Fitina Kubra Ali da 'Ya'yansa
الفتنة الكبرى (الجزء الثاني): علي وبنوه
Nau'ikan
ولئن سطوت لأوهنن عظمي
وكما كان علي نفسه يشعر يوم الجمل حين كان يقول بعد أن نظر إلى القتلى من الفريقين:
أشكو إليك عجري وبجري
شفيت نفسي وقتلت معشري
وقد ابتهج أهل الكوفة في حزن بعد يوم الجمل بانتصارهم على أهل البصرة، وشجعهم هذا الانتصار على أن ينهضوا إلى صفين، أما في هذا اليوم يوم النهروان فأهل الكوفة يقتلون أهل الكوفة وأهل البصرة يقتلون أهل البصرة، فأي غرابة في أن يشيع الحزن في القلوب وتغشى النفوس كآبة لا تؤذن بخير؟! وأي غرابة في أن يدعوهم علي إلى النهوض إلى الشام فيعتل عليه رؤساؤهم، منهم الصادق ومنهم الماكر الكاذب. يقولون له: قد نفدت السهام وتكسرت السيوف ونصلت الرماح، فأعدنا إلى مصرنا لنريح ونجدد أداتنا ثم ننهض معك إلى عدونا.
ولا يكاد علي يعود بهم إلى معسكرهم في النخيلة خارج الكوفة ويحرج عليهم ترك المعسكر ودخول المصر حتى ينظر فإذا هم يتسللون أفرادا وجماعات، حتى لا يبقى في المعسكر إلا عدد يسير لا يغنون عنه شيئا، وحتى يضطر هو إلى أن يدخل الكوفة ويفكر في الاستعداد للحرب من جديد.
وكان معاوية قد بلغه نهوض علي إلى الشام، فنهض في أصحابه يسبق إلى صفين، ولكن عليا لم يقدم، فلما عرف معاوية ما كان من أمره مع الخوارج، ومن رجوعه إلى الكوفة وتخاذل أصحابه عن القتال عاد إلى دمشق موفورا دون أن يلقى كيدا.
الفصل الثامن والعشرون
وترك علي أصحابه أياما ليريحوا ويستريحوا ويستعدوا، كما زعم له رؤساؤهم في النهروان، فلما ظن أنهم قد بلغوا من ذلك ما أرادوا دعاهم إلى الخروج وحثهم عليه وحرضهم على الجهاد، ولكنهم سمعوا له ثم لم يصنعوا شيئا، فأمهلهم أياما ثم خطبهم كالمستيئس من نصرهم، فقال: «يا عباد الله، ما بالكم إذا أمرتم أن تنفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض، أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة بدلا، وبالذل والهوان من العز والكرامة خلقا؟! أفكلما دعوتكم إلى الجهاد دارت أعينكم في رءوسكم كأنكم من الموت في سكرة وكأن قلوبكم قاسية، فأنتم أسود الشرى عند الدعة، وحين تنادون للبأس ثعالب رواغة، تنتقص أطرافهم فلا تخاشون، ولا ينام عدوكم عنكم وأنتم في غفلة ساهون، إن لكم علي حقا: فالنصيحة لكم ما نصحتم، وتوفير فيئكم عليكم، وأن أعلمكم كيلا تجهلوا، وأؤدبكم كيما تعلموا، وأما حقي عليكم فالوفاء بالبيعة، والنصح في المغيب والمشهد، والإجابة حين أدعوكم، والطاعة حين آمركم.»
على أن خطبته هذه بلغت أسماع أصحابه دون أن تتجاوزها إلى قلوبهم، فانصرفوا عنه ولم يصنعوا شيئا، لم ينفروا للحرب ولم يتأهبوا لها، بل لم يظهروا ميلا إلى التأهب فضلا عن أن يظهروا الميل إلى النفير، وإنما قروا في مصرهم وأقبلوا على حياتهم وادعين يدبرون أمورهم في أمن وفراغ بال، كأنهم لم يهموا بغزو الشام وكأنهم لم يستأذنوا عليا في العودة إلى مصرهم، ليكون استعدادهم للحرب أتم وتأهبهم لها أشد وأمضى، وليس من شك في أن لهذه الظاهرة أسبابها المختلفة وعللها المتباينة.
Shafi da ba'a sani ba