فرق الشيعة إدخال أسامة أبو بكر
Shafi 1
بسم الله الرحمن الرحيم
أما بعد فإن فرق الأمة كلها المتشيعة وغيرها اختلفت في الإمامة في كل عصر ووقت كل إمام بعد وفاته وفي عصر حياته منذ قبض الله محمد صلى الله عليه وسلم وقد ذكرنا في كتابنا هذا ما يتناهى إلينا من فرقها وآرائها واختلافها وما حفظنا مما رؤي لنا من العلل التي من أجلها تفرقوا واختلفوا وما عرفنا في ذلك من تاريخ الأوقات وبالله التوفيق ومنه العون
Shafi 2
قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر ربيع الأول سنة عشر من الهجرة وهو ابن ثلاث وستين سنة وكانت نبوته عليه السلام ثلاثا وعشرين سنة وأمه آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب ، فافترقت الأمة ثلاث فرق ( فرقة منها ) سميت الشيعة وهم شيعة علي بن أبي طالب عليه السلام ومنهم افترقت صنوف الشيعة كلها ، ( وفرقة منهم ) ادعت الإمرة والسلطان وهم الأنصار ودعوا إلى عقد الأمر لسعد بن عبادة الخزرجى ، ( وفرقة ) مالت إلى أبي بكر بن أبي قحافة وتأولت فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينص على خليفة بعينة وأنه جعل الأمر إلى الأمة تختار لأنفسها من رضيته ، واعتل قوم منهم برواية ذكروها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره في ليلته التي توفي فيها بالصلاة بأصحابه فجعلوا ذلك الدليل على استحقاقه إياه وقالوا رضيه النبي صلى الله عليه وسلم لأمر ديننا ورضيناه لأمر دنيانا وأوجبوا له الخلافة بذلك فاختصمت هذه الفرقة وفرقة الأنصار وصاروا إلى سقيفة بني ساعدة ومعهم أبو بكر وعمر وأبو عبيده بن الجراح والمغيرة بن شعبة الثقفي وقد دعت الأنصار إلى العقد لسعد بن عبادة الخزرجى والاستحقاق للأمر والسلطان فتنازعوا هم والأنصار في ذلك حتى قالوا منا أمير ومنكم أمير فاحتجت هذه الفرقة عليهم بأن النبي عليه السلام قال : الأئمة من قريش وقال بعضهم أنه قال : الإماة لا تصلح إلا في قريش فرجعت فرقة الأنصار ومن تابعهم إلى أمر أبي بكر غير نفر يسير مع سعد بن عبادة ومن اتبعه من أهل بيته فإنه لم يدخل في بيعته حتى خرج إلى الشام مراغما لأبي بكر وعمر فقتل هناك بحوران قتله الروم وقال آخرون قتلته الجن فاحتجوا بالشعر المعروف وفي روايتهم أن الجن قالت
Shafi 4
( قد قتلنا سيد الخزرج سعد بن عباده
ورميناه بسهمين فلم نخطي فؤاده ) وهذا قول فيه بعد النظر الخ لأنه ليس في التعارف أن الجن ترمي بني آدم بالسهام فتقتلهم ، فصار مع أبي بكر السواد الأعظم والجمهور الأكثر فلبثوا معه ومع عمر مجتمعين عليهما راضين بهما ، وقد كانت فرقة اعتزلت عن أبي بكر فقالت لا نؤدي الزكوة إليه حتى يصح عندنا لمن الأمر ومن استخلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ونقسم الزكوة بين فقرائنا وأهل الحاجة منا ، وارتد قوم فرجعوا عن الإسلام ودعت بنو حنيفة إلى نبوة مسيلمة وقد كان ادعى النبوة في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث أبو بكر إليهم الخيول عليها خالد بن الوليد بن المغيرة المخزومي فقاتلهم وقتل مسيلمة وقتل من قتل