Fitina Kubra Ali da 'Ya'yansa
الفتنة الكبرى (الجزء الثاني): علي وبنوه
Nau'ikan
وواضح أن هذا الكتاب لم يقع من نفس الأشعث موقعا حسنا، وإن من اليسير بعد ذلك أن نفهم مواقف الأشعث من علي فيما عرض من الخطوب.
ولم يكن علي مؤنبا لعماله، ولا سيئ الظن بهم دائما، وإنما كان يثني على المحسن منهم فيبلغ في الثناء، يعرف لهم بذلك حقهم ويشجعهم على ما أظهروا من الإخلاص لإمامهم، وحسن البلاء في النصح للمسلمين.
وانظر ما كتبه إلى عمر بن أبي سلمة عامله على البحرين حين عزله عن عمله ليصحبه في شخوصه إلى الشام:
إني قد وليت النعمان بن عجلان البحرين من غير ذم لك ولا تهمة فيما تحت يدك، ولعمري لقد أحسنت الولاية وأديت الأمانة، فأقبل إلي غير ظنين ولا ملوم، فإني أريد المسير إلى ظلمة أهل الشام، وأحببت أن تشهد معي أمرهم، فإنك ممن أستظهر به على إقامة الدين وجهاد العدو، جعلنا الله وإياك من الذين يهدون بالحق وبه يعدلون.
وكذلك سار علي في عماله هذه السيرة الحازمة، يشجع المحسن منهم ويشتد على المسيء، لا يحابي في شيء من ذلك ولا يداجي، ولا يعرف مداراة ولا مجاراة، وإنما هو النصح للمسلمين والعدل في الرعية وإقامة الحق في أولئك وهؤلاء.
وقد رأيت سيرته مع ابن عمه عبد الله بن عباس، وشدته على زياد، وعقابه بالعزل لمن لا يحسن القيام بأمره، وبالحبس لمن يتعلق بذمته حق من حقوق الناس، فليس غريبا ألا ينظر العمال إليه ولا إلى عمله إلا في كثير من التحفظ والتحرج والاحتياط، وليس غريبا أن يلتوي عليه أحد عماله مصقلة بن هبيرة ببعض الحق، ثم يشفق منه فيفر إلى معاوية ويلقى عنده ما رأيت آنفا من الرضى والإيثار.
وهذه السيرة التي سارها علي في عماله هي نفس السيرة التي سارها في الناس، فلم يكن يطمع الناس في نفسه، ولم يكن يوئسهم منها، وإنما كان يدنو منهم أشد الدنو ما استقاموا على الطريق وأدوا الحق، فإن انحرفوا عن الجادة أو التووا ببعض ما يجب عليهم بعد عنهم أشد البعد، وأجرى فيهم حكم الله غير مصطنع هوادة أو رفقا.
وقد روى المؤرخون أن ناسا من أهل الكوفة ارتدوا فقتلهم ثم حرقهم بالنار، وقد ليم في ذلك من ابن عباس، وأظن أن هذه القصة هي التي غلا خصوم الشيعة فيها، فزعموا أن هؤلاء الناس ألهوا عليا. ولكن المؤرخين، والثقات منهم خاصة، يقفون من هذه القصة موقفين: فمنهم من يرويها في غير تفصيل كما رويتها، ومن هؤلاء البلاذري، ومنهم من لا يرويها ولا يشير إليها كالطبري ومن تبعه من المؤرخين، وإنما يكثر في هذه القصة أصحاب الملل والمخاصمون للشيعة، وما أرى إلا أن القوم يتكثرون فيها ويحملونها أكثر مما تحتمل كما فعلوا في أمر ابن السوداء.
وربما بينت هذه الصورة الشعرية، التي تركها أعرابي من طيئ، عما كان في قلوب الناس من المهابة لعلي، وكان هذا الرجل يفسد في الطريق، فأرسل علي رجلين ليأتياه به، ففر منهما وقال:
ولما أن رأيت ابني شميط
Shafi da ba'a sani ba