Fitina Babba (Sashe na Farko): Usman
الفتنة الكبرى (الجزء الأول): عثمان
Nau'ikan
فانظر إلى ما في هذا الكتاب من الشدة والحزم اللذين يلائمان ما ينبغي أن يكتب إلى أمراء الحرب. وانظر بنوع خاص إلى التزام عثمان سيرة عمر فيما رسم لأمراء الحرب من نظام؛ لأن عمر لم يرسم هذا النظام إلا عن ملأ من المسلمين من المهاجرين والأنصار، وقد حضر عثمان رسم هذا النظام وشارك فيه بالرأي والمشورة، وهو يعزم على الأمراء ألا يغيروا ولا يبدلوا مما رسم عمر شيئا، وينذرهم بالعزل والعقوبة إن غيروا أو بدلوا؛ لأنه مكلف أن ينظر فيما ألزمه الله النظر فيه والقيام عليه. فعثمان إذن محافظ على سيرة عمر في الإدارة وفي سياسة المال وفي سياسة الحرب. وهو كذلك محافظ على سياسة عمر فيما كان يأخذ به عامة المسلمين من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتزام السنة الموروثة واجتناب التكلف والابتداع. يشهد بذلك كتابه الذي أصدره ليقرأ على الناس في الأمصار والأقاليم، وهو: «أما بعد، فإنكم إنما بلغتم ما بلغتم بالاقتداء والاتباع، فلا تلفتنكم الدنيا عن أمركم؛ فإن أمر هذه الأمة صائر إلى الابتداع بعد اجتماع ثلاث فيكم: تكامل النعم، وبلوغ أولادكم من السبايا، وقراءة الأعراب والأعاجم القرآن. فإن رسول الله
صلى الله عليه وسلم
قال: الكفر في العجمة، فإذا استعجم عليهم أمر تكلفوا وابتدعوا.»
فعثمان في هذا الكتاب ليس أقل محافظة من عمر على السنة الموروثة، وليس أقل تهيبا من عمر للابتداع والتكلف؛ فهو ينبه المسلمين إلى أنهم لم يبلغوا ما بلغوا من سعة الفتح وضخامة السلطان إلا بالاقتداء والاتباع، وهو يحذرهم من أن تلفتهم الدنيا عن أمرهم، ويخاف عليهم ثلاثة أشياء: أن يبطرهم تكامل النعم وازدياد حظهم بين يوم ويوم من الرخاء وبسطة العيش، وأن يفسد عليهم أمرهم بلوغ أولادهم من السبايا؛ فهذا الجيل الناشئ الذي لم يخلص دمه للعرب، وإنما امتزج بدمه العربي دم الأمهات الأجنبيات، خليق أن يؤثر الابتداع والتجديد على الاقتداء والاتباع، الثالث أن يدخل على الدين ما ليس منه، وأن يشاب العلم السمح اليسير بالجهل والتكلف اللذين يأتيان من إقبال الأعراب والأعاجم على الإسلام وقراءتهم للقرآن، وعجزهم بعد ذلك عن أن يفهموا النص على وجهه، واضطرارهم بعد ذلك إلى التكلف والتزيد. وما أعرف أن أحدا صور الآفات التي تعرض المسلمون لها بعد الفتح كما صورها عثمان في هذا الكتاب؛ فقد كثرت النعمة، فتعرض المسلمون للبطر والأشر والطمع، ونشأ هذا الجيل المولد، فكان التكلف والابتداع والتجديد وركوب الأحداث العظام. وأقبل على الإسلام قوم لم يفقهوا القرآن على وجهه، فكان الإسراف في التهاون من جهة، والإسراف في التشدد من جهة أخرى، وضاع الحق أو كاد يضيع بين المتهاونين والمتشددين.
وهؤلاء العمال الذين كتب إليهم عثمان إنما كانوا عمال عمر أقرهم عثمان على أعمالهم عاما بوصية من عمر نفسه، ولم يكن أرشد من هذه التوصية ولا أدنى منها إلى الحزم والرفق جميعا، فقد أشفق عمر من أن يتعجل الإمام بعده الاستمتاع بالسلطان، فيعزل ويولي ويقطع بذلك ما استأنف العمال من أعمالهم، ويضطرب لذلك أمر المسلمين في الأمصار والثغور. وقد أجاز عثمان هذه الوصية والتزمها، وألزم العمال في عهده أو في العام الأول من عهده السياسية التي كان عمر يأخذهم بها، وهؤلاء هم العمال الذين وجدهم عثمان على أعمالهم فاحتملهم عاما كاملا، وعلق سلطانه في الولاية والعزل تعليقا أثناء هذا العام.
