Fiqh As-Seerah
فقه السيرة النبوية مع موجز لتاريخ الخلافة الراشدة
Mai Buga Littafi
دار الفكر
Bugun
الخامسة والعشرون
Shekarar Bugawa
١٤٢٦ هـ
Inda aka buga
دمشق
Nau'ikan
من أجل هذه الحقيقة لم تستطع الحكومة الأمريكية أن تلتزم بما آمنت به واعتقدت بفائدته يوم أقدمت على تحريم الخمر ومنع مداولتها في المجتمعات والنوادي، وذلك عام ١٩٣٣ م، إذ لم تمض سوى فترة وجيزة حتى نكص المقننون على أعقابهم، وارتدّوا مترنحين من ألم الحرمان فألغوا القانون الذي التزموه وراحوا يعبّون أقداحهم من جديد..
هذا على حين أن أصحاب رسول الله ﷺ وهم من هم من الثقافة والمدنية ومعرفة الأضرار والفوائد بالنسبة للأمريكيين اليوم- عمدوا بمجرد أن سمعوا أمر الله ﷿ لهم باجتناب الخمر، إلى دنان الخمر فأراقوها وإلى الأقداح فكسروها، وارتفعت أصواتهم تقول: «انتهينا يا رب انتهينا!» ...
والفرق بين الصورتين والواقعتين، أن ههنا شيئا قد وقر في القلب فكان هواه تبعا لأمر الله وأحكامه.
هذه المحبة، بل هذا الهوى المستحوذ على قلوب أصحاب رسول الله ﷺ هو الذي جعلهم يمدون نحورهم دون نحر رسول الله ويعانقون الموت في سبيل حفظ حياته ﵊.
وكم في غزوة أحد من المشاهد الرائعة التي تكشف عن أثر هذه المحبة إذ تغمر قلب صاحبها.
روى ابن هشام أن النبي ﷺ قال لأصحابه: «من رجل ينظر لي ما فعل سعد بن الربيع أفي الأحياء هو أم في الأموات؟ فقال رجل من الأنصار: أنا أنظر لك يا رسول الله ما فعل سعد.
فنظر، فإذا هو جريح في القتلى وبه رمق. فقال له: إن رسول الله ﷺ أمرني أن أنظر أفي الأحياء أنت أم في الأموات! .. قال: أنا في الأموات، فأبلغ رسول الله عني السلام، وقل له:
إن سعد بن الربيع يقول لك: جزاك الله عنا خير ما جزى نبيا عن أمته، وأبلغ قومك عني السلام وقل لهم: إن سعد بن الربيع يقول لكم: إنه لا عذر لكم عند الله إن خلص إلى نبيكم ﷺ وفيكم عين تطرف. قال الأنصاري: فلم أبرح حتى مات» .
ويوم تمتلئ أفئدة المسلمين في عصرنا هذا بنحو من هذه المحبة، بحيث تبعدهم قليلا عن شهواتهم وأنانيتهم، وتتغلب عليها، أقول: يوم يحدث هذا في أفئدة المسلمين فإنهم يصبحون خلقا آخر جديدا، وسينتزعون انتصارهم من بين شدقي الموت وسيتغلبون على أعدائهم، مهما كانت العقبات والسدود.
وإذا سألت عن السبيل إلى مثل هذه المحبة، فاعلم أنها في كثرة الذكر وكثرة الصلاة على رسول الله ﷺ، وفي كثرة التأمل والتفكر في آلاء الله ونعمه عليك، وفي سيرة رسول الله ﷺ وأخلاقه وشمائله، وهذا كله بعد الاستقامة على العبادات في خشية وحضور، والتبتل إلى الله ﷿ بين الحين والآخر.
1 / 183