وتابع جمال البنا كلامه قائلا:
كانت حركة الإخوان المسلمين منذ البداية حركة مجتمعية. كان هذا في عهد مصر الليبرالية، أبهى عصور تاريخ مصر. إلا أن جماعة الإخوان عندما تأسست، تمتعت بأيديولوجية بسيطة، وإحدى مواهب حسن البنا كانت قدرته على تبسيط الأفكار شديدة التعقيد تبسيطا شديدا وإفهامها للعامة. لقد امتلك قدرة مذهلة على تبسيط الموضوعات المعقدة التي تحتاج إلى معرفة متخصصة، فاتسعت قاعدة جماعة الإخوان المسلمين بعد بضع سنوات في الإسماعيلية وبورسعيد، وانتقل حسن البنا عام 1932 إلى القاهرة حيث تأسست جماعة الإخوان المسلمين عام 1948 باعتبارها مؤسسة عالمية تهدف إلى الترويج للإسلام بوصفه منهج حياة. لكن هذا كان عام حسن البنا الأخير؛ إذ اغتيل في فبراير/شباط عام 1949، إلا أن نمو جماعته السريع بين عامي 1928 و1948 كان مؤشرا على قدرتها؛ فبحلول الوقت الذي توفي فيه البنا، كان لدى الجماعة خمسمائة فرع في كافة أنحاء مصر، وضمت تحت لوائها نصف مليون عضو.
وأوضح جمال البنا أن حقيقة نمو قاعدة دعم الجماعة تكمن في الأعمال الخيرية التي قامت بها. قال:
تأسست جمعية خيرية في كل فرع من فروع الجماعة منذ البداية، وكل فرع لتلك الجمعيات قيد في وزارة الشئون الاجتماعية. كان هناك المئات من الجمعيات الإسلامية قبل الجمعيات التي أنشأها حسن البنا، لكنها كانت مستقلة بعضها عن بعض، أما حسن البنا فقد أسس النموذج الذي أنجب كافة الحركات الإسلامية الأخرى؛ وإن استقل بعض تلك الحركات فيما بعد. وقد قارنت في أحد كتبي بين حسن البنا ولينين، باعتبار أن لينين أسس الحزب البلشفي وجعل أتباع الحركة البلشفية يرتبطون بها ارتباطا قويا.
وعاد جمال البنا إلى علاقته بأخيه، فقال عنها: «كانت إلى حد بعيد تتسم بالعقلانية والمنطقية.» كان حسن عالما إسلاميا حقا. لكن لما ارتحلت أسرته إلى القاهرة كان جمال في الرابعة من العمر، ولم يلتحق بمدرسة القرية الدينية أو بأي مدرسة لتحفيظ وتلاوة القرآن. يقول جمال البنا:
عوضا عن ذلك التحقت بمدرسة تدرس منهجا علمانيا. وفيما تمتع حسن بصحة جيدة وقضى طفولة سعيدة بسيطة على ضفاف النيل تحت أشعة الشمس، كنت أنا ضعيفا واهن الصحة، لا أملك هواية إلا القراءة. كنت نتاجا لمدينة كبيرة وليس لقرية، وقد قرأت العديد والعديد من الكتب، كلها ذات موضوعات علمانية؛ فقرأت عن الاشتراكية والحركات الدستورية في أوروبا، وعن الحركة النسائية، وامتنعت عن الصلاة فترة قصيرة شأني شأن الكثير من الشباب. أذكر أن حسن آنذاك كان يخبرني بأن علي بالصلاة، فأقول له إنني لا أستشعر جمالها، فيرد علي بأن علي بها حتى لو كنت أؤديها بوصفها فرضا فحسب. كان هذا اختلافا جوهريا بيني وبينه، رغم أننا حتى عندما كنا نتشاجر، ظل كلانا يعتز بالآخر اعتزازا شديدا ويحبه حبا صادقا. وعلى أي حال، منحتني قراءاتي منظورا مختلفا.
إذن يمثل جمال البنا التيار المدني، أما أخوه فيمثل التيار الديني.
أوضح جمال قائلا: «كانت لدي تحفظات على جماعة الإخوان المسلمين منذ بدايتها؛ تحفظات على نظرة الجماعة إلى دور المرأة والفنون والسياسة.» وأردف:
كان حسن البنا يصغي إلي ويبتسم عندما أخبره بهذا، إلا أنه لم يكن يجيبني قط؛ فقد كان إماما، وكان القبول بتلك الأفكار مخاطرة، لأن العامة يريدون تصريحات بسيطة وشيخا ذا رؤية واضحة. ولا يزال لدى الإخوان المسلمين هذه الأجندة التي تضم كل ما أعارضه: من تطبيق الشريعة تطبيقا صارما، إلى تحريم الفوائد البنكية، إلى معارضة الفنون وما إلى ذلك. إلا أن طبيعة الجماعة إصلاحية وليست ثورية؛ فهم لا يرغبون في السلطة من أجل السلطة، ولكن يرغبون فيها فقط بوصفها وسيلة لتطبيق الشريعة، ولو طبق أي حاكم آخر الشريعة، لامتدحوه ودعموه. لقد سألني حسن البنا عن شعار «الإسلام هو الحل»، فأخبرته بأنه شعار جيد، لكنه لا يعدو كونه كذلك. فأنا أنظر إلى الشريعة على نحو مختلف تماما، أنظر إليها بنظرة أكثر رقة؛ فالشريعة كما أفهمها هي العدل؛ فإن دخلها ما يخالف العدل، يجب أن ينبذ، وإن كان العدل في أمر لم يدخل الشريعة، فعلينا باعتناقه. هذا هو فهمي من قراءاتي لما كتبه عظماء العلماء المسلمين في الماضي. أما الإسلاميون الآخرون كافة فيفكرون فقط في تطبيق العقوبات كقطع يد السارق ورجم الزاني.
يؤكد جمال البنا أن الإخوان المسلمين والإسلاميين يستغلون الانتخابات - وهي ابتكار علماني غربي - للفوز بمقاعد البرلمان ليبدءوا في فرض أجندتهم الدينية المتطرفة على الجميع. ويضيف:
Shafi da ba'a sani ba