أخصب أرض، والمرض تحت أصفى سماء، والجهل في أول دار للعلم والحضارة؟.
لقد كانت مصر طبقات يستعبد بعضها بعضًا، فسوى بينها عمرو بن العاص باسم الإسلام وقطع هذا النظام الذي وصلته يد الدهر من عهد الفراعنة الأولين، إلى عهد الاسكندر، إلى أيام البطالسة والرومانيين، وأفاض على الناس الهدى والعدل والنور، فأحبوا لفعله هذا الدين ودخلوا فيه وتركوا له دينًا كان لهم، وأقبلوا عليه علمًا وعملًا، حتى كانت مصر مثابة الإسلام، ومشرق أنواره، ومورد علومه أفقدر عليها أن تعود القهقري إلى عهد الجاهلية الأولى؟ أترجع نظامَ الطبقات الذىِ مات؟ أيكون فيها سادة وعبيد؟ ويعلو بعض أهلها على بعض كأنما لم يفتح مصر عمرو، ولم يركز فيها راية محمد، ولم تكن مصر أم دنيا الإسلام؟.
أنا لا أدعو إلى المساواة المطلقة بين الناس فذلك ما لا يكون ولا يزال في الناس غني وفقير ما دام فيهم عامل وخامل، وذكي وبليد، لن يكونوا أبدًا سواء في أرزاقهم ومعايشهم إلا إذا استوى الجنسان وتحقق حلم المدافعين عن (حقوق) المرأة فانقلبت رجلًا، ونبت لها شاربان و... لحية!.
ولكن أدعو إلى تقريب المسافة بين طبقات الناس، عاليها ودانيها، وأن تضمن الحكومة لكل إنسان حقه الطبيعي في الطعام واللباس والمسكن، وألا تقر في موازنتها راتبًا لموظف مهما نزلت درجته، لا يكفل هذا الحق له ولأسرته، ولو كان كناس الطريق، أو ناطور المراحيض، وأن تسوي بين الناس (المساواة الممكنة) إليَ حققها الإسلام في أول الدهر في عهد الشيخين، والشيوعية في ذَنَب الزمان في أيام ستالين، وإن اختلف نوعهما، فكانت تلك مساواة في السعادة، وهذه المساواة في الشقاء!.
لقد نشأتُ في الشام، وسِحْتُ في البلاد، فرأيت في كل بلد أغنياء وفقراء، وسعداء وأشقياء، ولكن لم أر أبدًا مثل الذي رأيت في مصر!.
فما هذا التفاوت بين البشر في مصر؟ ما هذا الوضع الذي يجعل من
1 / 59