على رصيف ميناء سميرنا
الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع
الفصل الخامس
الفصل السادس
الفصل السابع
الفصل الثامن
الفصل التاسع
Shafi da ba'a sani ba
الفصل العاشر
الفصل الحادي عشر
الفصل الثاني عشر
الفصل الثالث عشر
الفصل الرابع عشر
الفصل الخامس عشر
المبعوث
على رصيف ميناء سميرنا
الفصل الأول
الفصل الثاني
Shafi da ba'a sani ba
الفصل الثالث
الفصل الرابع
الفصل الخامس
الفصل السادس
الفصل السابع
الفصل الثامن
الفصل التاسع
الفصل العاشر
الفصل الحادي عشر
الفصل الثاني عشر
Shafi da ba'a sani ba
الفصل الثالث عشر
الفصل الرابع عشر
الفصل الخامس عشر
المبعوث
في زمننا
في زمننا
تأليف
إرنست همينجواي
ترجمة
الزهراء سامي
Shafi da ba'a sani ba
مراجعة
مصطفى محمد فؤاد
على رصيف ميناء سميرنا
قال: إن الغريب في الأمر صراخهم كل ليلة في منتصف الليل. لست أدري السبب في صراخهم في ذلك الوقت. كنا في الميناء وكانوا جميعا على الرصيف، وعند منتصف الليل بدءوا في الصراخ. اعتدنا على توجيه ضوء الكشاف عليهم لكي نهدئ من روعهم. كان ذلك يفي بالغرض دوما. كنا نوجه الضوء باتجاههم صعودا وهبوطا مرتين أو ثلاث مرات وكانوا يتوقفون عن الصراخ. في إحدى المرات، كنت أنا الضابط المسئول على رصيف الميناء وجاءني ضابط تركي وقد بلغ به الغضب مبلغه؛ لأن أحد الملاحين قد أهانه إهانة كبيرة. قلت له بأن الرجل سيرسل على سفينة وسيعاقب عقابا شديدا. طلبت منه أن يشير إلى الرجل؛ فأشار إلى ضابط صغير مسئول عن صيانة السفينة وأسلحتها، وهو شاب مسالم للغاية. قال وهو يتحدث إلي من خلال مترجم: إن الشاب قد أساء إليه بشدة ولمرات عديدة. لم أستطع أن أتخيل كيف تمكن هذا الضابط الصغير من معرفة اللغة التركية بالقدر الذي يكفي لإهانة شخص ما. استدعيته وقلت له: «هل تحدثت إلى أي من الضباط الأتراك؟» «لم أتحدث إلى أي منهم، يا سيدي.»
قلت: «أنا متأكد من هذا، لكن الأفضل أن تظل على متن السفينة ولا تعود إلى الشاطئ ثانية بقية اليوم.»
بعد ذلك أخبرت الضابط التركي أن الرجل قد أرسل على متن السفينة وسوف يحاسب حسابا عسيرا. كلا ، بل أخبرته أنه سيحاسب بصرامة شديدة. سعد بشدة لذلك. لقد كنا صديقين رائعين.
قال إن الأمر الأسوأ على الإطلاق هو النساء وأطفالهن الموتى. لم تكن لتستطيع أن تحمل النساء على التخلي عن أطفالهن الموتى. كان من الممكن أن يبقين على الأطفال الموتى لستة أيام؛ فهن لن يتخلين عنهم. ولم يكن هناك ما يمكن أن تفعله حيال ذلك. كان عليك أن تأخذهم منهن في النهاية. ثم كانت هناك تلك المرأة العجوز، التي كانت حالة استثنائية للغاية. لقد أخبرت طبيبا بأمرها وقال إنني أكذب. كنا نخليهن عن رصيف الميناء، وكان علينا أن نتخلص من الموتى، وكانت تلك المرأة العجوز ترقد على ما يشبه النقالة. قالوا: «هلا ألقيت نظرة عليها يا سيدي؟» ألقيت نظرة عليها وعندها فقط ماتت وتصلبت تماما؛ توقفت ساقاها وتوقف جسمها بداية من الخصر، وأصبحت متصلبة تماما. بدا الأمر كما لو أنها قد ماتت أثناء الليل؛ لقد كانت ميتة ومتصلبة تماما. لقد أخبرت طبيبا بهذا وقال إن ذلك أمر مستحيل.
كانوا جميعا هناك على رصيف الميناء، ولم يكن هناك من شيء كزلزال أو أي شيء من هذا القبيل؛ إذ إنهم لم يعرفوا قط بشأن الأتراك. لم يعرفوا ما كان سيفعله التركي العجوز. أتتذكر حين أمرونا بألا نأتي لإخلاء المزيد؟ أصابتني حالة من التوتر الشديد حين أتينا في ذلك الصباح. لقد كان لديه الكثير جدا من الأسلحة، وكان يمكن أن يفجرنا تماما في المياه. كنا سندخل ونقترب من رصيف الميناء، ونحل المراسي الأمامية والخلفية، ثم نقصف الجزء التركي من المدينة. كانوا سيفجروننا في المياه، لكننا كنا ببساطة سنفجر المدينة ونحولها إلى جحيم. كانوا قد أطلقوا علينا للتو بضع قذائف فارغة في أثناء دخولنا الميناء، ثم جاء كمال وطرد القائد التركي؛ لأنه قد تجاوز سلطاته أو شيئا من هذا القبيل. لقد أعطى لنفسه بعض الشيء حجما أكبر من حجمه الحقيقي. لولا ذلك لتحول الأمر إلى فوضى عارمة.
