أما القصصي فليست تلزمه الضرورة أن يبتر الحادثة أو الفعل ليجتزئ منها بجانب دون جانب، فهو إذا ما عمد إلى تصوير فعل، بسطه بكل تفصيلاته من سوابق ولواحق وأجزاء. فافرض - مثلا - أن القصصي والمسرحي كليهما يصوران مائدة الغداء، ففي المسرحية يرتفع الستار وإذا بالمائدة قد هيئت، والأضياف قد جلسوا في أماكنهم من المائدة، وكل ما على المسرحي أن يمثله بعد ذلك تقديم الطعام وأكله، أما القصصي ففي وسعه أن يرتد إلى الأصول الأولى لهذا الطعام، فيرجع بك إلى البطاطس حين جناها الزارع وعرضها البائع واشتراها الطاهي، وأخذ يعدها في مطبخه تقشيرا وسلقا وتهيئة في الصحون، وهكذا يستطيع أن يصنع في كل ما قدم في الغداء من ألوان الطعام. وبعد أن يمضي بك في ذلك صفحات تلو صفحات، ينتهي بك إلى حيث وجدت المسرحي، فيطالعك بالأضياف وقد جلسوا إلى المائدة يأكلون، وليس حتما على المسرحي أن يختار من الفعل نهايته، فقد كان يستطيع أن يمثل جانبا آخر من حلقات الفعل غير المائدة وحولها الأضياف، لو رأى أن ذلك الجانب الآخر أبرز علامة وأوضح دلالة للمعنى الذي يريد. وأيا ما كان الجانب الذي يختاره المسرحي، فيستحيل أن يذهب في عرضه وتمثيله، إلى ما يذهب إليه القصصي من تحليل وتفصيل. هذا شيكسبير في رواية «كما تهواه» يفاجئك بجماعة يأكلون في الغابة، ولا تدري كيف أعدت ألوان الطعام هناك، ولا عليك ألا تدري، فالمهم هنا أن تشهد الطاعمين وهم يأكلون، وهذا هو أيضا في رواية «ماكبث» يبدأ حفلة عشاء في قصر ماكبث، لكنه لا يلبث أن يسوق من الحوادث ما ينحرف بك عن العشاء، فلا تدري عن الآكلين شيئا؛ لأن اختيار الكاتب لم يقع على هذا الجانب من حلقات الفعل؛ إذ رأى جانبا أجدر منه بلفت النظر. أما قصصي مثل «مردث» ففي وسعه أن يملأ ثلاثة فصول كاملة، بشارب يحتسي زجاجة خمر، و«جولز ور ذي» ينفق مساء بأكمله في عشاء هادئ للأسرة، التي يصورها في قصة «فور سايت ساجا»، ويخلص من هذا كله إلى نتيجة نريد تقريرها، وهي أنه لما كانت القصة هي الفرصة السانحة لعرض الفعل بكل أجزائه ودقائقه، كان الكاتب القصصي أبرع وأجود، وكانت قصته أروع فنا كلما استطاع استغلال هذه الفرصة السانحة.
ولقد وصف «ستيرن» - القصصي الإنجليزي في القرن الثامن عشر - فن القصة، فحصره في مهارة الكاتب في الاستطراد، بحيث لا يعوق هذا الاستطراد تطور الحوادث وسيرها، بل يسير الاستطراد والتقدم بحوادث القصة، جنبا إلى جنب رغم ما يبدو في ذلك القول من تناقض، فيكون الكاتب مثلا بصدد شخص يحكى عنه، ثم يعترض الحكاية شخص آخر أو حادثة، فينحرف الكاتب إلى هذا الطارئ الجديد، على شرط ألا يغفل عمن كان يحكي عنه، بل يذكره خلال استطراده بلمحات بارعة آنا بعد آن، بحيث تزيد صورته في ذهنك وضوحا ورسوخا، حتى يعود إلى حكايته من جديد بعد فراغه من استطراده الطارئ الدخيل.
