لذته، ولا يكون ذلك ما دامت المجلات والمطابع مفتحة أبوابها، لكل هذيان وعبث صبيان.
وبيان ذلك أن في نفس كل ناشىء في الأدب حبًا للظهور، وهوى للنشر، فلا يجدّ إن جدّ إلا ليلقى اسمه على رأس مقالة في مجلة، أو على غلاف كتاب، ولقد كان الواحد من أصحابنا يتمنى أن ينشر ما يكتبه بعد طول الكد، ومتابعة السهر، في جريدة محلية، ثم يرتقي إلى المجلة الصغيرة، ثم يتدرج حتى يصل إلى مثل الرسالة أو الثقافة. هكذا كنا، وهكذا كانت لهذه المجلات هيبة في نفوسنا، فلا نقدم عليها إلا بعد الاستعداد، ولا نقدم لها إلا ما نعتقد أنه جيِّد، فتبدلت الحال؟ وعلا الشباب (بالغرور)، وهبطت هذه المجلات، حتى صرنا نرى الغلام المبتدئ، يكتب مقالته الأولى فلا يراها أقل من أن تنشر في الرسالة مثلًا، مع مقالة العقاد والزيات، ولا يعدم بعد إدمان القرع للأبواب من يفتح له باب مجلة من هذه المجلات.
هذا الشاب الذي يرى أنه وصل إلى الغاية بلا تعب، ونال ما يطلب بلا مشقة، لا يجد بعد ذلك ما يدفعه إلى سهر الليالي، وتقريح الجفون، في مسامرة الكتب، والازدياد من العلم.
فليس الخطب في ضعف الطلاب وعجز المعلمين ولكنه خطب الأدب. إنها إن استمرت هذا الحال، ومات هؤلاء الكتاب البلغاء، وكل حي إلى ممات ولو طال به الأجل، فإنكم ستتلفتون تفتشون عن كاتب بليغ، أو شاعر مفلق، فلا تجدون. فأعدُّوا من الآن شبابًا تدخرونهم لذلك اليوم العصيب، وإلا فعلى اللغة والأدب والبيان السلام!
***
1 / 38