أنت تتذكر الميناء. كان هناك الكثير من الأشياء الجميلة تطفو حوله. كانت تلك هي المرة الوحيدة في حياتي التي أبلغ فيها هذه المرحلة حتى إنني حلمت ببعض الأمور. أنت لم تكن مهتما بشأن النسوة اللائي كن يلدن أطفالهن مثلما كنت منزعجا بشأن النسوة اللائي كن يحملن أطفالهن الموتى. وقد ولد الأطفال بخير. من المدهش أنه لم يمت سوى القليل منهم. إنك لم تفعل شيئا سوى أنك غطيتهن بشيء وتركتهن وشأنهن. كانت النسوة يخترن البقعة الأكثر عتمة في عنبر التخزين في السفينة كي يلدن. لم تمانع أي منهن في أي شيء فور خروجهن من رصيف الميناء.
كان اليونانيون لطفاء أيضا؛ حين قاموا بالإخلاء أخذوا جميع الحيوانات التي كانت تحمل أمتعتهم لكنهم عجزوا عن أخذها معهم، فكسروا ساقيها الأماميتين، ورموها في المياه الضحلة. كل تلك البغال قد دفعت إلى المياه الضحلة بعد أن كسروا ساقيها الأماميتين. لقد كان ذلك كله أمرا مبهجا. أجل لعمري كان أمرا مبهجا للغاية.
Shafi da ba'a sani ba
الفصل الأول
كان الجميع سكارى؛ السرية بأكملها كانت سكرى وهي تسير على الطريق في الظلام. كنا في طريقنا إلى إقليم شامبين. ظل الملازم يقود حصانه في الحقول ويقول له: «إنني ثمل يا صديقي، أؤكد لك. آه، إنني غارق في السكر.» ظللنا نسير على الطريق طوال الليل في الظلام، وظل الضابط المساعد يقود حصانه بجوار مطبخي وهو يقول: «لا بد أن تطفئ ناره. إن ذلك خطير للغاية. سوف يرى.» كنا على بعد خمسين كيلومترا من الجبهة، لكن الضابط المساعد كان قلقا بشأن نار مطبخي. لقد كان السير على هذا الطريق أمرا ممتعا. كان ذلك حين كنت عريف مطبخ.
المخيم الهندي
كان هناك زورق تجديف آخر يقف على شاطئ البحيرة، ووقف اثنان من الهنود ينتظران.
ركب نك ووالده في مؤخرة الزورق، ودفعه الهنديان ثم ركبه أحدهما كي يجدف. جلس العم جورج في مؤخرة زورق المخيم، ودفع الهندي الشاب الزورق، ثم ركب كي يجدف بالعم جورج.
بدأ الزورقان إبحارهما في الظلام. سمع نك صوت مسندي مجدافي الزورق الآخر يأتي من مكان بعيد يسبقهم في الضباب. كان الهنديان يجدفان بحركات سريعة متقطعة، وأراح نك ظهره للخلف تحوطه ذراع أبيه. كان الجو باردا في المياه. وبالرغم من أن الهندي الذي كان يجدف بهما كان يعمل بكد، فقد كان الزورق الآخر يتقدم زورقهما في الضباب على الدوام.
سأل نك: «إلى أين نذهب يا أبي؟» «إلى المخيم الهندي، ثمة سيدة هندية مريضة للغاية.»
فقال نك: «يا إلهي.»
على الجهة المقابلة من الخليج، وجدوا أن الزورق الآخر قد رسا على الشاطئ. كان العم جورج يدخن سيجارا في الظلام، وسحب الهندي الشاب الزورق إلى مكان بعيد على الشاطئ. وأعطى العم جورج كلا الهنديين سيجارا.
ساروا من الشاطئ عبر مرج ينضح بالندى، متبعين الهندي الشاب الذي كان يحمل قنديلا، ثم ساروا في الأحراج وتبعوا ممرا كان يؤدي إلى طريق احتطاب كان منتهاه التلال من جديد. كان طريق الاحتطاب أفضل إضاءة بكثير؛ إذ كانت الأشجار قد قطعت فيه على الجانبين. توقف الهندي الشاب وأطفأ قنديله، وساروا جميعا على الطريق.
Shafi da ba'a sani ba
مروا بمنعطف وخرج كلب ينبح. في الأمام، ظهرت أضواء الأكواخ التي كان يعيش فيها الهنود الذين يعملون في تقشير اللحاء. اندفع نحوهم المزيد من الكلاب، وأعادها الهنديان إلى الأكواخ. وفي الكوخ الأقرب إلى الطريق، بدا ضوء في النافذة. وعلى المدخل، وقفت سيدة عجوز تحمل مصباحا.
في الداخل، على سرير خشبي يتكون من طابقين، كانت ترقد سيدة هندية شابة، كانت تحاول أن تلد طفلها منذ يومين، وكانت جميع النسوة العجائز في المخيم يحاولن مساعدتها. أما الرجال فقد خرجوا إلى الطريق كي يجلسوا في الظلام ويدخنوا بعيدا عما كانت تصدره من ضوضاء. صرخت فور أن دخل نك ووالده والهنديان اللذان كانا يقودانهما والعم جورج إلى الكوخ. كانت ترقد بضخامتها في الطابق السفلي من السرير تحت لحاف، بينما يتجه رأسها إلى أحد الجانبين. في الطابق العلوي من السرير، كان يجلس زوجها. كان قد جرح قدمه جرحا خطيرا بالفأس قبل ثلاثة أيام. وكان يدخن غليونا، وكانت رائحة الغرفة سيئة للغاية.
