Fiqh al-Seerah by Al-Ghazali
فقه السيرة للغزالي
Mai Buga Littafi
دار القلم
Lambar Fassara
الأولى
Shekarar Bugawa
١٤٢٧ هـ
Inda aka buga
دمشق
Nau'ikan
لم يكن محمد ﵊ إماما لقبيل من الناس صلحوا بصلاحه، فلما انتهى ذهبوا معه في خبر كان، بل كان قوة من قوى الخير، لها في عالم المعاني ما لاكتشاف البخار والكهرباء في عالم المادة. وإن بعثته لتمثّل مرحلة من مراحل التطور في الوجود الإنساني، كان البشر قبلها في وصاية رعاتهم أشبه بطفل محجور عليه، ثم شبّ الطفل عن الطوق، ورشّح لاحتمال الأعباء واحده، وجاء الخطاب الإلهي إليه- عن طريق محمد ﷺ يشرح له كيف يعيش في الأرض، وكيف يعود إلى السماء. فإذا بقي محمد ﷺ أو ذهب فلن ينقص ذلك من جوهر رسالته. إن رسالته تفتيح الأعين والاذان، وتجلية البصائر والأذهان، وذلك مودع في تراثه الضخم من كتاب وسنّة.
إنه لم يبعث ليجمع حول اسمه أناسا قلّوا أو كثروا؛ إنما بعث صلة بين الخلق والحق الذي يصحّ به وجودهم، والنور الذي يبصرون به غايتهم.
فمن عرف في حياته الحق، وكان له نور يمشي به في الناس فقد عرف محمدا ﷺ، واستظلّ بلوائه، وإن لم ير شبحه أو يعش معه:
يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا (١٧٤) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِراطًا مُسْتَقِيمًا (١٧٥) [النساء] .
فإذا رأيت بعض الناس يتناسى دروس الأستاذ، ويتشبّث بثيابه وهو حيّ، أو يتعلق برفاته وهو ميت، فاعلم أنه طفل غرير، ليس أهلا لأن يخاطب بتعاليم الرسالة بله أن يستقيم على نهجها.
في مسجد النبي ﷺ بالمدينة رأيت حشدا من الناس يتلمّس جوار الرّوضة الشريفة، ويودّ أن يقضي العمر بجانبها.
ولو خرج النبيّ ﷺ حيّا على هؤلاء؛ لأنكر مراهم وكره جوارهم.
إن رثاثة هيئتهم، وقلّة فقههم، وفراغ أيديهم، وضياع أوقاتهم، وطول غفلتهم، تجعل علاقتهم بنبيّ الإسلام أوهى من خيط العنكبوت.
قلت لهم: ما تفيدون من جوار النبي ﷺ؟ وما يفيد هو نفسه منكم؟
إنّ الذين يفقهون رسالته ويحيونها من وراء الرمال والبحار، أعرف بحقيقة
1 / 22