ومن الحكايات النثرية ما لا يفرط في الطول، فلا تدخل في عداد القصص بمعناها الصحيح، وقد جري العرف أن تسمى واحدتها «قصة قصيرة» أو أقصوصة.
وليست القصص القصار في أوضاعها الفنية شبيهة بالقصص التي حدثناك عنها، فقد يبدو للوهلة الأولى أنها تعالج موضوعات وأشخاصا كالتي تعالجها القصص الطويلة، لكنك لا تلبث بعد الموازنة الدقيقة أن تتبين فروقا بين هذه وتلك؛ فقد رأينا في تحليل «الفعل»، أن ما نعده «فعلا» بسيطا، هو في حقيقته مركب معقد، يشتمل على أفعال ثانوية صغرى تلازمه، ويتعذر عزله وفصله عن أفعال أخرى كثيرة، تحيط به قبل وقوعه وبعد وقوعه، فالفعل يأتيه الإنسان ليس حادثا واحدا وخيطا مفردا، وليس هو كذلك مجرد عمل يظهر في السلوك المرئي المشاهد، بل هو نتيجة عدد كبير من الدوافع والرغبات والعادات والضوابط، وما إلى ذلك مما تموج به النفس وتزخر، سواء كانت هذه العوامل الباطنية الخافية في حدود الوعي، عند القيام بالعمل أو لم تكن، فقد يدرك الإنسان دوافعه وحوافزه إلى العمل حينا ولا يدركها أحيانا، لا بل الأمر أوسع من ذلك نطاقا وأبعد مدى، فهذا العمل الظاهر نفسه، الذي هو ثمرة لأخلاط من العوامل النفسية المستترة، يعود بدوره فيحدث آثارا شتى في شخصية الفاعل، ثم لا يقتصر الأمر على شخص الفاعل، بل إن رشاشه ليتسع ويتشعب فيشمل أسرته ومحيطه الاجتماعي كله، وقد يمعن في الاتساع والتشعب، حتى يؤثر في الحضارة القائمة كلها. وبديهي أنك لو أردت أن تستقصي كل هذه الأصداء، التي تتردد نتيجة لحدوث الفعل المعين، كان لزاما عليك أن توسع من مجال البحث، بحيث تتغلغل في نفس الفاعل، لتتعقب كل ما اقترن بالفعل، من خواطر ومشاعر ودوافع وموانع، ثم تجوب في أنحاء العالم الخارجي، مسجلا كل ما أحدثه الفعل من آثار في الحياة والناس جميعا. وإن ذلك ليقتضيك إطنابا لا تستطيعه إلا القصة الطويلة، وأما كاتب «القصة القصيرة» فيدع ذلك لزميله صاحب القصة الطويلة، ولا يحاول أن يجاريه في مضماره هذا، ويكتفي من هذا الخضم الزاخر بالأجزاء والدقائق، بالحادثة الأولية التي أحدثت هذا كله، ويحصر اهتمامه بالفعل وحده دون نتائجه ومقدماته، باطنة كانت تلك المقدمات أو ظاهرة، فتجيء قصته حكاية لسلسلة من الحوادث، لا صورة تفصيلية لوجه من وجوه الحياة الإنسانية، بما فيها من شتيت التجارب وعديدها. وهو يختار لقصته محورا تدور حوله الحوادث، بحيث يكون ذلك المحور شائقا في ذاته ولذاته، لا يرجو القارئ أن يستشف وراءه شيئا. وخير ما نسوقه مثالا للقصة القصيرة، هذا النوع الذي يسمى بالقصة البوليسية، فاقرأ - مثلا - قصة «شرلوك هولمز» المشهورة، لا تجد فيها تحليلا نفسيا بالمعنى الصحيح الدقيق، رغم ما فيها من محاولات سطحية لتصوير شخصيتي «هولمز» و«وطسن»، فالمهم في القصة البوليسية، أو القصة القصيرة بوجه أعم، هو سلك الحوادث وحبكتها. نعم استطاع عبقري