أمر والد نك بوضع بعض المياه على الموقد، وبينما كانت تسخن، راح يتحدث إلى نك قائلا: «هذه السيدة سوف تلد طفلا يا نك.»
أجاب نك: «أعرف.»
تابع والده الحديث قائلا: «إنك لا تعرف. استمع إلي! إن ما تمر به الآن يسمى المخاض. إن الطفل يرغب في أن يولد، وهي ترغب في ولادته. جميع عضلات جسمها تحاول أن تنجز عملية ولادة الطفل. هذا ما يحدث عندما تصرخ.»
قال نك: «فهمت.»
وحينها على الفور، صرخت المرأة.
سأل نك والده: «أوه، يا أبي، ألا تستطيع أن تعطيها شيئا يجعلها تكف عن الصراخ؟»
أجاب أبوه: «لا، ليس لدي أي مخدر، لكن صرخاتها لا تهم. إنني لا أسمعها لأنها لا تهم.»
تقلب الزوج الذي كان يرقد في الطابق العلوي من السرير، ليواجه الحائط.
Shafi da ba'a sani ba
المرأة الموجودة في المطبخ أشارت بحركة إلى الطبيب تفيد بأن المياه قد أصبحت ساخنة. دخل والد نك إلى المطبخ وصب ما يقرب من نصف المياه من القدر الكبيرة في أحد الأحواض، ووضع في المياه التي تبقت في القدر عدة أشياء كان قد أخرجها من منديل.
تحدث قائلا: «هذه يجب أن تغلي.» ثم بدأ في دعك يديه في حوض المياه الساخنة بقالب من الصابون كان قد أحضره من المخيم. شاهد نك والده وهو يدعك بالصابون يديه إحداهما بالأخرى. وبينما كان والده يغسل يديه جيدا وكليا، راح يتحدث. «أنت تعلم يا نك أن الأطفال يولدون برءوسهم أولا، لكن ذلك لا يحدث في بعض الأحيان. وحين لا يحدث هذا، تكون مشكلة للجميع. قد أضطر إلى إجراء عملية جراحية لهذه السيدة. سوف نعرف بعد قليل.»
وحين أصبح راضيا عن نظافة يديه، سار للداخل وتوجه إلى العمل.
قال: «هلا رفعت هذا اللحاف يا جورج؟ يجب ألا ألمسه.»
حين بدأ في إجراء العملية الجراحية بعد ذلك، أمسك العم جورج وثلاثة هنود آخرون بالمرأة كي تبقى ساكنة. عضت المرأة ذراع العم جورج؛ فقال: «تبا أيتها المرأة الخبيثة!» وراح الهندي الشاب الذي جدف بزورق العم جورج يضحك منه. أمسك نك بالحوض لأبيه. استغرق الأمر بأكمله وقتا طويلا. أخرج أبوه الطفل وصفعه على ظهره كي يتنفس ثم ناوله المرأة العجوز.
تحدث إلى نك قائلا: «انظر يا نك! إنه غلام. ما رأيك في مهمة الطبيب المتدرب التي تؤديها؟»
أجاب نك: «لا بأس بها.» كان ينظر بعيدا كي لا يرى ما كان يفعله أبوه.
تحدث والد نك بينما كان يضع شيئا في الحوض وقال: «حسنا! هذا يكفي.» لم ينظر نك إلى ما وضعه.
وتابع أبوه قائلا: «سوف أخيط الآن بعض الغرز. يمكنك أن تشاهد ذلك يا نك أو لا، افعل ما تريد. سوف أخيط الجرح الذي فتحته.»
لم يرغب نك في مشاهدة ما كان يفعله والده؛ كان فضوله قد تلاشى منذ فترة طويلة.
Shafi da ba'a sani ba
انتهى أبوه ونهض واقفا. وقف العم جورج والهنود الثلاثة، وذهب نك بالحوض ووضعه في المطبخ.
نظر العم جورج إلى ذراعه، وابتسم الهندي الشاب وهو يتذكر الأمر.
تحدث إليه الطبيب قائلا: «سوف أضع على هذا بعض البروكسيد يا جورج.» وانحنى ناظرا إلى السيدة الهندية. كانت قد أصبحت الآن هادئة، وأغمضت عينيها. بدت شاحبة للغاية، ولم تكن تعرف ما حل بالطفل أو أي شيء آخر.
تحدث الطبيب وهو ينهض: «سأعود في الصباح، وسوف تحضر الممرضة من سانت إيجناس بحلول الظهيرة، وستجلب كل ما نحتاج إليه.»
كان يشعر بالانتشاء والرغبة في الحديث مثلما يغدو لاعبو كرة القدم في غرفة تغيير الملابس بعد المباريات.
قال: «إن ذلك جدير بالنشر في الدورية الطبية يا جورج. إجراء عملية توليد قيصرية باستخدام سكين الجيب وخياطة الجرح بتسع أقدام من خيوط الصيد المستدقة.»
كان العم جورج يقف مستندا إلى الجدار وهو ينظر إلى ذراعه.
ثم قال: «أوه، إنك رجل عظيم بالطبع.»
قال الطبيب: «يجب أن ألقي نظرة على الأب الفخور. إن هؤلاء الآباء عادة أكثر من يعانون في مثل هذه الشئون الصغيرة، لكنني يجب أن أعترف أنه تحمل الأمر بهدوء.»
