Fitina Kubra Ali da 'Ya'yansa
الفتنة الكبرى (الجزء الثاني): علي وبنوه
Nau'ikan
فقد أرسل إليهم القعقاع بن عمرو صاحب رسول الله، وأمره أن يعلم علمهم ويسألهم عما يريدون، ويناظرهم فيما خرجوا من أجله، فمضى القعقاع حتى أذن له على عائشة، فسألها عما أقدمها إلى البصرة. قالت: إصلاح بين الناس. فسألها أن تدعو طلحة والزبير ليقول لهما ويسمع منهما وهي شاهدة. فأرسلت إليهما، فلما أقبلا قال لهما القعقاع: إني سألت أم المؤمنين عما أقدمها إلى هذه البلدة، فقالت: إصلاح بين الناس، أفأنتما متابعان لها أم مخالفان عنها؟ قالا: متابعان. قال القعقاع: فأنبئاني عن هذا الإصلاح الذي تريدونه، فإن كان خيرا وافقناكم عليه، وإن كان شرا اجتنبناه. قال قائلهما: قتل عثمان مظلوما، ولا يستقيم الأمر إذا لم يقم الحد على قاتليه. قال القعقاع: فإنكم قد قتلتم من قتلة عثمان ستمائة رجل في البصرة إلا رجلا واحدا هو حرقوص بن زهير؛ غضب له قومه فخالفوا عنكم، وغضب لمن قتل قومهم، فتفرقت عنكم مضر وربيعة وفسد الأمر بينكم وبين كثير من الناس، ولو مضيتم في الأمصار تفعلون فيها مثل ما فعلتم في البصرة لفسد الأمر فسادا لا صلاح بعده. قالت عائشة: فأنت تقول ماذا؟ قال القعقاع: أقول إن هذا أمر دواؤه التسكين واجتماع الشمل، حتى إذا صلح الأمر وهدأت الثائرة وأمن الناس واطمأن بعضهم إلى بعض؛ نظرنا في أمر الذين أحدثوا هذه الفتنة، وإني لأقول هذا وما أراه يتم حتى يأخذ الله من هذه الأمة ما يشاء، فقد انتثر أمرها وألمت بها الملمات وتعرضت لبلاء عظيم. فاستحسن القوم كلامه، أو أظهروا له أنهم يستحسنون كلامه، وقالوا: قد رضينا منك رأيك، فإن أقبل علي بمثل هذا الرأي صالحناه عليه. ورجع القعقاع راضيا فأنبأ عليا بما قال وبما قيل له، فسر علي بذلك أشد السرور وأعظمه.
وكان الأفراد من أهل البصرة يلمون بمعسكر علي، يأتي الربعي من أهل البصرة قومه من ربيعة الكوفة، ويأتي المضري قومه المضريين، ويأتي اليمني قومه اليمانية، فلا يكون الحديث بينهم إلا في الصلح وإيثار العافية، حتى ظن أولئك وهؤلاء أن الأمر ملتئم بعد قليل. وهنا يروي الغلاة من خصوم الشيعة قصة ما أراها تستقيم؛ لأنها تخالف طبيعة الأشياء ولا يسيغها إلا أصحاب السذاجة أو الذين يتكلفون أو يريدون تصوير التاريخ كما كان بمقدار ما يريدون تصويره كما تمنوا أن يكون.
فقد زعم هؤلاء الغلاة أن الذين تولوا كبر الثورة بعثمان جزعوا حين أحسوا أن أمر الناس صائر إلى الصلح وأشفقوا أن يكونوا ثمن هذا الصلح، فاجتمع ناديهم بليل وجعلوا يديرون الرأي بينهم على نحو ما تجد في السيرة من اجتماع قريش بدار الندوة وائتمارهم بالنبي وحضور ذلك الشيخ النجدي الذي اتخذ إبليس صورته ليشهد أمر القوم ويشير عليهم.
