَانَ ذَلِك صفة نقص لِأَنَّهُ كَانَ تلكم وَلَا مُكَلم وَكَانَ كَلَامه أَيْضا يكون إخيار عَمَّا لم يُوجد فَيكون كذبا
1 / 35
الْفرق بَين الْعبارَة
عَن الشَّيْء والإخبار عَنهُ أَن الْإِخْبَار عَنهُ يكون بِالزِّيَادَةِ فِي صفته وَالنُّقْصَان مِنْهَا وَيجوز أَن يخبر عَنهُ بِخِلَاف مَا هُوَ عَلَيْهِ فَيكون ذَلِك كذبا والعبارة عَنهُ هِيَ الْخَبَر عَنهُ بِمَا هُوَ عَلَيْهِ من غير زِيَادَة وَلَا نُقْصَان فَالْفرق بَينهمَا بَين
1 / 36
وَمن قبيل الْكَلَام السُّؤَال
الْفرق بَين السُّؤَال والاستخبار
أَن الاستخبار طلب الْخَبَر فَقَط وَالسُّؤَال يكون طلب الْخَبَر الْأَمر وَالنَّهْي وَهُوَ أَن يسال السَّائِل غَيره أَن يَأْمُرهُ بالشي أَو ينهاه عَنهُ وَالسُّؤَال وَالْأَمر سَوَاء فِي الصِّيغَة وَإِنَّمَا يَخْتَلِفَانِ فِي الرُّتْبَة فالسؤال من الْأَدْنَى فِي الرُّتْبَة وَالْأَمر من الأرفع فِيهَا
الْفرق بَين السُّؤَال والاستفهام
أَن الِاسْتِفْهَام لَا يكون إِلَّا لما يجهله المستفهم أَو يشك فِيهِ وَذَلِكَ أَن المستفهم طَالب لِأَن يفهم وَيجوز أَن يكون السَّائِل يسْأَل عَمَّا يعلم لَا يعلم فَالْفرق بَينهمَا ظَاهر وأدوات
السُّؤَال هَل وَالْألف وَأم وَمَا وَمن وَأي وَكَيف وَكم وَأَيْنَ وَمَتى وَالسُّؤَال هُوَ طلب الاخبار بأداته فِي الافهام فَإِن قَالَ مَا مذهبك فِي حُدُوث الْعَالم فَهُوَ سُؤال لِأَنَّهُ قد أَتَى بِصِيغَة السُّؤَال وَلَفظه لفظ الْأَمر
الْفرق بَين الدُّعَاء وَالْمَسْأَلَة
أَن الْمَسْأَلَة يقارنها الخضوع والاستكانة وَلِهَذَا قَالُوا الْمَسْأَلَة مِمَّن دُونك وَالْأَمر مِمَّن فَوْقك والطلب مِمَّن يساويك فَأَما قَوْله تَعَالَى (وَلَا يسألكم أَمْوَالكُم) فَهُوَ يجْرِي مجْرى الرِّفْق فِي الْكَلَام واستطاف السَّامع بِهِ وَمثله قَوْله تَعَالَى (إِن تقرضوا الله قرضا حسنا) فَأَما قَول الحضين بن الْمُنْذر ليزِيد بن الْمُهلب وَالْحصين بن حيدة من الطَّوِيل
(أَمرتك أمرا جَازِمًا فعيتني ... وَكَانَ من التَّوْفِيق قتل ابْن هَاشم)
فَهُوَ على وَجه الازدراء بالمخاطب والتخطئة لَهُ ليقبل لرأية الادلال عله أَو غير ذَلِك مِمَّا يجْرِي مجْرَاه وألمر فِي هَذَا الْموضع هُوَ المشورة وَسميت المشورة أَمر لِأَنَّهَا على صِيغَة الْأَمر وَمَعْلُوم أَن التَّابِع لَا يَأْمر الْمَتْبُوع ثمَّ يعنفة تعلى مُخَالفَته أمره وَلَا يجوز ذَلِك فِي بَاب الدّين وَالدُّنْيَا أَلا ترى أَنه لَا يجوز أَن يُقَال أَن الْمِسْكِين أَمر الْأَمِير بإطعامه وَإِن كَانَ
1 / 37
الْمِسْكِين أفضل من الْأَمِير فِي الدّين وَالدُّعَاء إِذا كَانَ لله تَعَالَى فَهُوَ مثل الْمَسْأَلَة مَعَه استكانه وخصوع وَإِذا كَانَ لغير جَازَ يكون مَعَه خضوع وَجَاز إِلَّا يكون مَعَ
ذَلِك كدعاء النَّبِي أَبَا جهل إِلَى الاسلامت لم يكن فِيهِ استكانة ويعدى هَذَا الضَّرْب من الدُّعَاء فَإلَى فَيُقَال دَعَاهُ إِلَيْهِ وَفِي الضَّرْب الأول بِالْبَاء فَيُقَال دَعَاهُ بِهِ تَقول دَعَوْت الله بِكَذَا وَلَا تَقول دَعوته إليع لأَنْت فِيهِ معنى مُطَالبَته بِهِ وقودهت إِلَيْهِ
الْفرق بَين الدُّعَاء والنداء
