Tunanin Larabawa Na Zamani
الفكر العربي الحديث: أثر الثورة الفرنسية في توجيهه السياسي والاجتماعي
Nau'ikan
ويقول الأمير حيدر الشهابي إن أعيان مصر استغربوا هذا «الخطاب المهول والأمر المجهول»؛ فقد كان جديدا على الأسماع والأفهام.
ولم تستقر قدم نابليون في وادي النيل حتى هيأ ديوانا استشاريا من كبار العلماء والتجار، فكان في عمله بذرة، وإن تكن طفيفة، من تمرين الأمة على الإدارة الذاتية.
هز الفتح النابليوني جو الجمود الذي كان مخيما على مصر، فنهضت أيام محمد علي الكبير نهضة سياسية، عسكرية، صناعية، ثقافية. وأخذت من عهد نابليون تتجه الميول الثقافية المصرية إلى الارتشاف من ينابيع فرنسية، حتى كان زمن محمد علي، فقوي الترابط الثقافي بين البلدين، وعززه التفاهم السياسي. وأنفذ محمد علي باشا البعوث العلمية، فكانت من أسباب الاطلاع على فرنسا الثائرة والمبادئ التحريرية التي حركت شعبها إلى انتفاضات جبارة، ثم كانت في مصر تلك القافلة من الأدباء والمفكرين من رفاعة رافع الطهطاوي إلى طه حسين اليوم.
ومن حسن الحظ أن أحد أعضاء هذه البعوث، وهو الطهطاوي، قد ترك لنا كتابا نفيسا عن رحلته إلى باريس وما تلقاه فيها من ثقافة، وما شاهده وتأثر به في فرنسا، ولا سيما عاصمتها العظيمة. واسم الكتاب هو: تخليص الإبريز في تلخيص باريز، أو الديوان النفيس بإيوان باريس. ولا نغالي إذا قلنا إن الطهطاوي مؤلف الكتاب عقل من أعمق العقول الشرقية العربية التي ماست الغرب كما يتجلى في فرنسا، وفهمته فهما واعيا لفضائله وحسناته من وجوه عديدة. وصادف عهد الطهطاوي في باريس عهد الملك شارل العاشر ووزيره بولينياك. وكانت ملكية شارل العاشر - نظريا - ملكية دستورية مقيدة بالصك «الشارت»
La Charte
التي تولى العرش على أساسها لويس الثامن عشر. لكن شارل العاشر كان نزاعا إلى الملكية المطلقة، ومن أقواله: «إنه يؤثر أن ينشر الخشب على أن يكون ملكا من الطراز الإنكليزي (أي دستوريا).» وكان وزيره بولينياك يستهدف إلغاء كل أثر من آثار الثورة الفرنسية الكبرى، ويقول: «غرضنا أن نعيد تنظيم المجتمع؛ أن نرجع إلى الكليروس نفوذه في الدولة، ونخلق أرستقراطية قوية نسيجها بالامتيازات.» ولم يتورع شارل العاشر عن فض المجلس النيابي، فأعاد الشعب انتخاب أكثر أعضائه ، ولا سيما الأعضاء الذين عرفوا بمقاومة الملك، فأصدر شارل قوانينه المشهورة
Les Ordonnances
بإلغاء حرية الصحافة، وفض المجلس مرة ثانية. فاندلعت الثورة في باريس سنة 1830 وطالت ثلاثة أيام من شهر تموز (26 إلى 29 منه) وهي الأيام المعروفة ب «الثلاثة المجيدة»، فسقط شارل العاشر، وأقيم مكانه الملك لويس فيليب على أساس صك جديد.
وقد شهد الطهطاوي ثورة الأيام الثلاثة المجيدة، وهي تعتبر صفحة تالية للثورة الكبرى، ووصفها وصفا طريفا دقيقا أثبتناه في النصوص في هذا الكتاب. وعني عناية خاصة بالدستور الفرنسي وسماه تسميته الفرنسية فدعاه الشرطة
La Charte ، ونقله إلى العربية قبل التعديل زمن شارل العاشر وبعد التعديل زمن لويس فيليب.
Shafi da ba'a sani ba