ورجع من رجع منهم إلى أبي بكر فسموا أهل الردة ولم يزل هؤلاء جميعا على أمر واحد حتى نقموا على عثمان بن عفان أمورا أحدثها وصاروا بين خاذل وقاتل إلا خاصة أهل بيته وقليلا من غيرهم حتى قتل ، فلما قتل بايع الناس عليا عليه السلام فسموا الجماعة ثم افترقوا بعد ذلك فصاروا ثلاث فرق : ( فرقة ) أقامت على ولاية علي بن أبي طالب عليه السلام ( وفرقة ) منهم اعتزلت مع سعد بن مالك وهو سعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عمر بن الخطاب ومحمد بن مسلمة الأنصاري وأسامة بن زيد ابن حارثة الكلبي مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن هؤلاء اعتزلوا عن علي عليه السلام وامتنعوا من محاربته والمحاربة معه بعد دخولهم في بيعته والرضاء به فسموا المعتزلة وصاروا أسلاف المعتزلة إلى آخر الابد وقالوا : لا يحل قتال علي ولا القتال معه ، وذكر بعض أهل العلم أن الأحنف بن قيس التميمي اعتزل بعد ذلك في خاصة قومه من بني تميم لا على التدين بالاعتزال لكن على طلب السلامة من القتل وذهاب المال وقال لقومه : اعتزلوا الفتنة أصلح لكم ، ( وفرقة ) خالفت عليا عليه السلام وهم طلحة بن عبد الله والزبير بن العوام وعائشة بنت أبي بكر فصاروا إلى البصرة فغلبوا عليها وقتلوا عمال علي عليه السلام بها وأخذوا المال فسار إليهم علي عليه السلام فقتل طلحة والزبير وهزموا وهم أصحاب الجمل وهرب قوم منهم فصاروا إلى معاوية بن أبي سفيان ومال معهم أهل الشام وخالفوا عليا ودعوا إلى الطلب بدم عثمان وألزموا عليا وأصحابه دمه ثم دعوا إلى معاوية وحاربوا عليا وهم أهل صفين ، ثم خرجت فرقة ممن كان مع علي عليه السلام وخالفته بعد تحكيم الحكمين بينه وبين معاوية وأهل الشام وقالوا : لا حكم إلا لله وكفروا عليا عليه السلام وتبرؤا منه وأمروا عليهم ذا الثدية وهم المارقون ، فخرج علي عليه السلام فحاربهم بالنهروان فقتلهم وقتل ذا الثدية فسموا الحرورية لوقعة حروراء وسموا جميعا الخوارج ومنهم افترقت فرق الخوارج كلها فلما قتل علي عليه السلام التقت الفرقة التي كانت معه والفرقة التي كانت مع طلحة والزبير وعائشة فصاروا فرقة واحدة مع معاوية بن أبي سفيان إلا القليل منهم من شيعته ومن قال بإمامته بعد النبي صلى الله عليه وسلم وهم السواد الأعظم وأهل الحشو وأتباع الملوك وأعوان كل من غلب أعني الذين التقوا مع معاوية فسموا جميعا المرجئة لأنهم توالوا المختلفين جميعا وزعموا أن أهل القبلة كلهم مؤمنون بإقرارهم الظاهر بالإيمان ورجوا لهم المغفرة
Shafi 6
وافترقت المرجئة بعد ذلك فصارت إلى ( أربع فرق ) : ( فرقة ) منهم غلوا في القول وهم الجهمية أصحاب جهم بن صفوان وهم مرجئة أهل خراسان ( وفرقة ) منهم الغيلانية وهم أصحاب غيلان بن مروان وهم مرجئة أهل الشام ( وفرقة ) منهم الماصرية أصحاب عمرو ابن قيس الماصر وهم مرجئة أهل العراق منهم أبو حنيفة ونظراؤه ، ( وفرقة ) منهم يسمون ( الشكاك ) ( والبترية ) أصحاب الحديث منهم ( سفيان بن سعيد الثوري ) ( وشريك بن عبد الله ) ( وابن أبي ليلي ) و ( محمد بن إدريس الشافعي ) و ( مالك بن أنس ) ونظراؤهم من أهل الحشو والجمهور العظيم وقد سموا ( الحشوية )
