250

Fisal Fi Milal

الفصل في الملل والأهواء والنحل

Mai Buga Littafi

مكتبة الخانجي

Inda aka buga

القاهرة

لهَذَا القَوْل وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لَا يعقل الْبَتَّةَ جسم إِلَّا مؤلف طَوِيل عريض عميق ونظارهم وَهُوَ لَا يَقُولُونَ بِهَذَا فَإِن قَالُوهُ لَزِمَهُم أَن لَهُ مؤلفًا جَامعا مخترعًا فَاعِلا فَإِن منعُوا من ذَلِك لَزِمَهُم أَن لَا يوجبوا لما فِي الْعَالم من التَّأْلِيف لَا مؤلفًا وَلَا جَامعا إِذْ الْمُؤلف كُله كَيْفَمَا وجد يَقْتَضِي مؤلفًا ضَرُورَة فَإِن قَالُوا هُوَ جسم غير مؤلف قيل لَهُم هَذَا هُوَ الَّذِي لَا يعقل حَقًا وَلَا يتشكل فِي النَّفس الْبَتَّةَ فَإِن قَالُوا لَا فرق بَين فولنا شَيْء وَبَين قَوْلنَا جسم قيل لَهُم هَذِه دَعْوَى كَاذِبَة على اللُّغَة الَّتِي بهَا يَتَكَلَّمُونَ وَأَيْضًا فَهُوَ بَاطِل لِأَن الْحَقِيقَة أَنه لَو كَانَ الشَّيْء والجسم بِمَعْنى وَاحِد لَكَانَ الْعرض جسمًا لِأَنَّهُ شَيْء وَهَذَا بَاطِل يتَعَيَّن والحقيقة هِيَ أَنه لَا فرق بَين قَوْلنَا شَيْء وَقَوْلنَا مَوْجُود وَحقّ وَحَقِيقَة ومثبت فَهَذِهِ كلهَا أَسمَاء مترادفة على معنى وَاحِد لَا يخْتَلف وَلَيْسَ مِنْهَا اسْم يَقْتَضِي صفة أَكثر من أَن الْمُسَمّى بذلك حق وَلَا مزِيد وَأما لَفْظَة جسم فَإِنَّهَا فِي اللُّغَة عبارَة عَن الطَّوِيل العريض العميق الْمُحْتَمل للْقِسْمَة ذِي الْجِهَات السِّت الَّتِي هِيَ فَوق وَتَحْت ووراء وأمام وَيَمِين وشمال وَرُبمَا عدم وَاحِدَة مِنْهَا وَهِي الفوق هذاحكم هَذِه الْأَسْمَاء فِي اللُّغَة الَّتِي هَذِه الْأَسْمَاء مِنْهَا فَمن أَرَادَ أَن يُوقع شَيْئا مِنْهَا على غير موضوعها فِي اللُّغَة فَهُوَ مَجْنُون وقاح وَهُوَ كمن أَرَادَ أَن يُسَمِّي الْحق بَاطِلا وَالْبَاطِل حَقًا وَأَرَادَ أَن يُسَمِّي الذَّهَب خشبًا وَهَذَا غَايَة الْجَهْل والسخف إِلَّا أَن يَأْتِي نَص بِنَقْل اسْم مِنْهَا عَن مَوْضُوعه إِلَى معنى آخر فَيُوقف عِنْده وَإِلَّا فَلَا وَإِنَّمَا يلْزم كل مناظر يُرِيد معرفَة الْحَقَائِق أَو التَّعْرِيف بهَا أَن يُحَقّق الْمعَانِي الَّتِي يَقع عَلَيْهَا الِاسْم ثمَّ يخبر بعد بهَا أرعنها بِالْوَاجِبِ وَأما مزج الْأَشْيَاء وقلبها عَن موضوعاتها فِي اللُّغَة فَهَذَا فعل السوفسطائية الوقحاء الْجُهَّال الغابنين لعقولهم وأنفسهم فَإِن قَالُوا لنا إِنَّكُم تَقولُونَ إِن الله ﷿ حَيّ لَا كالأحياء وَعَلِيم لَا كالعلماء وقادر لَا كالقادرين وَشَيْء لَا كالأشياء فَلم منعتم القَوْل بِأَنَّهُ جسم لَا كالأجسام قيل لَهُم وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق لَوْلَا النَّص الْوَارِد بتسميه تَعَالَى بِأَنَّهُ حَيّ وقدير وَعَلِيم مَا سميناه بِشَيْء من ذَلِك لَكِن الْوُقُوف عِنْد النَّص فرض وَلم يَأْتِ نَص بتسميته تَعَالَى جسمًا وَلَا قَامَ الْبُرْهَان بتسميته جسمًا بل الْبُرْهَان مَانع من تَسْمِيَته بذلك تَعَالَى وَلَو أَتَانَا نَص بتسميته تَعَالَى جسمًا لوَجَبَ علينا القَوْل بذلك وَكُنَّا حِينَئِذٍ نقُول أَنه لَا كالأجسام كَمَا قُلْنَا فِي عليم وقدير وَحي وَلَا فرق وَأما لَفْظَة شَيْء فالنص أَيْضا جَاءَ بهَا والبرهان أوجبهَا على مَا نذْكر بعد هَذَا إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَقَالَت طَائِفَة مِنْهُم أَنه تَعَالَى نورا وَاحْتَجُّوا بقوله تَعَالَى ﴿الله نور السَّمَاوَات وَالْأَرْض﴾
قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَلَا يَخْلُو النُّور من أحد وَجْهَيْن إِمَّا أَن يكون جسمًا وَإِمَّا أَن يكون عرضا وَأيهمَا كَانَ فقد قَامَ الْبُرْهَان أَنه تَعَالَى لَيْسَ جسمًا وَلَا عرضا وَأما قَوْله تَعَالَى الله نور السَّمَوَات وَالْأَرْض فَإِنَّمَا مَعْنَاهُ هدى الله بتنوير النُّفُوس إِلَى نور الله تَعَالَى فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض وبرهان ذَلِك أَن الله ﷿ أَدخل الأَرْض فِي جملَة مَا أخبر أَنه نور لَهُ فَلَو كَانَ

2 / 93