أزاح الغطاء عن رأس الهندي، وخرجت يده مبتلة. صعد على حافة السرير السفلي بمصباح في يده ونظر. كان الهندي مستلقيا ووجهه في اتجاه الجدار، وكان حلقه مقطوعا من الأذن إلى الأذن. تدفق الدم إلى أن أصبح بركة تحت وطأة جسده المتثاقل في السرير. استند رأسه على ذراعه اليسرى، وقبعت الموسى المفتوحة وحافتها متجهة إلى الأعلى بين الأغطية.
Shafi da ba'a sani ba
قال الطبيب: «اصطحب نك إلى خارج الكوخ، يا جورج.»
لم يكن ثمة حاجة إلى ذلك؛ إذ كان نك الواقف على باب المطبخ يرى السرير العلوي بوضوح حين أمال أبوه رأس الهندي إلى الخلف والمصباح في يده.
كان الفجر قد بدأ يطلع للتو حين ساروا على طريق الاحتطاب باتجاه العودة إلى البحيرة.
تحدث والد نك إليه وقد زالت عنه النشوة التي كان يشعر بها بعد العملية الجراحية؛ فقال: «إنني في غاية الأسف لأنني أحضرتك يا نيكي. لقد كانت تجربة مريعة تلك التي مررت بها.»
سأل نك: «هل تعاني النساء دوما بهذا القدر في ولادة أطفالهن؟» «كلا، لقد كان ذلك استثنائيا للغاية.» «لماذا قتل نفسه يا أبي؟» «لا أدري يا نك. أعتقد أنه لم يستطع أن يتحمل الأمور.» «هل يقتل الكثير من الرجال أنفسهم يا أبي؟» «ليس الكثير من الرجال يا نك.» «هل يفعلها الكثير من النساء؟» «نادرا.» «ألا يفعلنها أبدا؟» «أوه، بلى، يفعلنها في بعض الأحيان.» «أبي؟» «أجل.» «أين ذهب العم جورج؟» «سيعود قريبا.» «هل الموت صعب يا أبي؟» «كلا، أعتقد أنه سهل للغاية يا نك. إن الأمر كله يتوقف على الظروف.»
كانا يجلسان في الزورق، نك في المؤخرة، ووالده يجدف. كانت الشمس تشرق فوق التلال. قفزت سمكة قاروص فصنعت دائرة في المياه. مرر نك يده في المياه فوجدها دافئة رغم برودة الصباح الشديدة.
في الصباح الباكر وهو جالس في مؤخرة الزورق مع والده الذي يجدف به في البحيرة، كان متأكدا من أنه لن يموت أبدا.
الفصل الثاني
كانت المآذن تبرز شامخة في المطر عبر البيوت الطينية بمدينة آدريانوبل. واصطفت العربات على مسافة ثلاثين ميلا على طريق كاراجاتش. كانت الماشية وجاموس المياه تجر العربات في الطين. ما من بداية ولا نهاية لصف العربات؛ فقط عربات محملة بكل ما كانوا يملكونه. كان العجائز رجالا ونساء يسيرون وهم مبتلون تماما كي يحثوا الماشية على الاستمرار في الحركة. كان يتدفق نهر ماريتسا أصفر اللون وكاد يبلغ الجسر. اكتظ الجسر عن آخره بالعربات التي راحت الجمال تشق طريقها فيما بينها. سار الخيالة اليونانيون بين الركب يحافظون على نظامه وسيره. جثمت النساء والأطفال في العربات مع المفارش والمرايا وآلات الخياطة والحزم. كانت هناك امرأة تلد طفلا وفتاة صغيرة تمسك بغطاء تضعه عليها وتبكي. كان النظر إلى هذا المشهد مخيفا للغاية. وقد ظل المطر يهطل طوال عملية الإجلاء.
الطبيب وزوجته
Shafi da ba'a sani ba
أتى دك بولتون من المخيم الهندي كي يقطع بعض جذوع الأشجار لوالد نك، وأحضر معه ابنه إدي وهنديا آخر يدعى بيلي تابشو. جاءوا من الأحراج عبر البوابة الخلفية. كان إدي يحمل منشار قطع عمودي طويلا يتأرجح على كتفه ويصدر صوتا موسيقيا في أثناء سيره. أما بيلي تابشو، فكان يحمل خطافي إمالة كبيرين. وحمل دك ثلاث فئوس تحت ذراعه.
استدار دك وأغلق البوابة، بينما سبقه الاثنان الآخران وتوجها إلى شاطئ البحيرة حيث كانت جذوع الأشجار مدفونة في الرمال.
كانت الجذوع قد شردت عن حواجز الأخشاب الكبيرة التي كانت الباخرة «ماجيك» قد ربطتها من البحيرة إلى المنشرة. كانت قد انجرفت إلى الشاطئ، وإذا لم يفعل شيء بشأنها، كان طاقم الباخرة «ماجيك» سيأتي عاجلا أو آجلا في زورق تجديف إلى الشاطئ، ويعثر عليها، ويدق فيها مسمارا حديديا ذا حلقة في طرف كل منها، ويثبتها في البحيرة لبناء حاجز جديد. غير أن قطاع أخشاب الأشجار قد لا يأتون على الإطلاق لقطع هذه الجذوع؛ إذ إن عددا صغيرا من الجذوع لم يكن يستحق ثمن جمع الطاقم لها. وإذا لم يأت أحد لأخذها، فسوف تترك لتتشرب المياه عن آخرها وتتعفن على الشاطئ.