فقالت أوائلهم في الإمامة : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الدنيا ولم يستخلف علي دينه من يقوم مقامه في لم الشعث وجمع الكلمة والسعي في أمور الملك والرعية وإقامة الهدنة وتأمير الأمراء وتجييش الجيوش والدفع عن بيضة الإسلام وردع المعاند وتعليم الجاهل وإنصاف المظلوم وجوزوا فعل هذا الفعل لكل إمام أقيم بعد الرسول صلى الله عليه وسلم
Shafi 7
ثم اختلف هؤلاء فقال بعضهم على الناس أن يجتهدوا آرائهم في نصب الإمام وجميع حوادث الدين والدنيا إلى اجتهاد الرأي ، وقال بعضهم : الرأي باطل ولكن الله عز وجل أمر الخلق أن يختاروا الإمام بعقولهم ، وشذت طائفة من المعتزلة عن قول أسلافها فزعمت أن النبي صلى الله عليه وسلم نص على صفة الإمام ونعته ولم ينص على إسمه ونسبه وهذا قول أحدثوه قريبا ، وكذلك قالت جماعة من أهل الحديث هربت حين عضها حجاج الإمامية ولجأت إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم نص على أبي بكر بأمره إياه بالصلوة وتركت مذهب أسلافها في أن المسلمين بعد وفاة الرسول عليه السلام رضينا لدنيانا بإمام رضيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لديننا
واختلف أهل الإهمال في إمامة الفاضل والمفضول فقال أكثرهم : هي جائزة في الفاضل والمفضول إذا كانت في الفاضل علة تمنع من إمامته ، ووافق سائرهم أصحاب النص على أن الإمامة لا تكون إلا للفاضل المتقدم
واختلف الكل في الوصية فقال أكثر أهل الإهمال : توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يوص إلى أحد من الخلق ، فقال بعضهم قد أوصى علي معنى أنه أوصى الخلق بتقوى الله عز وجل
Shafi 8
ثم اختلفوا جميعا في القول بالإمامة وأهلها فقالت ( البترية ) وهم أصحاب ( الحسن بن صالح بن حي ) ومن قال بقوله أن عليا عليه السلام هو أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأولاهم بالإمامة وأن بيعة أبي بكر ليست بخطأ ووقفوا في عثمان وثبتوا حزب علي عليه السلام وشهدوا على مخالفيه بالنار واعتلوا بأن عليا عليه السلام سلم لهما ذلك فهو بمنزلة رجل كان له على رجل حق فتركه له
وقال ( سليمان بن جرير الرقي ) ومن قال بقوله أن عليا عليه السلام كان الإمام وأن بيعة أبي بكر وعمر كانت خطأ ولا يستحقان اسم الفسق عليها من قبل التأويل لأنهما تأولا فأخطئا وتبرؤوا من عثمان فشهدوا عليه بالكفر ومحارب علي عليه السلام عندهم كافر
وقال ابن التمار ومن قال بقوله أن عليا عليه السلام كان مستحقا للإمامة وأنه أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن الأمة ليست بمخطئة خطأ إثم في توليتها أبا بكر وعمر ولكنها مخطئة بترك الأفضل وتبرؤا من عثمان ومن محارب علي عليه السلام وشهدوا عليه بالكفر
Shafi 9
