Fitina Kubra Ali da 'Ya'yansa
الفتنة الكبرى (الجزء الثاني): علي وبنوه
Nau'ikan
كان هناك سعد بن أبي وقاص من أصحاب الشورى، ومن العشرة الذين شهد لهم رسول الله بالجنة، وكان هناك سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل أحد أولئك العشرة أيضا، ثم كان هناك عبد الله بن عمر، الطيب ابن الطيب، كما كان أبو موسى يقول.
أنا إذن أستبعد أن يكون عمرو قد رشح معاوية، ومهما يكن من شيء فالذين يروون هذا الترشيح يروون كذلك أن أبا موسى قد رفضه، وفضل عليه عليا لسابقته وبلائه ومكانه من النبي. ويقال كذلك إن أبا موسى جاء باقتراح معارض لاقتراح عمرو، فذكر الطيب ابن الطيب عبد الله بن عمر، ورأى أن في استخلافه إحياء لذكرى عمر، ولكن عمرا رفض هذا الاقتراح؛ لأن عبد الله لم يكن صاحب بأس ولا بطش ولا قوة على النهوض بهذا الأمر. وأكبر الظن أن عمرا ذكر أبا موسى بأن عمر نفسه قد أحضر ابنه الشورى ولم يجعل له من الأمر شيئا، وبأن رأي عمر في ابنه معروف، وقد كان يقول: إنه لا يحسن يطلق امرأته.
ويتزيد الرواة من أهل العراق فيزعمون أن عمرا لقي عبد الله بن عمر وخلا إليه وعرض عليه الخلافة إن أعطاه مصر، فأبى عبد الله أن يشتري الخلافة بالرشوة ويعطي الدنية من دينه.
وما أرى إلا أن هذا غلو دفع إليه الذين أبغضوا عمرا من أهل العراق، والشيء المحقق هو أن الحكمين لم يتفقا على رجل يرشحانه للخلافة، فاتفقا عن اقتراح أبي موسى أو عن اقتراح عمرو على أن يخلعا من هذا الأمر عليا ومعاوية جميعا، وأن يتركا للأمة أمرها شورى بينها تختار له من تشاء، ثم لم يضعا نظاما لهذه الشورى ولا شيئا يشبه النظام، ولم يقدرا أن الأمة ستختلف حين تستقبل أمرها، فينحاز أهل العراق إلى علي وينحاز أهل الشام إلى معاوية، ويتبع أولئك وهؤلاء من مال إليهم من المسلمين. وربما نهض أهل الحجاز فاختاروا سعد بن أبي وقاص، أو سعيد بن زيد، أو عبد الله بن عمر، أو غيرهم من أصحاب النبي من المهاجرين. لم يفكرا في شيء من ذلك ولم يحتاطا له، وإنما اكتفيا بما انتهيا إليه من خلع الرجلين ورد سلطان الأمة إليها.
وهنا تأتي المشكلة الخطيرة التي اتفق المؤرخون عليها، لم يكد يشذ منهم أحد، فقد ظهر الحكمان للناس وأعلنا أنهما قد اتفقا على ما فيه الرضى للمسلمين، ثم قدم عمرو أبا موسى ليبدأ بإعلان ما اتفقا عليه، وكان عمرو - فيما يقال - يظهر دائما تقديم أبي موسى وإكباره؛ لسبقه إلى صحبة النبي ولسنه أيضا. ويقال كذلك إن ابن عباس أشفق من خداع عمرو، فأشار على أبي موسى أن يتأخر، حتى إذا تكلم عمرو استطاع هو أن يتكلم بعده، ولكن أبا موسى لم يسمع لابن عباس، وإنما قام فحمد الله وأثنى عليه ثم أعلن أنهما قد اتفقا على خلع علي ومعاوية ورد الأمر شورى بين المسلمين، وأمر الناس أن يستقبلوا أمرهم ويختاروا لخلافتهم من يرضون.
ثم قام عمرو فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إن هذا قد خلع صاحبه وأنا أخلعه مثله، ولكني أثبت صاحبي. فقال له أبو موسى: ما لك، لا وفقك الله؟! غدرت وفجرت، إنما مثلك كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث. وقال له عمرو: إنما مثلك كمثل الحمار يحمل أسفارا.
وماج القوم، فأقبل شريح بن هانئ رئيس الوفد من أصحاب علي فقنع عمرا بسوطه، وقام محمد بن عمرو فقنع شريحا بسوطه، وأقبل الناس فحجزوا بينهما، وانطلق أبو موسى فركب راحلته ورمى بها مكة، وعاد أهل الشام إلى معاوية فسلموا عليه بإمرة المؤمنين.
وإذن فقد غدر عمرو غدرة منكرة، إن صح ما كاد المؤرخون أن يجمعوا عليه، اتفق مع أبي موسى على خلع الرجلين ثم لم يخلع منهما إلا واحدا، جار إذن عن العهد الذي أعطاه على نفسه في الصحيفة، فسقط حكمه وسقط حكم صاحبه أيضا.
وتفرق القوم على غير شيء كأنهم لم يجتمعوا، وكان الظافر في هذا كله معاوية، فقد رفعت الحرب عن أصحابه وأتيح له أن يريحهم وأن يستعد لاستقبال أمره أشد قوة وأمضى عزما وأعظم بأسا، وورط أصحاب علي في الخلاف والفرقة، واضطرهم إلى الفتنة وجعل بأسهم بينهم شديدا.
ومن المؤرخين من زعم أن عمرا لم يبلغ بكيده إلى هذه المنزلة من الغدر، وإنما اكتفى بخلع الرجلين كما خلعهما أبو موسى، فسوى بين علي ومعاوية، وكان هذا ظفرا عظيما.
Shafi da ba'a sani ba