افترض دوما والد نك أن هذا هو ما سيحدث، وطلب من الهنود أن يأتوا من المخيم ويقطعوا الجذوع باستخدام منشار القطع العمودي ثم يقسموها بخابور ليصنعوا منها شرائط وقطعا خشبية للمدفأة المفتوحة. دار دك بولتون بالمكان ومر بالكوخ وصولا إلى البحيرة. كانت هناك أربعة جذوع كبيرة من أشجار الزان تقبع مدفونة بأكملها تقريبا في الرمال. علق إدي المنشار من أحد مقبضيه في جزء متشعب من إحدى الأشجار. ووضع دك الفئوس الثلاث على الرصيف الصغير. كان دك هجينا، وكان العديد من المزارعين الذين يقطنون حول البحيرة يعتقدون أنه رجل أبيض في حقيقة الأمر. كان كسولا للغاية، لكنه كان يؤدي العمل ببراعة حين يبدأ فيه. أخرج قالبا من التبغ من جيبه وقضم منه قطعة راح يمضغها، وتحدث إلى إدي وبيلي تابشو بلغة أوجيبواي.
غرزوا طرفي خطافي الإمالة في أحد الجذوع وراحوا يحركونه لكي يتخلخل في الرمال. وألقوا بثقلهم على ذراعي الخطافين. تحرك الجذع في الرمال، واستدار دك إلى والد نك، وقال: «حسنا يا دوك، إنها كمية جيدة من الخشب تلك التي سرقت.»
قال الطبيب: «لا تتكلم بهذه الطريقة يا دك. إنه خشب منجرف.»
كان إدي وبيلي تابشو قد أخرجا الجذع من الرمال المبتلة ودحرجاه باتجاه الماء.
صاح دك بولتون قائلا: «ضعاه بأكمله في المياه.»
سأل الطبيب: «لم تفعل هذا؟»
أجاب دك: «من أجل غسله وتنظيفه من الرمال التي علقت به حتى ننشره. أريد أن أعرف صاحبه.»
Shafi da ba'a sani ba
كان الجذع تغمره مياه البحيرة في تلك اللحظة. انحنى إدي وبيلي تابشو على خطافيهما وهما يتصببان عرقا في الشمس. وهبط دك على ركبتيه في الرمال ونظر إلى علامة مطرقة قشر الخشب الموجودة في نهاية الجذع.
قال: «إنه يعود إلى وايت وماكنالي.» ثم نهض وأخذ ينظف ركبتي سرواله.
كان الطبيب منزعجا بشدة.
وتحدث بعد برهة قائلا: «من الأفضل إذن ألا تقطعه يا دك.»
قال دك: «لا تنزعج يا دوك، لا تنزعج. إنني لا آبه ممن تسرق. إن هذا ليس من شأني.»
قال الطبيب بوجه تعتليه الحمرة: «إذا كنت تظن أن الجذوع مسروقة، فاتركها وخذ أدواتك وعد إلى المخيم.»
قال دك: «لا تتسرع يا دوك.» بصق عصير التبغ على الجذع، الذي خف قوامه بعد أن انزلق في الماء. ثم تابع: «إنك تعلم أنها مسروقة مثلما أعلم ذلك تماما، لكن ذلك لا يشكل أي فارق لدي .» «حسنا، إذا كنت تظن أن الجذوع مسروقة، فخذ أدواتك واذهب من هنا.» «الآن، يا دوك ...» «خذ أدواتك واذهب.» «استمع إلي يا دوك.» «إذا دعوتني بدوك ثانية، فسوف أجعلك تبتلع أسنانك بضربة واحدة.» «أوه، كلا، إنك لن تفعل هذا بالطبع، يا دوك.»
راح دك بولتون ينظر إلى الطبيب. كان دك رجلا ضخما، وكان يدرك مدى ضخامته. كان يحب الشجار؛ لذا فقد كان سعيدا بذلك. انحنى إدي وبيلي تابشو على خطافيهما ونظرا إلى الطبيب. قضم الطبيب شعر لحيته الموجود على شفته السفلى ونظر إلى دك بولتون، ثم استدار بعيدا وصعد التل متجها إلى الكوخ. كانوا يستطيعون أن يروا من ظهره كم كان غاضبا. شاهدوه جميعا وهو يصعد التل ويدخل الكوخ.
قال دك شيئا بلغة أوجيبواي. ضحك إدي، لكن بيلي تابشو بدا جادا للغاية. لم يكن يفهم الإنجليزية لكنه ظل قلقا طوال الفترة التي دام فيها الشجار. كان سمينا وليس له من شارب سوى شعرات قليلة كرجل صيني. التقط خطافي الإمالة، وحمل دك الفئوس، وأخذ إدي المنشار من الشجرة. انطلقوا وصعدوا إلى الأعلى حيث الكوخ ثم خرجوا من البوابة الخلفية إلى الأحراج. ترك دك البوابة مفتوحة، لكن بيلي تابشو عاد وأغلقها. وتواروا في الأحراج.
في الكوخ، كان الطبيب جالسا على السرير في غرفته ورأى كومة من الدوريات الطبية على الأرض بجوار المكتب. كانت ما تزال مغلقة في أغلفتها. أزعجه الأمر.
Shafi da ba'a sani ba
سألت زوجة الطبيب من الغرفة التي كانت تستلقي فيها والتي كانت ستائرها منسدلة: «ألن تعود إلى العمل يا عزيزي؟» «نعم!» «أكان هناك من خطب؟» «لقد تشاجرت مع دك بولتون.»
قالت الزوجة: «أوه، أرجو أنك لم تفقد أعصابك يا هنري.»
قال الطبيب: «كلا.»