وقال ( الفضل الرقاشي ) و ( أبو شمر ) و ( غيلان بن مروان ) و ( جهم بن صفوان ) ومن قال بقولهم من المرجئة أن الإمامة يستحقها كل من قام بها إذا كان عالما بالكتاب والسنة وأنه لا تثبت الإمامة إلا بإجماع الأمة كلها وقال أبو حنيفة وسائر المرجئة : لا تصلح الإمامة إلا في قريش كل من دعا منهم إلي الكتاب والسنة والعمل بالعدل وجبت إمامته ووجب الخروج معه وذلك للخبر الذي جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال الأئمة من قريش
وقالت الخوارج كلها إلا النجدية منهم الإمامة تصلح في أفنآء الناس كلهم من كان منهم قائما بالكتاب والسنة عالما بهما وأن الإمامة تثبت بعقد رجلين
وقالت النجدية من الخوارج الأمة غير محتاجة إلي إمام ولا غيره وإنما علينا وعلى الناس أن نقيم كتاب الله عز وجل فيما بيننا
وقالت المعتزلة أن الإمامة يستحقها كل من كان قائما بالكتاب والسنة فإذا اجتمع قرشي ونبطي وهما قائمان بالكتاب والسنة ولينا القرشي والإمامة لا تكون إلا بإجماع الأمة واختيار ونظر
Shafi 10
وقال ضرار بن عمرو إذا اجتمع قرشي ونبطي ولينا النبطي وتركنا القرشي لأنه أقل عشيرة وأقل عددا فإذا عصى الله وأردنا خلعه كانت شوكته أهون وإنما قلت ذلك نظرا للإسلام
وقال إبراهيم النظام ومن قال بقوله الإمامة تصلح لكل من كان قائما بالكتاب والسنة لقول الله عز وجل إن أكرمكم عند الله أتقاكم وزعموا أن الناس لا يحب عليهم فرض الإمامة إذا هم أطاعوا الله وأصلحوا سرائرهم وعلانيتهم فإنهم لن يكونوا كذا إلا وعلم الإمام قائم باضطرار يعرفون عينه فعليهم اتباعه ولن يجوز أن يكلفهم الله عز وجل معرفته ولم يضع عندهم علمه فيكلفهم المحال ،
Shafi 11
وقالوا في عقد المسلمين الإمامة لأبي بكر أنهم قد أصابوا في ذلك وأنه كان أصلحهم في ذلك الوقت بالقياس والخبر ، أما القياس فإنه لما وجد أن الإنسان لا يعمد إلى الذل لرجل ولا يتابعه في كل ما قال إلا من ثلاث طرق إما أن يكون رجلا له عشيرة تعينه على استعباد الناس أورجلا عنده مال فيبذل الناس له لماله أو دين برز فيه على الناس ، فلما وجدنا أبا بكر أقلهم عشيرة وأفقرهم علمنا أنه إنما قدم للدين ، وأما الخبر فاجتماع الناس عليه ورضاهم بإمامته وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن الله تبارك وتعالى ليجمع أمتي على ضلال ولو كان اجتماع الناس عليه خطأ لكان في ذلك فساد الصلاة وجميع الفرائض وإبطال القرآن وهو الحجة علينا بعد النبي صلى الله عليه وسلم ، وهذه علة المعتزلة والمرجئة بأجمعهم
Shafi 12
وزعم عمرو بن عبيد وضرار بن عمرو و واصل بن عطاء وهم أصول المعتزلة فقال عمرو بن عبيد ومن قال بقوله أن عليا عليه السلام كان أولى بالحق من غيره ، وقال ضرار بن عمرو لست أدري أيهم أهدى أعلى أم طلحة والزبير ، وقال واصل بن عطاء مثل علي ومن خالفه مثل المتلاعنين لا يدري من الصادق منهما ومن الكاذب وأجمعوا جميعا على أن يتولوا القوم في الجملة وأن إحدى الفرقتين ضالة لا شك من أهل النار وأن عليا وطلحة والزبير إن شهدوا بعد اقتتالهم على درهم لم يجيزوا شهادتهم وإن انفرد علي مع رجل من عرض الناس أجازوا شهادته وكذلك طلحة والزبير وزعموا أنهم يسمونهم باسم الإيمان على الأمر الأول ما اجتمعوا فإذا انفردوا لم يسموا واحدا منهم على الانفراد مؤمنا ولم يجيزوا شهادته
