بالتبليغ.
ثم أعظم المجتهدين بعده، وأكمل المفتين هم صاحبته الكرام، الذي اختارهم الله لصحبته، وأكرمهم بالتلقي عنه والقيام بالهجرة إليه ونصرته، وكيف لا يكونون أعظم المجتهدين وقد شاهدوا نوره الباهر الذي هو إكسير الأرواح، وعاينوا نزول الشريعة عليه وتنزيلها على مواقعها، وشاهدوا إفتاءه وأحكامه، وتلقوا عنه في ذلك نظامه، فكانوا في الصلاة خلفه، وفي النصرة أمامه. وهم أعرف الناس بمواقع خطابه ولغته وبيانه، فهم الذين كان الخطاب يوجه إليهم فيأتون بصورة الأوامر وهو إليها ناظر، قائم عليهم، وشاهد في قيامهم بالشعائر، وقد أثبتنا فيما سبق اجتهادهم على العهد النبوي، وقد كان منهم جماعة موسومة بالعلم والفتوى في حياته ﵇، قال الليث بن سعد١، عن مجاهد: العلماء أصحاب محمد ﷺ، وقال قتادة: هم المعنيون بقوله تعالى: ﴿وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ﴾ الآية٢.
وفي الصحيح في قصة صاحبة العسيف التي رجمت: أن أهل العلم أخبروني أن على ابني جلد مائة وتغريب عام. الحديث٣.
وفي صحيح مسلم عن أنس بن مالك أن ناسًا من الأنصار قالوا يوم حنين حين أفاء الله على رسوله من أموال هوازن ما أفاء، فطفق رسول الله ﷺ يعطي رجالًا من قريش المائة من الإبل، فقالوا: يغفر الله لرسول الله، يعطي قريشًا ويتركنا، وسيوفنا تقطر من دمائهم. قال أنس بن مالك: فحدث ذلك رسول الله ﷺ عن قومهم، فأرسل إلى الأنصار فجمعهم في قبة من أدم، فلما اجتمعوا جاءهم رسول الله ﷺ فقال: "ما حديث بلغني عنكم" فقال له فقهاء الأنصار: أما ذوو رأينا يا رسول الله لم يقولوا شيئًا. الحديث٤، فسماهم فقهاء إذ ذاك، ويروى عن سهل بن أبي عمر خيثمة٥ قال: كان الذين يفتون على عهد رسول الله ﷺ