قالت الزوجة: «تذكر أن «مالك روحه خير ممن يأخذ مدينة».» كانت من أتباع كنيسة العلم المسيحي. وكانت تقبع على منضدتها الموجودة بجوار السرير في الغرفة المعتمة نسخة من الإنجيل، ونسختها من كتاب «العلم والصحة» ونسختها من مجلة «كوارترلي».
لم يرد عليها زوجها. صار الآن جالسا على السرير ينظف بندقية. دفع مخزن البندقية الممتلئ بالقذائف الثقيلة الصفراء وأخرجها بسرعة مرة أخرى؛ فتناثرت على السرير.
نادت زوجته قائلة: «هنري.» توقفت لحظة ثم قالت ثانية: «هنري!»
قال الطبيب: «نعم.» «لم تتحدث إلى بولتون بشيء يغضبه، أليس كذلك؟»
قال الطبيب: «نعم.» «ما المشكلة التي تشاجرتما بشأنها يا عزيزي؟» «أمر بسيط.» «أخبرني يا هنري. أرجوك لا تحاول أن تخفي أي شيء عني. ما المشكلة التي تشاجرتما بشأنها؟» «حسنا، دك يدين لي بمبلغ كبير من المال لعلاج زوجته من الالتهاب الرئوي وأعتقد أنه قد أراد الشجار كي يتخذ ذلك ذريعة لئلا يرد لي هذا المبلغ بالعمل.»
صمتت زوجته. وراح هو يمسح بندقيته بحرص بقطعة من القماش. ودفع القذائف في مكانها قبالة نابض المخزن. جلس والبندقية على ركبتيه. كان شغوفا بها للغاية. سمع بعد ذلك صوت زوجته من الغرفة المعتمة. «عزيزي، أنا لا أعتقد، لا أعتقد حقا أن أحدا قد يفعل شيئا كهذا.»
قال الطبيب: «حقا؟» «كلا، أنا لا أصدق أن أي شخص قد يفعل شيئا مثل ذلك عمدا.»
Shafi da ba'a sani ba
وقف الطبيب ووضع البندقية في الركن خلف منضدة الزينة.
قالت زوجته: «هل ستخرج يا عزيزي؟»
أجاب الطبيب: «أعتقد أنني سأخرج للتمشية.»
قالت زوجته: «عزيزي، إذا رأيت نك، فهلا أخبرته أن أمه تريد رؤيته؟»
خرج الطبيب إلى الرواق، وصفع الباب الشبكي خلفه. سمع زوجته تلتقط أنفاسها حين صفع الباب.
قال وهو يقف خارج نافذتها والستائر منسدلة: «آسف.»
ردت: «لا بأس يا عزيزي.»
سار في الجو الحار خارج البوابة، وتابع في الطريق المؤدي إلى أحراج الشوكران. كان الجو منعشا في الأحراج حتى في مثل ذلك اليوم الحار. وجد نك جالسا مستندا بظهره على شجرة يقرأ.
تحدث الطبيب إليه قائلا: «إن أمك ترغب في أن تذهب لرؤيتها.»
قال نك: «أريد أن أذهب معك.»
Shafi da ba'a sani ba
نظر إليه أبوه.
وقال: «حسنا، لنذهب إذن. أعطني الكتاب لأضعه في جيبي.»
قال نك: «إنني أعرف مكان السناجب السوداء يا أبي.»
قال والده: «حسنا، لنذهب إلى هناك.»
الفصل الثالث
كنا في حديقة في مدينة مونس. أتى باكلي الشاب مع دوريته من الجهة المقابلة للنهر. كان أول ألماني أشاهده يتسلق جدار الحديقة. انتظرنا إلى أن وضع ساقا على الجدار ثم أطلقنا عليه النار. كان يحمل الكثير من المعدات وقد بدا مندهشا للغاية وسقط في الحديقة. ثم أتى ثلاثة آخرون وتسلقوا الجدار على مسافة أبعد. أطلقنا عليهم النار. لقد جاءوا جميعا بهذه الطريقة تماما.
نهاية شيء
في الأيام الخوالي كانت هورتونز باي مدينة مشهورة بنشر الأخشاب. لم يكن أحد من سكانها بمنأى عن صوت المناشير الضخمة الموجودة في المنشرة التي تقع بجوار البحيرة. وفي سنة من السنوات، لم يتبق المزيد من الأخشاب التي يمكن نشرها. كانت المراكب الشراعية تصل إلى الخليج وتحمل بجميع الأخشاب المقطعة المكدسة في ساحة المنشرة. حملت جميع أكوام الأخشاب بعيدا، وأخلي مبنى المنشرة الكبير من جميع المعدات التي يمكن نقلها، وحملها الرجال الذين كانوا يعملون في المنشرة على متن أحد المراكب الشراعية. تحرك المركب الشراعي من الخليج باتجاه البحيرة المفتوحة حاملا المنشارين الكبيرين، والعربة المتحركة التي كانت تدفع بجذوع الأشجار إلى المناشير الدائرية الدوارة، وكذلك جميع البكرات والعجلات والسيور والحديد التي تكومت على حمولة الأخشاب التي كان ارتفاعها يعدل ارتفاع هيكل المركب. وبعد تغطية عنبر المركب المفتوح بقماش القنب وتثبيته جيدا، وبعد أن انتفخت أشرعة المركب بفعل الرياح، تحرك المركب إلى البحيرة المفتوحة وهو يحمل على متنه كل ما جعل من المنشرة منشرة، ومن هورتونز باي مدينة.