وأما ( البترية ) من أصحاب الحديث أصحاب ( الحسن بن صالح بن حي ) و ( كثير النواء ) و ( سالم بن أبي حفصة ) و ( الحكم بن عتيبة ) ( وسلمة بن كهيل ) و ( أبي المقدام ثابت الحداد ) ومن قال بقولهم فإنهم دعوا إلى ولاية علي عليه السلام ثم خلطوها بولاية أبي بكر وعمر ، وأجمعوا جميعا أن عليا خير القوم جميعا وأفضلهم وهم مع ذلك يأخذون بأحكام أبي بكر وعمر ويرون المسح على الخفين وشرب النبيذ المسكر وأكل الجري
Shafi 13
واختلفوا في حرب علي عليه السلام ومحاربة من حاربه : فقالت الشيعة والزيدية ومن المعتزلة إبراهيم بن سيار النظام وبشر بن المعتمر ومن قال بقولهما من المرجئة أبو حنيفة وأبو يوسف وبشر المريسي ومن قال بقولهم أن عليا عليه السلام كان مصيبا في حربه طلحة والزبير وغيرهما وأن جميع من قاتل عليا عليه السلام وحاربه كان على خطأ وجب على الناس محاربتهم مع علي عليه السلام
والدليل على ذلك قول الله عز وجل في كتابه
ﵟفقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر اللهﵞ
فقد وجب قتالهم لبغيهم عليه لأنهم ادعوا ما ليس لهم وما لم يكونوا أولياءه من الطلب بدم عثمان فبغوا عليه ، واعتلوا بالخبر عن علي عليه السلام في قوله أمرت بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين فقد قاتلهم ووجب قتالهم
وقال بكر ابن أخت عبد الواحد ومن قال بقوله أن عليا وطلحة والزبير مشركون منافقون وهم مع ذلك جميعا في الجنة لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم اطلع الله عز وجل على أهل بدر فقال اصنعوا ما شئتم قد غفرت لكم
Shafi 14
وقالت بقية المعتزلة ضرار بن عمرو ومعمر وأبو الهذيل العلاف وبقية المرجئة أنا نعلم أن أحدهما مصيب والآخر مخطيء فنحن نتولى كل واحد منهم على الانفراد ولا نتولاهم على الاجتماع ، وعلتهم في ذلك أن كل واحد منهم قد ثبتت ولايته وعدالته بالإجماع فلا تزول عنه العدالة إلا بالإجماع
وقالت الحشوية وأبو بكر الأصم ومن قال بقولهم أن عليا وطلحة والزبير لم يكونوا مصيبين في حربهم وأن المصيبين هم الذين قعدوا عنهم وأنهم يتولونهم جميعا ويتبرؤن من حربهم ويردون أمرهم إلى الله عز وجل واختلفوا في تحكيم الحكمين :
Shafi 15
فقالت الخوارج الحكمان كافران وكفر علي عليه السلام حين حكمهما ، واعتلوا بقول الله عز وجل
ﵟومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرونﵞ
. و
ﵟالظالمونﵞ
. و
ﵟالفاسقونﵞ
. ) وبقوله تبارك وتعالى
ﵟفقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر اللهﵞ
فتركه القتال كفر ، وقالت الشيعة والمرجئة وإبراهيم النظام وبشر بن المعتمر أن عليا عليه السلام كان مصيبا في تحكيمه لما أبى أصحابه إلا التحكيم وامتنعوا من القتال فنظر للمسلمين ليتألفهم وإنما أمرهما أن يحكما بكتاب الله عز وجل فخالفا فهما اللذان ارتكبا الخطأ وهو الذي أصاب ، واعتلوا في ذلك بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وادع أهل مكة ورد أبا جندل سهيل بن عمرو إلى المشركين يحجل في قيوده وبتحكيمه سعد بن معاذ فيما بينه وبين بني قريظة والنظير من اليهود .