مثل «بو»، أن يأخذ نفسه أخذا دقيقا، بقيد القصة القصيرة فحصر نفسه في الحوادث، وأن يلون الحوادث في الوقت نفسه بلون الحالة النفسية، التي أحاطت بوقوعها تلوينا قويا ساطعا، يترك في نفس القارئ أثرا، فيه دراسة كاملة لموقف من مواقف الحياة، لكن ذلك لا يعدو أن يكون خداعا يحدثه فن الكاتب بما فيه من سحر وفتنة، فلقد سما «بو» بالقصة القصيرة حتى بلغ بها في دولة النثر ذروة تعادل الذي صعد إليه «كولردج» في قصيدة «البحار القديم» - كلاهما يخلع على الموصوف لونا من فنه يزيده فتنة - وقد اختار «بو» لنفسه نمطا خاصا من القصة، وذاك أن يحكي حوادث تلقي في النفوس فزعا ورعبا، فجاء نثره أداة قوية تعينه على الأداء، بحيث بلغ من الكمال مرتبة ليس بعدها زيادة لمستزيد، فالحادث المرعب يزداد في قلمه رعبا؛ لأنه يقربه من الواقع ويدنو به من المألوف، ولو كتبت مرعباته شعرا لما استطاعت أن تفوح برائحة الصدق والواقع كما هي الآن في نثرها. لكن مهما بلغت القصة القصيرة في دقة التصوير وروعة التعبير، فهي قصة قصيرة، وليست من قبيل القصة الطويلة في فنها وأوضاعها، ما دامت تحصر همها وغايتها في الحادثة أو سلسلة الحوادث، سواء جاءت هذه الحوادث في تتابع ساذج بسيط، أو تعقدت فكونت حبكة تستثير انتباه القارئ بتعقدها وحلها.
حسبنا هذا حديثا في الفخامة التي تتكون القصة من عناصرها، فليس يسمح لنا مجال القول في هذا الكتاب الصغير ، بالإفاضة في البحث والتحليل، وأظننا بما قدمناه من تعليل وتدليل، نستطيع أن نزعم أن القصة ضرب من الخيال النثري له مهمة خاصة به، وهي أن تقص أعمال الرجل العادي في حياته العادية، بعد أن تضعها في شبكة من الحوادث كاملة الخيوط، متتبعة كل فعل إلى أدق أجزائه وتفصيلاته وسوابقه ولواحقه، موغلة في دخيلة النفس حينا لتبسط مكنوناتها أثناء وقوع الفعل، مستعرضة الآثار الخارجية للفعل حينا آخر، لا تترك من جوانبه وملحقاته ونتائجه شاردة ولا واردة، إلا سجلتها في أمانة وصدق، كما تحدث في الحياة الواقعية التي يخوضها الناس ويمارسونها.
لو كانت هذه مهمة القصة، إذا فقد أصبح لدينا مقياس واضح، نزن به قيمة ما نقرؤه من القصص، لنميز فيها الطيب من الخبيث، فكلما وجدنا في القصة روح الواقع، الذي يمثل لنا الحياة الصحيحة، كما تجري يوما بعد يوم، كانت أصدق مراعاة لفن القصة كما ينبغي أن يكون.
أما وقد فرغنا من بسط المبادئ النظرية، فيجمل بنا أن نستعرض تاريخ القصة وبعض القصص الرائعة؛ لنرى إن كانت تقوم دليلا قاطعا على صدق ما ذهبنا إليه، فإذا استبعدنا القصص التي صادفت إعجابنا لا بفنها، بل بما تذيعه وتوضحه من آراء ومذاهب، فليس بعد ذلك من سبيل إلى الشك في أن طابع القصة الجيدة هو، أولا وقبل كل شيء، هذه «الواقعية» التي تعكس لك الحياة كما ألفتها وعرفتها في حياتك، وحياة أهلك وجيرتك وعشيرتك والعالم الذي تعيش فيه.