إن مساكن العمال البسيطة ذات الطابق الواحد، والمطعم، ومخزن الشركة، ومكاتب المنشرة، والمنشرة الكبيرة نفسها قد وقفت مهجورة وسط مساحات من نشارة الخشب التي كانت تغطي المرج المستنقعي المجاور لشاطئ الخليج.
حين جدف نك ومارجوري بقاربهما بطول الشاطئ بعد عشر سنوات، وجدا أنه لم يتبق من المنشرة سوى الحجارة الجيرية البيضاء المتكسرة لأساساتها، التي كانت تبدو من بين الأشجار المستنقعية التي عادت لتنمو هناك من جديد. كانا يصطادان على حافة ضفة القناة حيث ينخفض القاع فجأة من مياه رملية ضحلة إلى مياه مظلمة بعمق اثنتي عشرة قدما. كانا يصطادان بالطعم وهما في طريقهما إلى اللسان لنصب صنارتين لاصطياد أسماك السلمون المرقطة القزحية ليلا.
Shafi da ba'a sani ba
قالت مارجوري: «ها هي أطلالنا القديمة يا نك.»
رمى نك ببصره إلى الحجارة البيضاء التي تبدو بين الأشجار الخضراء بينما كان يجدف.
ثم قال: «ها هي أطلالنا.»
سألته مارجوري: «أتتذكر حين كانت منشرة؟»
أجاب نك: «لا أتذكر إلا قليلا.»
قالت مارجوري: «تبدو أشبه بقلعة.»
لم يقل نك شيئا. استمرا في التجديف مبتعدين عن المنشرة، وراحا يتبعان الساحل، ثم عبر نك الخليج.
تحدث قائلا: «إنها لا تصيب الطعم.»
قالت مارجوري: «نعم.» كانت تركز بكل كيانها على الصنارة طوال سيرهما، وحتى حين كانت تتحدث. لقد كانت تحب صيد الأسماك. كانت تحب صيد الأسماك مع نك.
في مكان قريب بجوار القارب، ظهرت سمكة سلمون مرقطة كبيرة على سطح المياه. ركز نك تجديفه على أحد المجدافين كي يستدير القارب ويتجه الطعم الذي كان يدور بعيدا بالخلف إلى حيث كانت سمكة السلمون تأكل. وحين بدا ظهر سمكة السلمون في المياه، راحت أسماك المنوة تتقافز بجنون. تناثرت على السطح كأنها حفنة من المقذوفات الصغيرة قد ألقي بها في المياه. ظهرت سمكة سلمون مرقطة أخرى على سطح المياه وراحت تأكل على الجانب الآخر من القارب.
Shafi da ba'a sani ba
قالت مارجوري: «إنهما تأكلان.»
قال نك: «أجل، لكنهما لن تصيبا الطعم.»
استدار نك بالقارب لكي يبتعد عن كلتا السمكتين الآكلتين، ثم وجهه إلى اللسان. ولم تسحب مارجوري الخيط إلى أن لامس القارب الشاطئ.
سحبا القارب إلى الشاطئ، ورفع نك دلوا من أسماك الفرخ الحية. كانت أسماك الفرخ تسبح في مياه الدلو. انتشل نك ثلاثا منها بيديه وقطع رءوسها وسلخها، بينما راحت مارجوري تطارد الأسماك بيدها في مياه الدلو حتى تمكنت أخيرا من الإمساك بواحدة وقطعت رأسها وسلختها. ألقى نك نظرة على سمكتها.
قال: «يجب ألا تنزعي الزعنفة البطنية. صحيح أن السمكة ستظل تصلح لأن تكون طعما إن نزعتها، لكنها ستشكل طعما أفضل والزعنفة بها.»
شبك كلا من سمكتي الفرخ المسلوختين من الذيل. كانت كل صنارة تحتوي على خطافين متصلين بوتر طعم. بعد ذلك، جدفت مارجوري بالقارب إلى ضفة القناة، وهي تمسك بالخيط بين أسنانها وتتجه بنظرها إلى نك الذي كان يقف على الشاطئ وهو يمسك بقصبة الصيد، بينما ترك الخيط ينفلت من البكرة.
نادى عليها قائلا: «هذا مناسب تماما.»
أجابت مارجوري نداءه متسائلة وهي تمسك الخيط في يدها: «هل علي أن أفلته؟» «بالتأكيد. أفلتيه.» تركت مارجوري الخيط يتدلى من فوق ظهر القارب وراحت تشاهد الطعم وهو ينزل في الماء.
دخلت مارجوري بالقارب، ورمت الخيط الثاني بالطريقة نفسها. وفي كل مرة كان نك يضع قطعة ثقيلة من الخشب المنجرف على مؤخرة القصبة لكي يثبتها، ويدعمها أيضا من الأسفل بقطعة خشب صغيرة لكي يبقيها على زاوية محددة. سحب الخيط المتراخي بالبكرة حتى تدلى الخيط مشدودا إلى حيث استقرت قطعة الطعم على قاع القناة الرملي، ثم وضع المزلاج على البكرة. حين تبتلع سمكة سلمون مرقطة الطعم وهي في القاع سوف تهرب به، مما سيؤدي إلى شد الخيط من البكرة بقوة؛ فتصدر البكرة صوتا بسبب وضع المزلاج عليها.
جدفت مارجوري باتجاه اللسان قليلا كي لا تحرك الخيط من مكانه. شدت المجدافين بقوة، وحطت بالقارب على الشاطئ، الذي أتت معه أمواج صغيرة. خرجت مارجوري من القارب، وسحبه نك فوق الشاطئ.