وكان إبليس الجماعة في هذه القصة ذلك اليهودي الذي أسلم بأخرة ومضى في الأمصار يفسد على الناس أمور دينهم وأمور دنياهم ويؤلبهم على عثمان، وهو عبد الله بن سبأ المعروف بابن السوداء.
وقد جعل القوم يتشاورون، وجعل إبليس القوم يسفه ما كان يعرض من الآراء حتى انتهوا إلى رأي أعجب به ابن السوداء كما أعجب إبليس برأي أبي جهل في أمر النبي. وكان هذا الرأي الذي أعجب ابن السوداء هو أن يحزموا أمرهم ويكتموا سرهم، حتى إذا التقى الجمعان أنشبوا القتال عن غير أمر من علي، فأثاروا الحرب وحالوا بين الفريقين وبين ما كانوا يريدون من الصلح. وتمضي القصة فتروي أن القوم أنفذوا خطتهم كما دبروها، فأنشبوا القتال على حين كان طلحة والزبير وعلي قد أجمعوا أمرهم على الصلح.
والتكلف في هذه القصة أظهر من أن نحتاج إلى كثير عناء في ردها، فلم يكن علي وأصحابه من الغفلة بحيث تدبر الخيانة في معسكرهم ويدبرها قوم من قادتهم وهم لا يشعرون، وإنما الوجه الذي يلائم طبيعة الأشياء هو ما رواه المعتدلون من المؤرخين من أن القوم قد التقوا عند البصرة ووقف بعضهم لبعض وتناظروا ولم تغن المناظرة عنهم شيئا، فكان ما لم يكن بد من أن يكون.
الفصل الثاني عشر
وكان كعب بن ثور حبرا صالحا من أحبار المسلمين، كان في الجاهلية نصرانيا، فلما أسلم مضى في إسلامه متتبعا للخير متوخيا للبر متفقها في الدين ناصحا لله وللناس، مرتفعا عن صغائر الأمور وأعراض الدنيا. وقد وثق به عمر فولاه قضاء البصرة، وأثبته عثمان على قضائها، ولم يعرض له عامل علي، فظل قاضيا حتى كانت الفتنة، وأقبلت أم المؤمنين ومعها هذان الشيخان إلى البصرة، وحاول كعب أن يصلح بين الناس فلم يبلغ من ذلك شيئا. وحاول أن يحمل قومه الأزد على اعتزال الفتنة وترك البصرة فلم يبلغ من ذلك شيئا، وقال له رئيس القوم صبرة بن شيمان: ما أرى إلا أن نصرانيتك القديمة قد أدركتك، أتريد أن نترك ثقل رسول الله
صلى الله عليه وسلم ؟! وأراد أن يعتزل الفتنة وحده بعد أن أبى قومه أن يتبعوه فلم يبلغ من ذلك شيئا، عزمت عليه أم المؤمنين ألا يتركها، فأقام معها مستجيبا لعاطفته الدينية من جهة ولعاطفة الجوار من جهة أخرى، كأنه قدر أن أم المؤمنين حين عزمت عليه ألا يتركها قد أرادت أن تتخذه لها جارا، فأقام معها وجعل مع ذلك يحاول الإصلاح بين الناس، ولم يكن يشفق من شيء كما كان يشفق من التقاء الجمعين ووقوف بعض القوم لبعض، كان يرى أن في ذلك تحريضا على القتال ودعاء إليه، فما أسرع ما يعزب حلم الحليم! وما أسرع ما يستخف الطيش سفهاء الناس في مثل هذه المواطن!
ولكن الجمعين قد التقيا على تعبئة ذات صباح، وخرج علي حتى كان بين الفريقين فدعا إليه طلحة والزبير ليكلمهما، فخرجا إليه، وتواقف ثلاثتهم وسأل علي صاحبيه: ألم تبايعاني؟ قالا: بايعناك كارهين ولست أحق بها منا. فقال لطلحة: أحرزت عرسك وخرجت بعرس رسول الله
Shafi da ba'a sani ba