A Cikin Adabin Masar na Fatimiyya

Muhammad Kamil Husayn d. 1380 AH
95

A Cikin Adabin Masar na Fatimiyya

في أدب مصر الفاطمية

Nau'ikan

17

وهكذا كان ابن الهيثم يتصف بصفات العالم بما في هذه الكلمة من معان وأوصاف، وظل ابن الهيثم بالشام حتى سمع به الإمام الحاكم بأمر الله الفاطمي، وقيل إنه نقل إلى الحاكم أن ابن الهيثم قال: لو كنت بمصر لعملت في نيلها عملا يحصل به النفع في كل حالة من حالاته من زيادة ونقص، فقد بلغني أنه ينحدر من موضع عال وهو في طرف الإقليم المصري،

18

فازداد الحاكم شوقا إلى ابن الهيثم للاستفادة من علمه، وأرسل إليه يرغبه في الوفود إليه، فاستجاب ابن الهيثم إلى رغبته، وخرج الحاكم نفسه للقائه والترحيب به، وقربه إليه وأكرمه، ثم طلب إليه الحاكم أن ينظر في أصول النيل عساه ينفذ ما خطر له وهو بالشام، فرحل ابن الهيثم في النيل حتى بلغ موضع الشلال الأول قبلي أسوان، ورأى في طريقه آثار قدماء المصريين، فعلم أنه لا يستطيع أن يأتي من الأعمال الهندسية ما لم يبلغ القدماء معرفته، فأظهر ابن الهيثم عجزه، وعاد إلى القاهرة معتذرا إلى الحاكم.

19

وهذه خصلة أخرى نسجلها لهذا العالم العظيم الخلق الذي خطر له رأي، فلما كلف بتنفيذه أبى عليه تواضعه العلمي إلا أن يعترف بعجزه أمام ما وجده من فن القدماء، ولو لم يكن ابن الهيثم على هذا الخطر من الخلق العظيم لتمادى في مشروعه، ولكلف الدولة آلاف الدنانير، ولاستفاد هو أيضا، إن كان على نمط علماء عصرنا، فما أحرانا وقد مضى نحو ألف عام على وفاة ابن الهيثم أن نتمثل به في قناعته وتواضعه وعلمه. وكان من المتوقع أن يغضب الحاكم بأمر الله على ابن الهيثم، ولكن الإمام الحاكم حفظ له مكانته وعرف قدر خلقه وعلمه، فولاه بعض الدواوين، وقبل ابن الهيثم العمل رهبة لا رغبة، ثم خاف بطش الحاكم بعماله وتقلباته مع من حوله، فنزوات الحاكم وتسرعه في إراقة الدماء أو التعذيب أمر عرف به هذا الإمام، فاضطر ابن الهيثم إلى أن يتصنع الجنون والخبال، فتركه الحاكم في منزله، وجعل له من يخدمه ويقوم بمصالحه.

20

فاعتكف ابن الهيثم حتى بلغه وفاة الحاكم سنة 411، فاطمأن من نزواته على نفسه، فأظهر العقل وعاد إلى ما كان عليه، واستوطن قبة على باب الجامع الأزهر، وأقام بها متنسكا، واشتغل بالتصنيف والتعليم ونسخ الكتب القديمة، فكان يتعيش من نسخ ثلاثة كتب كل سنة هي إقليدس والمتوسطات والمجسطي، ويبيعها بمائة وخمسين دينارا هي مئونته لسنة،

21

ولم يزل على ذلك إلى أن توفي في حدود سنة ثلاثين وأربعمائة.

Shafi da ba'a sani ba