وأول ما يلفت النظر - إذ نستعرض القصة في ماضيها وحاضرها؛ لنرى إلى أي حد تصدق مبادئنا على نتاج الأدباء - هو حداثة سنها في تاريخ الأدب، فهي حديثة العهد جدا إذا قيست بسائر ضروب الأدب وفنونه، ومع ذلك فهي أوسع تلك الضروب والفنون شيوعا بين الناس، فلو قارنتها - مثلا - بالملحمة التي عرفها الإنسان منذ أول نشأته، ألفيتها وليدة الأمس لا تزال في نعومة أظفارها تحبو، فقد يحدثك مؤرخو الآداب أن القصة قد شهدت نور الحياة أول ما شهدته سنة 1740م، حين أخرج القصصي الإنجليزي «رتشردسن» قصة «باملا». وسيبدو لك ما زعمه مؤرخو الآداب أمرا عجيبا؛ لأنك في أغلب الظن ستخلط بين الحكاية والقصة، وسترجع بخيالك إلى أعمق أعماق الماضي السحيق، لترى الناس يروون الحكايات كلما كان فراغ ودار في حلقات السمر حديث، ثم تقول: وهذه قصص العرب، وألف ليلة وليلة، وهي كلها أسبق من هذا التاريخ الذي زعمه مؤرخو الآداب بداية للقصة، لكنك قد أنسيت خصائص القصة بمعناها الصحيح، فليست كل تلك الحكايات الأولى قصصا؛ لأنها تفقد أخص خصائص القصص، فما هي بالصادقة في تصوير الحياة، ولا هي تتعقب أجزاء الحادثة الواحدة تحليلا حتى تبلغ أقصى مداها، إنما هي حكايات تطالعها، ولا تنسى قط وأنت تطالع أنك في عالم من خيال، ولكن لماذا تأخرت القصة في الظهور؟
تأخرت بسبب تلك الحكايات الأولى نفسها، التي أخطأت منذ حين قليل، فظننتها من القصص وما هي منها في كثير ولا قليل، فقد كان الرجل الموهوب في الخيال القصصي، إذا ما جلس ليروي للناس حكاية في الأزمان الغابرة، توهم أنه لو ساق في حكايته الحوادث العادية المألوفة، لم يستوقف أسماع المنصتين ولم يستثر إعجابهم، كما لو ساق في حكايته الحوادث الشاذة العجيبة الشاطحة في خيالها؛ فلا بد إذا لكي يظفر أولئك الحكاءون بالتقدير، أن يرووا المدهشات التي تثير نفوس السامعين بغرابتها؛ لهذا جاءت حكايات القديم والعصر الوسيط حول الأرباب وأبطال الأساطير، فتروى الأعاجيب عن الملك أرثر وملوك الجن والشياطن وما إلى ذلك. وكانت هذه الحكايات تروى شعرا في أوروبا القديمة والوسطى؛ لأن الشعر هو الأداة التي تستطيع أن ترتفع بالكاتب أو الحكاء إلى هذا الخيال البعيد، وهو الأداة التي تصلح أن تطير بعقول السامعين إلى أرض الجن والشياطين، وتخلص عقولهم مما يقعد بها ويثقلها من شئون هذا العالم الأرضي الذي نعيش فيه. ونحب - إنصافا لهذه القصائد القصصية - أن نقول إنها تمثل جانبا من الحياة النفسية الحقيقية، وإن لم تصور الواقع الملموس من أوضاع الحياة؛ ذلك لأنها تشبع في الناس أهواء ونزعات لا يشبعها عالم الواقع، فهي في ذلك كأحلام اليقظة أو أحلام النوم ، تحقق للحالم أمانيه التي لم يستطع تحقيقها في دنياه. خذ مثلا لذلك مغامرات الفرسان في أساطير الملك أرثر، فلا هي بالصحيحة ولا هي بالباطلة، لا هي تصور ما يغامر به الفرسان فعلا في الحياة الواقعة، ولا هي بعيدة عما يتمناه الفرسان من مثل أعلى، هي تصور الفرسان كما ينبغي أن يكونوا، فهي صحيحة إن نظرت إليها على