فقد كان على مكة نافع بن عبد الحارث الخزاعي وهو غير قرشي كما ترى، وكان على الطائف سفيان بن عبد الله الثقفي وهو أيضا غير قرشي، والطائف مدينة ثقيف، وعلى صنعاء يعلى بن منية وليس قرشيا صليبة وإنما هو حليف لبني نوفل بن عبد مناف، وعلى الجند عبد الله بن أبي ربيعة وهو قرشي من مخزوم، وعلى الكوفة المغيرة بن شعبة وهو ثقفي، وعلى البصرة أبو موسى الأشعري وليس قرشيا ولا مضريا ولا عدنانيا، وإنما هو يمني، وعلى مصر عمرو بن العاص وهو قرشي من بني سهم، وعلى حمص عمير بن سعد وهو أنصاري، وعلى دمشق معاوية بن أبي سفيان وهو قرشي من بني أمية، وعلى فلسطين عبد الرحمن بن علقمة وهو كناني، وعلى البحرين وما والاها عثمان بن أبي العاص الثقفي.
فكثرة هؤلاء العمال كما ترى ليست من قريش، وليس فيهم واحد من عدي رهط عمر. ولم يقصر عمر توليته على المضرية ولا على العدنانية، وإنما اختار عماله من العرب الذين حسن إسلامهم وثبتت له كفايتهم، وكان يراقبهم كما علمت في أمور الدين والدنيا جميعا. فلم يكن للعصبية إذن أثرها فيما كان عمر يمارس من التولية والعزل.
وقد وجد عثمان هؤلاء العمال على أمصارهم وولاياتهم، ووجد الوصية بإبقائهم في مناصبهم، ففعل ولم يباشر تولية ولا عزلا في العام الأول من خلافته، ولكنه باشر ما عدا ذلك من شئون السلطان العامة، وأول ما فعل من ذلك، بعد القضاء في أمر عبيد الله بن عمر والهرمزان، وبعد إصدار ما أصدر من الكتب إلى عمال الصلاة والخراج والحرب وإلى عامة المسلمين، زيادته في أعطيات الناس؛ فقد زاد الناس في أعطياتهم مائة مائة؟ ولم يكن قد طرأ ما يوجب هذه الزيادة بين موت عمر واستخلافه، أي في أيام لا تكاد تبلغ الأسبوع، فقد أراد عثمان بهذه الزيادة إذن أن يستهل خلافته بالتوسعة على الناس. ولست أدري أكان عثمان خليقا أن يفعل هذا وأن يحمل بيت المال هذه النفقات يقتطعها من الإنفاق على المرافق العامة دون أن يطرأ على الناس ما يزيد حاجتهم إلى رفع العطاء، أو دون أن يطرأ على بيت المال من الدخل ما يدعو الخليفة إلى أن يوسع على الناس من فضوله.
وأقل ما توصف به هذه الزيادة أن فيها شيئا ولو يسيرا من الانحراف عن سياسة عمر في الإبقاء على بيت المال، وفي ألا ينفق منه إلا بمقدار الحاجة إلى الإنفاق. وقد يكون في هذه الزيادة ما يكاد يشعر بأن عثمان كان يرى تشددا في سياسة عمر المالية، وكان ينكر هذا التشدد فيما بينه وبين نفسه، وكان يرى أن في بيت المال ما يسع الناس أكثر مما وسعهم أيام عمر؛ فهو نقد غير مباشر لسيرة عمر في سياسة بيت المال.
وما لنا لا نسمي الأشياء بأسمائها ولا نقول إن عثمان قد تقرب بهذه السياسة الجديدة إلى عامة الناس، وتقرب إليهم على حسابهم؛ فبيت المال لم يكن بيت مال الخليفة، وإنما كان بيت مال المسلمين. وواضح جدا أن عثمان لم يتجاوز حقه في ذلك، فما دام المسلمون قد عرفوا للخليفة الحق في أن يفرض لهم العطاء، فهم يعرفون له الحق في أن ينقص هذا العطاء إن اقتضت سياسة بيت المال نقصه، وأن يزيد هذا العطاء إن وجد في بيت المال سعة. ولكن من الواضح أيضا أن هذه الزيادة من العطاء قد فتحت بابا لم يكن إلى إغلاقه من سبيل، فما دام الخليفة يستطيع أن يوسع على الناس، فالتوسعة على الناس لا حد لها. وهو إذا وسع على عامة الناس اليوم فقد يستطيع أن يوسع على خاصتهم غدا. وما هي إلا أن ينشأ الإيثار وتكون المحاباة، وينشأ في أثرهما التنافس والتزاحم والتطامع إلى أموال العامة. وقد كان عثمان سخيا بماله ينفق منه بغير حساب في سبيل الله، وينفق منه بغير حساب في صلة الرحم وبر الأصدقاء. وليس عليه في ذلك حرج ولا جناح، بل له في ذلك ثواب الله وحسن جزائه. ولكن مال عثمان لم يكن يسع عامة الناس، فلم يكن يستطيع أن يزيد عطاءهم من صلب ماله، فليزد عطاءهم من أموالهم، وليفتح على نفسه وعلى الناس بابا يعرفون كيف يدخلون منه، ولكنهم لا يعرفون كيف يخرجون.
Shafi da ba'a sani ba