أَن النداء هُوَ رفع الصَّوْت بِمَا لَهُ معنى والعربي يَقُول لصَاحبه نَاد معي ليَكُون ذَلِك أندى لصوتنا أَي أبعد لَهُ وَالدُّعَاء يكون بِرَفْع الصَّوْت وخفضه يُقَال دَعوته من بعيد ودعوت الله فِي نَفسِي وَلَا يُقَال ناديته فِي نَفسِي وأصل الدُّعَاء طلب الْفِعْل دَعَا يَدْعُو وَادّعى ادِّعَاء لِأَنَّهُ يَدْعُو إِلَى مَذْهَب من غير دَلِيل وتداعى الْبناء يَدْعُو بعضه بَعْضًا إِلَى السُّقُوط وَالدَّعْوَى مُطَالبَة الرجل بِمَال يَدْعُو إِلَى أَن يعطاه وَفِي الْقُرْآن تَدْعُو من (أدبرَمن أدبر تولى) أَي يَأْخُذهُ الْعَذَاب كَأَنَّهُ يَدعُوهُ إِلَيْهِ
الْفرق بَين النداء والصياح
أَن الصياح رفع الصَّوْت بِمَا لَا معنى لَهُ ولابما قيل للنداء قيل النداء فَأَما الصياح فَلَا يُقَال لَهُ نِدَاء إلاإذا كَانَ لَهُ معنى
الْفرق بَين الصَّوْت والصياح
أَن الصَّوْت عَام فِي كل شَيْء تَقول صَوت الْحجر وَصَوت الْبَاب وَصَوت الْبَاب وَصَوت الْإِنْسَان والصياح لَا يكون إِلَّا لحيوان فَأَما قَول الشَّاعِر من الطَّوِيل
(تصيح الردينيات فِينَا وَفِيهِمْ ... صياح بَنَات المَاء أصبحن جوعا)
فَهُوَ على التَّشْبِيه والاستعارة
الْفرق بَين الصوت وَالْكَلَام
أَن من الصَّوْت مَا لَيْسَ بِكَلَام مثل صَوت الطست وأصوات البهائهم والطيور وَمن الشكلة
1 / 38
وَهِي همرة تخالط بَيَاض الْعين وَغَيرهَا والمختلط بِغَيْرِهِ قد يظْهر للمتأمل فَكَذَلِك الْمَعْنى الْمُشكل قد يعرف قد يظْهر للمتأمل فَكَذَلِك الْمَعْنى الْمُشكل قد يعرف بِالتَّأَمُّلِ وَالَّذِي فِيهِ لَيْسَ كالمستور والمستور خلاف الظَّاهِر
الْفرق بَين الِاسْتِعَارَة والتشبيه
أَن التَّشْبِيه صِيغَة لم يعبر عَنْهَا وَاللَّفْظ الْمُسْتَعَار قد نقل من أصل إِلَى فرع فَهُوَ معبر عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ فَالْفرق بَينهمَا بَين
الْفرق بَين الْإِعَارَة التّكْرَار
أَن التّكْرَار يَقع على إِعَادَة الشَّيْء مرّة وعَلى إِعَادَته مَرَّات والإعادة للمرة الْوَاحِدَة أَلا ترى أَن قَول الْقَائِل أعَاد فلَان كَذَا لَا يُفِيد إِلَّا إِعَادَته مرّة وَاحِدَة وَإِذا قَالَ كرر هَذَا كَانَ كَلَامه مُبْهما لم يدر أَعَادَهُ مرَّتَيْنِ أَو مَرَّات وَأَيْضًا فَإِنَّهُ يُقَال أَعَادَهُ مَرَّات وَلَا يُقَال كَرَّرَه مَرَّات إِلَّا أَن يَقُول ذَلِك عَامي لَا يعرف الْكَلَام وَلِهَذَا قَالَت الْفُقَهَاء الْأَمر لَا يَقْتَضِي التّكْرَار وَالنَّهْي يقتض التّكْرَار وَلم يَقُولُوا الاعارة وَاسْتَدَلُّوا على ذَلِك بِأَن النَّهْي الْكَفّ عَن الْمنْهِي وَلَا شيق فِي الْكَفّ عَنهُ وَلَا حرج فَاقْتضى الدَّوَام والتكرار وَلَو اقْتضى الْأَمر التّكْرَار للحق الْمَأْمُور بِهِ الضّيق والتشاغل بهْن أُمُوره فَاقْتضى فعله مرّة وَلَو كَانَ ظَاهر الْأَمر يَقْتَضِي التّكْرَار مَا قَالَ سراقه للنَّبِي لِلْأَبَد قَالَ وَلَو قَالَت نعم لَوَجَبَتْ فَأخْبر أَن الظَّاهِر لَا يُوجِبهُ وَأَنه يصير وَاجِبا بقوله والمنهي عَن الشَّيْء إِذا عَاد إِلَى فعله لم يقل إِنَّه قد انْتهى عَنهُ وَإِذا أَمر بالشَّيْء فَفعله مرّة وَاحِدَة لم يقل إِنَّه لم يَفْعَله فَالْفرق بَين الْأَمر وَالنَّهْي فِي ذَلِك ظَاهر وَمَعْلُوم أَن من
يولل غَيره بطلاف امراته كَانَ لَهُ أَن يُطلق مرّة وَاحِدَة وَمَا كَانَ من أوَامِر الْقُرْآن مقتضيا للتكرار فَإِن ذَلِك قد عرف من حَالَة بِدَلِيل لَا يظاهره وَلَا يتَكَرَّر الْأَمر مَعَ الشَّرْط أَيْضا أَلا ترى أَن من قَالَ لغلامه اشْتَرِ اللَّحْم دخلت السُّوق لم يعقل ذَلِك التّكْرَار
1 / 39