إن دم المخلوقات ليس وقفا على الآلهة، وإنه من حق الملك، كما أنه من حق أحقر فلاح، أن يحافظ على الحق، وأن يدفع عن الاستقامة ما يهوش سبيلها.
ألست تدري أن ثرى هذه الأرض إنما يتكون من عدد غير محدود من وقائع القتل والتفظيع؟ إن الزمن القديم ما ينفك يخط حوادث الحياة المنحدرة في جوف العدم مع مخلوقاتها بمداد من دم. يقع القتل أينما تتصور، في القفر المجدب وفي حظائر الإنسانية، وفي عشوش الطير، وفي حفر الحشرات، وفي البحر، وفي السماء، وهنالك قتل من أجل الحياة، وقتل من أجل التسلية، وقتل للاشيء أصلا. إن الدنيا تقتل من غير أن تهدأ نوبتها.
إن شرائع القلب ليست بذاتها شرائع الكتب المقدسة.»
جاسنج : «الطريق ممهود أمامي، سأسلكه وبيدي جرة الصدقات ومعي البنت المستجدية أتخذها رفيقة، من ذا الذي يقول بأن طرق هذه الدنيا ملتوية متعسرة على أية حال. سوف نبلغ بها النهاية، النهاية التي تنتهي معها خطيئات الحياة وآلامها، حيث الراحة الأبدية، ماذا تجدي عنا الكتب المقدسة والمعلمون وتعاليمهم؟!
لا تحدثني عن الحب، فلأفكر دائما في الواجب. إنما الحب كالحشيش الأخضر وكالأشجار وكموسيقى الحياة، كلها أشياء ينعم بها سطح الأرض. إنها تأتي وتفنى كالأحلام، ولكن من وراء هذه الأشياء يكون الواجب، كطبقات الصخور العاتية، أو كحمل ثقيل لا يمكن أن تزحزحه القوات.
إن الضعفاء في هذه الدنيا قليلو الحيلة، أما الأقوياء فقساة غلاظ الأكباد. إن الطمع بلا شفقة، والجهل أعمى، والكبرياء لا تبالي عندما تحطم الأضعفين تحت أقدامها.»
وبعد، فهل هذه فلسفة أم حكمة؟ أم مزيج من كليهما؟ كلا، إن هذا لوحيا، وأي شيء يكون الوحي إن لم يكن هذا؟
الشعراء والناثرون
أصدر الصديق هيكل بك حكمه بأن النثر في تقدم والشعر في جمود، وعلل الأستاذ طه حسين هذه الظاهرة بأن الناثرين يقرءون ويحاولون الفهم والتثبت مما يقع بين أيديهم من أدب وعلم وحكمة، في حين أن الشعراء لا يقرءون ولا يحاولون أن يفهموا إذا قرءوا، ولا أظن أن هذا التعليل كاف وحده، بل أعتقد بأن كل من لم يستطع أن يفكر قد أصبح في مصر شاعرا، على أن الخيال إذا لم يتقيد بالفكر، أصبح وهما باطلا، وشعراؤنا في خيالهم لا يخرجون عن هذا.
على أن هنالك فئة من الشعراء لم يفت الأستاذ طه حسين أن يذكر أنها تقرأ وتفكر، بل قل بأنها تحاول أن تغير من أساليب الشعر وقوالبه العتيقة، ولكن أولى بهذه الفئة ألا تفكر ليصفها الناس بالشاعرية، إذا أراد أفرادها أن يندمجوا في زمرة الشعراء.
Shafi da ba'a sani ba