وقال أبو بكر الأصم نفس خروجه خطأ وتحكيمه خطأ وأن أبا موسى الأشعري أصاب حين خلعه حتى يجتمع الناس على إمام
وقال سائر المعتزلة : كل مجتهد مصيب وقد اجتهد علي عليه السلام فأصاب ولسنا نتهمه في قوله فهو محق
Shafi 16
وقالت الحشوية : نحن لا نتكلم في هذا بشيء ونرد أمرهم إلى الله عز وجل فإن يكن حقا فالله أولى حقا كان أو باطلا و نتولاهم جميعا على الأمر الأول
وكل هذه الصنوف والفرق التي ذكرناها من أهل الإرجاء والخوارج وغيرهم مختلفون فيما بينهم فرقا كثيرة يطول ذكرها يؤثمون بعضهم على بعض في الإمامة والأحكام والفتوى والتوحيد وجميع فنون الدين ينكر بعضهم من بعض ويكفر بعضهم بعضا أكثر ما عندهم أن سموا أنفسهم على اختلاف مذاهبهم الجماعة يعنون بذلك أنهم مجتمعون على ولاية من وليهم من الولاة برا كان أو فاجرا فتسموا بالجماعة على غير معنى الاجتماع على دين بل صحيح معناهم معنى الافتراق
فجميع أصول الفرق كلها الجامعة لها أربع فرق ( الشيعة ) و ( المعتزلة ) و ( المرجئة ) و ( الخوارج )
Shafi 17
فأول الفرق ( الشيعة ) وهم فرقة علي بن أبي طالب عليه السلام المسمون بشيعة علي عليه السلام في زمان النبي صلى الله عليه وسلم وبعده معروفون بانقطاعهم إليه والقول بإمامته منهم المقداد بن الأسود وسلمان الفارسي وأبو ذر جندب بن جنادة الغفاري وعمار بن ياسر ومن وافق مودته مودة علي عليه السلام وهم أول من سمى باسم التشيع من هذه الأمة لأن اسم التشيع قديم شيعة إبراهيم وموسى وعيسى والأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين فلما قبض الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم افترقت فرقة الشيعة ثلاث فرق : ( فرقة ) منهم قالت أن عليا عليه السلام إمام مفترض الطاعة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأجب على الناس القبول منه والأخذ ولا يجوز غيره الذي وضع عنده النبي صلى الله عليه وسلم من العلم ما يحتاج إليه الناس من الدين والحلال والحرام وجميع منافع دينهم ودنياهم ومضارها وجميع العلوم جليلها ودقيقها واستودعه ذلك كله واستحفظه إياه ولذا استحق الإمامة ومقام النبي صلى الله عليه وسلم لعصمته وطهارة مولده وسابقته وعلمه وسخائه وزهده وعدالته في رعيته وأن النبي صلى الله عليه وسلم نص عليه وأشار إليه باسمه ونسيه وعينه وقلد الأمة إمامته ونصبه لهم علما وعقد له عليهم إمرة المؤمنين وجعله أولى الناس منهم بأنفسهم في مواطن كثيرة مثل غدير خم وغيره وأعلمهم أن منزلته منزلة هارون من موسى صلى الله عليهما إلا أنه لا نبي بعده فهذا دليل إمامته ولا معنى إلا النبوة والإمامة وإذ جعله نظير نفسه في أنه أولى بهم منهم بأنفسهم في حياته ولقوله صلى الله عليه وسلم لبني وليعة : لتنتهن أو لأبعثن إليكم رجلا كنفسي فمقام النبي صلى الله عليه وسلم لا يصلح من بعده إلا لمن هو كنفسه والإمامة من أجل الأمور بعد النبوة ، وقالوا أنه لابد مع ذلك من أن يقوم مقامه بعده رجل من ولده من ولد فاطمة بنت محمد عليهم السلام معصوم من الذنوب طاهر من العيوب تقي نقي مأمون رضي مبرأ من