Shafi da ba'a sani ba
سألته مارجوري: «ما الخطب يا نك؟»
أجاب نك وهو يحضر الخشب لإشعال النار: «لا أعرف.»
أشعلا نارا بالخشب المنجرف، وذهبت مارجوري إلى القارب وأحضرت بطانية. حمل نسيم المساء الدخان باتجاه اللسان؛ ففرشت مارجوري البطانية بين النار والبحيرة.
جلست مارجوري على البطانية مولية ظهرها إلى النار وانتظرت نك. أتى وجلس بجوارها على البطانية. كانت الأشجار الجديدة التي نمت على اللسان بعد أن قطعت أسلافها تنتصب من خلفهما، وأمامهما يصب جدول هورتونز في الخليج. لم يكن الظلام قد انسدل بالكامل بعد، وامتد ضوء النار بعيدا إلى المياه. كان كلاهما يستطيعان رؤية القصبتين المصنوعتين من الصلب تميلان بزاوية على المياه المعتمة. وألقت النار بوهجها على البكرتين.
فتحت مارجوري سلة الغداء.
قال نك: «أنا لا أشعر برغبة في الأكل.» «هيا، كل يا نك.» «حسنا.»
تناولا الطعام دون أن يتحدثا، وراحا يشاهدان القصبتين وضوء النار المنعكس على صفحة المياه.
قال نك: «ستكون تلك الليلة ليلة مقمرة.» ألقى ببصره على الجهة المقابلة من الخليج حيث التلال التي كانت ملامحها قد بدأت تزداد وضوحا على صفحة السماء. كان يعرف أن القمر سيطلع من وراء التلال.
قالت مارجوري بسرور: «أعرف هذا.»
قال نك: «إنك تعرفين كل شيء.» «أوه! أرجوك يا نك أن تكف عن هذا. أرجوك ألا تتصرف بهذه الطريقة من فضلك!»
Shafi da ba'a sani ba
قال نك: «لا أستطيع! إنك تعرفين كل شيء بالفعل. تلك هي المشكلة. وأنت تعلمين أنك تعرفين كل شيء.»
لم تقل مارجوري شيئا. «لقد علمتك كل شيء. أنت تعرفين أن ما أقوله صحيح. ما الذي لا تعرفينه على أية حال؟»
قالت مارجوري: «حسنا، اصمت الآن! ها هو قد طلع القمر.»
جلسا على البطانية دون أن يتلامسا، وراحا يشاهدان القمر وهو يبزغ.
قالت مارجوري: «لا تكن سخيفا. ما الأمر حقا؟» «لا أعرف.» «أنت تعرف بالطبع.» «كلا، لا أعرف.» «هيا، هات ما عندك.»
راح نك ينظر إلى القمر وهو يبزغ فوق التلال. «لم يعد في الأمر متعة.»
كان خائفا من أن ينظر إلى مارجوري، ثم نظر إليها. كانت تجلس وظهرها إليه. نظر إلى ظهرها وقال: «لم يعد في الأمر متعة، لم يعد فيه أي متعة على الإطلاق.»
لم تقل شيئا، وتابع هو الحديث قائلا: «إنني أشعر كما لو أن كل شيء قد تداعى بداخلي وصار جحيما. لا أدري يا مارج. لا أدري ما عساي أن أقول.»
ظل ينظر إلى ظهرها.
سألت مارجوري: «أليس في الحب أي متعة؟»
Shafi da ba'a sani ba
قال نك: «نعم.» وقفت مارجوري، وظل نك جالسا ورأسه بين يديه.
قالت مارجوري: «سآخذ القارب. يمكنك أن تعود بالسير حول اللسان.»
قال نك: «حسنا. سأدفع لك القارب في الماء.»
قالت: «لا داعي لذلك.» كانت تسير بالقارب في المياه وقد انعكس عليه ضوء القمر. عاد نك إلى مكانه واستلقى بجوار النار ووجهه في البطانية. كان يستطيع سماع صوت مارجوري وهي تجدف بالقارب في المياه.
ظل مستلقيا هناك لفترة طويلة. وقد كان مستلقيا حين سمع بل يشق طريقه عبر الأحراج ويدخل إلى الأرض الخالية من الأشجار. شعر ببل وهو يقترب من النار، غير أن بل لم يلمسه أيضا.
سأله بل: «أذهبت وهي على ما يرام؟»
أجاب نك كاذبا ووجهه في البطانية: «أجل.» «هل تشاجرتما؟» «كلا، لم نتشاجر على الإطلاق.» «كيف تشعر؟» «أوه، ابتعد عني يا بل. ابتعد لبعض الوقت.»
انتقى بل شطيرة من سلة الغداء، وسار ليلقي نظرة على الصنارتين.
الفصل الرابع
كان يوما شديد القيظ. كنا قد أقمنا حاجزا مثاليا جدا على الجسر. كان لا يقدر بثمن. حاجز شبكي كبير وقديم من الحديد المطاوع كنا قد أخذناه من واجهة أحد المنازل. كان ثقيلا للغاية بحيث ما كان لهم أن يرفعوه، وكنا نستطيع نحن أن نطلق النار من خلاله، وكان عليهم تسلقه. لقد كان ممتازا للغاية. حاولوا تسلقه؛ فأطلقنا عليهم النار من على بعد 40 ياردة. هاجموه بقوة وأتى بعض الضباط وعالجوا أمره. لقد كان حاجزا مثاليا للغاية، وكان ضباطهم بارعين للغاية. انزعجنا بشدة حين سمعنا بأن جناح جيشنا قد هزم، وأن علينا أن نتراجع.
Shafi da ba'a sani ba