Fitina Kubra Ali da 'Ya'yansa
الفتنة الكبرى (الجزء الثاني): علي وبنوه
Nau'ikan
ثم رأى الناس طلحة والزبير يبايعان عن غير رضى ولا إقبال، فما يمنعهم - وهم يرون هذا كله ويعلمون هذا كله ويقدرون هذا كله - أن تمتلئ قلوبهم خوفا ونفوسهم قلقا.
ومع ذلك فقد كان خليفتهم الجديد أجدر الناس بأن يملأ قلوبهم طمأنينة وضمائرهم رضى ونفوسهم أملا، فهو ابن عم النبي، وأسبق الناس إلى الإسلام بعد خديجة، وأول من صلى مع النبي من الرجال، وهو ربيب النبي قبل أن يظهر دعوته ويصدع بأمر الله، أحس النبي أن أبا طالب يلقى ضيقا في حياته؛ فسعى في أعمامه ليعينوا الشيخ على النهوض بثقل أبنائه، فاحتملوا عنه أكثر أبنائه وتركوا له عقيلا، كما أحب، وأخذ النبي عليا فكفله وقام على تنشئته وتربيته، فلما آثره الله بالنبوة كان علي في كنفه لم يجاوز العاشرة من عمره إلا قليلا، فنستطيع أن نقول إنه نشأ مع الإسلام، وكان النبي يحبه أشد الحب ويؤثره أعظم الإيثار، استخلفه حين هاجر على ما كان عنده من ودائع حتى ردها إلى أصحابها، وأمره فنام في مضجعه ليلة ائتمرت قريش بقتله، ثم هاجر حتى لحق بالنبي في المدينة فآخى النبي بينه وبين نفسه ثم زوجه ابنته فاطمة، ثم شهد مع النبي مشاهده كلها، وكان صاحب رايته في أيام البأس، وقال النبي يوم خيبر: «لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله.» فلما أصبح دفع الراية إلى علي، وقال النبي له حين استخلفه على المدينة يوم سار إلى غزوة تبوك: «أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي.» وقال للمسلمين في طريقه إلى حجة الوداع: «من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه.» وكان عمر رحمه الله يعرف لعلي علمه وفقهه، ويقول: «إن عليا أقضانا.» وكان يفزع إليه في كل ما يعرض له من مشكلات الحكم، وقال حين أوصى بالشورى: «لو ولوها الأجلح لحملهم على الجادة.» إلى فضائل كثيرة يعرفها له أصحاب النبي على اختلافهم، ويعرفها له خيار المسلمين من التابعين، ويؤمن له بها أهل السنة كما يؤمن له بها شيعته.
وسنرى حين نمضي في سيرته وحين نبين مواقفه من المشكلات الكثيرة التي عرضت له أنه كان أهلا لكل هذه الفضائل ولأكثر منها ، وأنه كان أجدر الناس بأن يسير في المسلمين سيرة عمر ويحملهم على طريقه ويبلغ بهم من الخير والنجح والفلاح مثل ما بلغ بهم عمر لو واتته الظروف.
وكان عمر رحمه الله صاحب فراسة صادقة وحدس لا يكاد يخطئ حين قال: «لو ولوها الأجلح لحملهم على الجادة.» كان يرى أن عليا أشبه الناس به في شدته في الحق وإذعانه للحق وغلظته على الذين ينكرون الحق أو يضيقون به، ولكن القوم لم يولوا خلافتهم الأجلح بعد وفاة عمر، حين كانت الدنيا مقبلة والنشاط قويا والإقدام قارحا والبصائر نافذة والأمور تجري بالمسلمين على ما أحبوا، وإنما ولوا خلافتهم عثمان، فكان من أمره معهم وأمرهم معه ما كان، حتى إذا فسدت الدنيا وانتشرت الأمور واضطرب حبل السلطان وظن بعض الناس ببعض أسوأ الظن وأضمر بعضهم لبعض أعظم الكيد؛ هنالك فزعت كثرة منهم إلى علي فبايعته، واعتزلته طائفة لا يريدون به بأسا، وأبت عليه طائفة أخرى لا تحبه ولا تريد أن تستقيم له طائعة.
ونظر الخليفة الجديد ونظر أصحابه معه فإذا هم يواجهون أمورا عظاما، وقد أحاطت بهم فتنة مشبهة معماة إذا أخرج الرجل فيها يده لم يكد يراها.
أمام هذه الأمور العظام، وفي قلب هذه الفتنة المظلمة الغليظة وجد علي نفسه كأحسن ما يجد الرجل نفسه، صدق إيمان بالله ونصحا للدين وقياما بالحق، واستقامة على الطريق المستقيمة، لا ينحرف ولا يميل ولا يدهن من أمر الإسلام في قليل ولا كثير، وإنما يرى الحق فيمضي إليه لا يلوي على شيء، ولا يحفل بالعاقبة ولا يعنيه أن يجد في آخر طريقه نجحا أو إخفاقا، ولا أن يجد في آخر طريقه حياة أو موتا، وإنما يعنيه كل العناية أن يجد أثناء طريقه وفي آخرها رضى ضميره ورضى الله.
الفصل الثالث
وكان علي وعمه العباس يريان حين قبض رسول الله
صلى الله عليه وسلم
أن الخلافة حق لبني هاشم لا ينبغي أن تصرف عنهم ولا أن يقوم بها أحد من دونهم، ولولا أن العباس أسلم بأخرة لفكر في نفسه أن يرشح نفسه خليفة لابن أخيه فيتلقى عنه تراثه في القيام بشأن المسلمين، ولكنه نظر في الأمر فرأى ابن أخيه عليا أحق منه بوراثة هذا السلطان؛ لأنه ربيب النبي وصاحب السابقة في الإسلام وصاحب البلاء الحسن الممتاز في المشاهد كلها، ولأن النبي كان يدعوه أخاه حتى قالت له أم أيمن ذات يوم مداعبة: «تدعوه أخاك وتزوجه ابنتك!» ولأن النبي قال له: «أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي.» وقال للمسلمين يوما آخر: «من كنت مولاه فعلي مولاه.» من أجل ذلك كله أقبل العباس بعد وفاة النبي على ابن أخيه فقال له: «ابسط يدك أبايعك.» ولكن عليا أبى مخافة الفتنة، وذكره العباس بذلك بعد أعوام طوال.
Shafi da ba'a sani ba