الآفات والعاهات في كل من الدين والنسب والمولد يؤمن منه العمد والخطأ والزلل منصوص عليه من الإمام الذي قبله مشار إليه بعينه واسمه الموالي له ناج والمعادي له كافر هالك والمتخذ دونه وليجة ضال مشرك ، وأن الإمامة جارية في عقبه ما اتصلت أمور الله وأمره ونهيه ، فلم تزل هذه الفرقة ثابتة على إمامته على ما ذكرنا حتى قتل علي عليه السلام في شهر رمضان ضر به عبد الرحمن بن ملجم المرادي لعنه الله ليلة تسع عشرة وتوفي ليلة إحدى وعشرين ليلة الأحد سنة أربعين من الهجرة وهو ابن ثلاث وستين سنة فكانت إمامته ثلاثين سنة وخلافته أربع سنين وتسعة أشهر وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف رضي الله عنهما وهو أول هاشمي ولد بين هاشميين
Shafi 20
( وفرقة ) قالت أن عليا كان أولى الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس لفضله وسابقته وعلمه وهو أفضل الناس كلهم بعده وأشجعهم وأسخاهم و أورعهم وأزهدهم وأجازوا مع ذلك إمامة أبي بكر وعمر وعدوهما أهلا لذلك المكان والمقام وذكروا أن عليا عليه السلام سلم لهما الأمر ورضي بذلك وبايعهما طائعا غير مكره وترك حقه لهما فنحن راضون كما رضى الله المسلمين له ولمن بايع لا يحل لنا غير ذلك ولا يسع منا أحدا إلا ذلك وأن ولاية أبي بكر صارت رشدا وهدى لتسليم علي ورضاه ولولا رضاه وتسليمه لكان أبو بكر مخطئا ضالا هالكا ، وهم أوائل البترية وخرجت من هذه الفرقة ( فرقة ) قالت أن عليا عليه السلام أفضل الناس لقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولسابقته وعلمه ولكن كان جائزا للناس أن يولوا عليهم غيره إذا كان الوالي الذي يولونه مجزئا أحب ذلك أو كرهه فولاية الوالي الذي ولوا على أنفسهم برضى منهم رشد وهدى وطاعة لله عز وجل وطاعته واجبة من الله عز وجل فمن خالفه من قريش وبني هاشم عليا كان أو غيره من الناس فهو كافر ضال
وفرقة منهم يسمون الجارودية قالوا بتفضيل علي عليه السلام ولم يروا مقامه يجوز لأحد سواه وزعموا أن من دفع عليا عن هذا المكان فهو كافر وأن الأمة كفرت وضلت في تركها بيعته وجعلوا الإمامة بعده في الحسن بن علي عليهما السلام ثم في الحسين عليه السلام ثم هي شورى بين أولادهما فمن خرج منهم مستحقا للإمامة فهو الإمام وهاتان الفرقتان هما اللتان ينتحلان أمر زيد بن علي بن الحسين وأمر زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب ومنها تشبعت صنوف الزيدية
Shafi 21
فلما قتل علي عليه السلام افترقت التي تثبت على إمامته وأنها فرض من الله عز وجل ورسوله عليه السلام فصاروا فرقا ثلاثة : فرقة منهم قالت أن عليا لم يقتل ولم يمت ولا يقتل ولا يموت حتى يسوق العرب بعصاه ويملأ الأرض عدلا وقسطا كما ملئت ظلما وجورا وهي أول فرقة قالت في الإسلام بالوقف بعد النبي صلى الله عليه وسلم من هذه الأمة وأول من قال منها بالغلو وهذه الفرقة تسمى السبأية أصحاب عبد الله بن سبأ وكان ممن أظهر الطعن على أبي بكر وعمر وعثمان والصحابة وتبرأ منهم وقال إن عليا عليه السلام أمره بذلك فأخذه علي فسأله عن قوله هذا فأقر به