أنها أمنية تتردد في أنفس الفرسان وأمل يبتغون تحقيقه، وهي باطلة إن قستها بالحياة الواقعة الجارية كما هي؛ لهذا أجراها الأدباء شعرا؛ لأن الشعر - كما قدمنا - يخدع القارئ عن نفسه ويلون له الباطل في صورة الحق، ويعلو بالنفس إلى أفق أعلى من مستوى الحياة، الشعر أصلح من النثر في التعبير عن الغريب الشاذ الذي يسمو على المألوف، فإن فقدت الحادثة غرابتها وشذوذها وسموها كان النثر لها أصلح أداة. ونعود فنقول إن مغامرات الفرسان المثالية كانت تمثل ما يطمح إليه الفرسان، فكان الشعر أداة صالحة لها. فلما ذهب عصر الفروسية وانقضى، ولم يعد الناس يرون مثلهم الأعلى في حياة الفارس المغامر، ذهبت عن تلك الأماني حلاوتها وطلاوتها، وأصبحت مجرد حكايات تروى عن حوادث خيالية غريبة، دون أن تكون صورا مثالية تفخم الواقع وتسمو به. وعندئذ جاز لكاتب مثل «مالوري» أن يحولها إلى النثر، فيروي بها ذكريات عصر زال أو في طريقه إلى الزوال.
بدأت القصة إذا حكاية خيالية تروي الغريب الشاذ ولا تصور الواقع، ثم مضت في هذا الطريق عصورا طوالا، فحتى حين اطرح الحكاءون التقليد القديم، الذي كان يحتم أن تدور الحكاية حول أشخاص جبابرة عمالقة يعلون عن مألوف الرجال، فقد استبدلوا بذلك التقليد غرابة في الحوادث التي صوروها. نعم كانوا يختارون لحكاياتهم أشخاصا من الحياة العادية، لكنهم سلكوا هؤلاء الأشخاص في مجرى من الحياة لا يشبه الحياة الجارية في شيء، فكأنهم بذلك استبدلوا شذوذا بشذوذ، وغرابة بغرابة، ولم تبلغ بعد حكايتهم أن تكون قصة تقص الواقع في أشخاصه وحوادثه على السواء. هكذا كانت الحكاية في عصر اليصابات، لم تعد كما كانت سالفتها في العصور الوسطى، تنتقل بأشخاصها وحوادثها في أرض الجن والشياطين، ولم تعد تختار عمالقة الأبطال يخوضون الحروب الصليبية؛ ليأتوا بالبطولة النادرة التي لا يسلم بصدقها عقل سليم، وأصبحت تختار لأبطالها أشخاصا عاديين، بل أشخاصا أقرب إلى سفلة الناس يتسكعون في الحانات ومباءات الفساد. لكن هؤلاء الأبطال السفلة يأتون من الأعمال ما لا يقل غرابة وشذوذا عن فرسان الملك أرثر في حكايات العصور الوسطى. ومن ذلك ترى أن القصة التي تعالج ناسا كأوساط الناس، يحيون حياة كالحياة المألوفة الواقعة، كانت لم تخلق بعد في عصر اليصابات، وكان من الجائز أن تظهر عندئذ لو أن عقول الناس تهيأت للتمتع بالقراءة عن أشخاص عاديين في حياة عادية، فقبل أن يفكر كاتب في وصف حياة الرجل العادي، في حياته الجارية بكل تفصيلاتها وأجزائها، لا بد أن تنشأ عند الناس عادة الانتباه إلى الحوادث التافهة العابرة التي لا تحمل في طيها مغزى ولا معنى، وعادة تقديرها وتقويمها لمجرد أنها وقعت تحت عين المشاهد الذي يرقب مجرى الحياة بعين تلحظ كل الدقائق. لا يمكن لقصة بمعناها الصحيح أن تنشأ، إلا إذا اهتم الناس أولا بأجزاء الحياة وتفصيلاتها اهتماما يحول التافه إلى شيء ذي وزن وشأن، وإلا إذا أخذوا يستمتعون بمطالعة أوجه الحياة المألوفة كما تقع كل يوم.
Shafi da ba'a sani ba