وواكب مسلم الدمشقي بهذا العمل العلمي مالكيًا آخر معاصرًا له من المركز الصقلى مولعًا بخدمة فقه المدونة، وهو أبو محمد عبد الحق صاحب (النكت والفروق لمسائل المدونة) وهما يمهدان الطريق أمام عالم مالكي آخر اهتم بفروق المدونة وبعض مدونات المذهب الأخرى، وهو أبو العباس أحمد الونشريسي الذي يقول في مقدمته لعدة البروق: (وضعت في الجموع والفروق، مجموعًا مطبوعًا وسميته بعدة البروق في جمع ما في المذهب من الجموع والفروق يستعان به على حل كثير من المناقضات الواقعة في المدونة وغيرها من أمهات المرويات) (١).
وقد أكد الدمشقي أن الفروق تشكل على كثير من الناس فيصعب حفظها. ولاحظ أن فروق الفقهاء من أصحاب القاضي عبد الوهاب لم تفرد بتأليف بل انتشرت في تضاعيف الكتب، فقصد بتأليفه هذا جمع الكثير منها وتسهيل تناولها وتقريب فهمها، ملاحظًا أنها تحتاج إلى نظر وبحث.
وقد سلك في تأليفه منهج الاختصار في العبارة، فكان تعبيره دقيقًا مع الوضوح، واقتصر على ما أشكل أمره وخفي حكمه، وهو يقول: (العلم على ضربين: جلي لا يحتاج إلى تبيين، وخفي يفتقر إلى تفسير، ولو كان العلم كله جليًا كان العالم به دريًا، ولم يكن للعلماء فضل على من سواهم، ولا زيادة مزية على من ناواهم) (٢) ـ.
_________
(١) عدة البروق: ٧٩.
(٢) مقدمة المؤلف، انظر ص ٨٥.
1 / 68