Tunanin Larabawa Na Zamani
الفكر العربي الحديث: أثر الثورة الفرنسية في توجيهه السياسي والاجتماعي
Nau'ikan
من باب اللياقة الظاهرة ... إلخ.
وليس في هذا كله إلا ما يدل على أن الطهطاوي تأثر أعمق التأثر بما رآه في نظام فرنسا من نتائج ثورتها الكبرى. وله في كتابه «تخليص الإبريز» ملاحظات موزعة على تقديره التفكير الفرنسي المبني على أحكام العقل، وهو التفكير الذي أزهر زهره وأثمر ثمره في القرن الثامن عشر في أعلام المفكرين قبل الثورة. وإلى القارئ شيئا من ملاحظاته:
إن الباريزيين يختصون من بين كثير من النصارى بذكاء العقل ودقة الفهم وغوص ذهنهم في العويصات. وليسوا أسراء التقليد أصلا، بل يحبون دائما معرفة أصل الشيء، والاستدلال عليه، حتى إن عامتهم يعرفون أيضا القراءة والكتابة ويدخلون مع غيرهم في الأمور العميقة، كل إنسان على قدر حاله؛ فليست العوام في هذه البلاد من قبيل الأنعام كعوام أكثر البلاد المتبربرة. والفرنساوية من الفرق التي تعتبر التحسين والتقبيح العقليين. وأقول هنا: إنهم يذكرون خوارق العادات ويعتقدون أنه لا يمكن تخلف الأمور الطبيعية أصلا. إن الأديان إنما جاءت لتدل الإنسان على فعل الخير واجتناب ضده، وإن عمارة البلاد وتطرق الناس وتقدمهم في الآداب والظرافة تسد مسد الأديان، وإن الممالك العامرة تصنع فيها الأمور السياسية كالأمور الشرعية.
14
غير أن الطهطاوي إذ يبلغ به الحديث إلى مسألة القضاء والقدر، يخالف التفكير الفرنسي المبني على أحكام العقل؛ فهو يترك للقضاء والقدر مجاله «وإن كان لا ينبغي للإنسان أن يحيل الأشياء على المقادير إذ يحتج بها قبل الوقوع.»
وللطهطاوي فصل خاص في الكتب التي طالعها في باريس، وأكثرها يرقى إلى القرن الثامن عشر، وتأخذ بأسباب التفكير المبني على أحكام العقل. وفيما يلي نص كلام الطهطاوي عن مطالعاته:
قرأت كثيرا من كتب الأدب؛ فمنها ... عدة مواضيع من ديوان ولتير ... وديوان روسو، خصوصا مراسلاته الفارسية التي يعرف بها الفرق بين آداب الإفرنج والعجم، وهي أشبه بميزان بين الآداب المغربية والمشرقية
15 ... وقرأت في الحقوق الطبيعية، مع معلمها، كتاب برلماكي وترجمته وفهمته فهما جيدا. وهذا الفن عبارة عن التحسين والتقبيح العقليين يجعله الإفرنج أساسا لأحكامهم السياسية المسماة عندهم شرعية. وقرأت أيضا مع مسيو شواليه جزأين من كتاب يسمى روح الشرائع، مؤلفه شهير بين الفرنساوية يقال له مونتسكيو، وهو أشبه بميزان بين المذاهب الشرعية والسياسية ومبني على التحسين والتقبيح العقليين. ويلقب عندهم مونتسكيو ب «ابن خلدون الإفرنجي». كما أن ابن خلدون يقال له عندهم أيضا مونتسكيو الشرق؛ أي مونتسكيو الإسلام. وقرأت أيضا في هذا المعنى كتابا يسمى عقد التأنس والاجتماع الإنساني، مؤلفه يقال له روسو، وهو عظيم في معناه ... وقرأت عدة محال نفيسة في معجم الفلسفة للخواجة ولتير وعدة محال في كتب فلسفة قندلياق
Condillac .
ومن الأمور التي يبدي الطهطاوي إعجابه بها ثقافة المرأة الفرنسية؛ فيقول: «إن للنساء تآليف عظيمة، ومنهن مترجمات للكتب من لغة إلى أخرى، مع حسن العبارات وجودتها. ومنهن من يتمثل بإنشائها ومراسلاتها المستغربة. ومن هنا يظهر لك أن قول بعض أرباب الأمثال: جمال المرء عقله وجمال المرأة لسانها، لا يليق بتلك البلاد.»
Shafi da ba'a sani ba