فأمر بقتله فصاح الناس إليه يا أمير المؤمنين أتقتل رجلا يدعو إلى حكم أهل البيت وإلى ولايتك والبراءة من أعدائك فصيره إلى المدائن ، وحكى جماعة من أهل العلم من أصحاب علي عليه السلام أن عبد الله بن سبأ كان يهوديا فأسلم ووالى عليا عليه السلام وكان يقول وهو على يهوديته في يوشع بن نون بعد موسى عليه السلام بهذه المقالة فقال في إسلامه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم في علي عليه السلام بمثل ذلك وهو أول من شهر القول بفرض إمامه علي عليه السلام وأظهر البراءة من أعدائه وكاشف مخالفيه فمن هناك قال من خالف الشيعة أن أصل الرفض مأخوذ من اليهودية ، ولما بلغ عبد الله بن سبأ نعي علي بالمدائن قال للذي نعاه كذبت لو جئتنا بدماغه في سبعين صرة وأقمت على قتله سبعين عدلا لعلمنا أنه لم يمت ولم يقتل ولا يموت حتى يملك الأرض
Shafi 23
وفرقة قالت بإمامة محمد بن الحنفية لأنه كان صاحب راية أبيه يوم البصرة دون أخويه فسموا الكيسانية وإنما سموا بذلك لأن المختار بن أبي عبيد الثقفي كان رئيسهم وكان يلقب كيسان وهو الذي طلب بدم الحسين بن علي صلوات الله عليهما وثأره حتى قتل من قتلته وغيرهم من قتل وادعى أن محمد بن الحنفية أمره بذلك وأنه الإمام بعد أبيه وإنما لقب المختار كيسان لأن صاحب شرطته المكنى بأبي عمرة كان اسمه كيسان وكان أفرط في القول والفعل والقتل من المختار جدا وكان يقول أن محمد بن الحنفية وصي علي بن أبي طالب وأنه الأمام وأن المختار قيمه وعامله ويكفر من تقدم عليا ويكفر أهل صفين والجمل وكان يزعم أن جبرئيل عليه السلام يأتي المختار بالوحي من عند الله عز وجل فيخبره ولا يراه وروي بعضهم أنه سمى بكيسان مولى علي بن أبي طالب عليه السلام وهو الذي حمله على الطلب بدم الحسين بن علي عليه السلام ودله على قتلته وكان صاحب سره ومؤامرته والغالب على أمره
Shafi 24
وفرقة لزمت القول بإمامة الحسن بن علي بعد أبيه إلا شرذمة منهم فإنه لما وادع الحسن معاوية وأخذ منه المال الذي بعث به إليه وصالح معاوية الحسن طعنوا فيه وخالفوه ورجعوا عن إمامته فدخلوا في مقالة جمهور الناس وبقي سائر أصحابه على إمامته إلى أن قتل فلما تنحى عن محاربة معاوية وانتهى إلى مظلم ساباط وثب عليه رجل من هنالك يقال له الجراح بن سنان فأخذ بلجام دابته ثم قال الله أكبر أشركت كما أشرك أبوك من قبل وطعنه بمغول في أصل فخده فقطع الفخذ إلى العظم فاعتنقه الحسن وخرا جميعا فاجتمع الناس على الجراح فوطؤه حتى قتلوه ثم حمل الحسن على سرير فأتى به المدائن فلم يزل يعالج بها في منزل سعد بن مسعود الثقفي حتى صلحت جراحته ثم انصرف إلى المدينة فلم يزل جريحا من طعنته كاظما لغيظه متجرعا لريقه على الشجا والأذى من أهل دعوته حتى توفي عليه السلام في آخر صفر سنة سبع وأربعين وهو ابن خمس وأربعين سنة وستة أشهر وقال بعضهم أنه ولد سنة ثلاث من الهجرة من شهر رمضان وإمامته ست سنين وخمسة أشهر وأمه فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمها خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب
Shafi 25