129

A Cikin Adabin Masar na Fatimiyya

في أدب مصر الفاطمية

Nau'ikan

12

وقد ذكرنا أن ابن الداية كتب سيرة أحمد بن طولون، وسيرة ابنه أبي الجيش، وكتب ابن زولاق سيرة الإخشيد، وسيرة ابنه، وسيرة كافور، وسيرة المعز لدين الله، وسيرة العزيز، وسيرة سيبويه المصري. وكتب القاضي النعمان سيرة المعز لدين الله، وكتب محمد بن محمد اليماني سيرة جعفر الحاجب، ويطول بنا الأمر لو أحصينا كل ما وصل إلينا في فن السير مما كتبه المصريون مما يدل على كلفهم بهذا الفن. ويخيل إلي أن مصر منذ أقدم عصورها اهتمت بهذا الفن اهتماما خاصا، نراه ممثلا فيما تركته مصر الفرعونية من سير ملوكها وأمرائها منقوشا على جدران المعابد والمقابر، أو مسطرا على ورق البردي، ونراه في مصر القبطية فيما تركه الآباء البطارقة من سير من سبقوهم من الآباء والقديسين. وفي مصر الإسلامية ظهرت هذه الحلقات المتتابعة في فن السير، ولعل أولها ما قيل من أن ابن إسحاق صاحب السيرة النبوية وفد على مصر وروى بها السيرة، ووفد ابن هشام على مصر وروى بعض أجزاء السيرة عن المصريين.

وبلغت عناية المصريين بالسير وكلفهم بهذا الفن، أنهم وضعوا للشعب سيرا عن أبطال أحبهم المصريون، وردد الشعب هذه السير في اجتماعاته ومغانيه، مثل سيرة عنترة بن شداد، وسيرة الهلالية، وسنتحدث عن ذلك فيما بعد.

وقد حصلنا أخيرا على مخطوطين في فن السير: الأول «سيرة الأستاذ جوذر»، والثاني «سيرة المؤيد في الدين».

سيرة الأستاذ جوذر

13

يتحدث هذا الكتاب عن حياة رجل من رجال الدولة الفاطمية الذين أغفل المؤرخون ذكرهم، وهو الأستاذ جوذر الصقلي، مع ما كان له من مكانة رفيعة في الدولة الفاطمية بالمغرب قبل انتقال المعز لدين الله إلى مصر، ومع ما كان للأستاذ من منزلة قريبة عند الأئمة الفاطميين. يحدثنا هذا الكتاب عن دخول جوذر في خدمة المهدي بالله الفاطمي، وأن المهدي أهدى هذا الغلام إلى ولي العهد القائم بأمر الله، وكيف اشتدت الصلة بين العبد وسيده؛ إن القائم - وكان لا يزال ولي العهد - عندما خرج لغزو بلاد المغرب حتى سنة 200ه، استخلف جوذر على قصره وجميع من فيه من حرمه وأهله، ولما توفي المهدي بالله سنة 222ه خص القائم عبده جوذر دون سائر أهله ورجال الدعوة بمرتبة الاستيداع لولي عهده المنصور بن القائم، فظل هذا السر سبع سنوات حتى أعلن القائم ولاية العهد على الملأ، وفي خلافة القائم أصبح جوذر صاحب بيت المال، ووكل بخزائن الكساء، كما كان سفيرا بين الخليفة وسائر الناس.

وهكذا ارتفعت منزلة جوذر، وأصبح له نفوذ قوي في هذه الدولة الناشئة، فهابه الناس، ولحبه للخير وعطفه على الشعب أحبه الناس، وتوفي القائم بعد ذلك، ولكن المنصور بالله لم يعلن وفاة أبيه، فلم يعلم أحد الخبر إلا جوذر، وخرج لحرب الخارجين عليه مستخلفا جوذر على دار الملك وسائر البلاد، وسلمه مفاتيح خزائن الأموال، ولما عاد من حروبه أعلن موت القائم، وكافأ جوذر على خدماته، فأعتقه ولقبه «مولى أمير المؤمنين»، وأمره ألا يكني في رسائله أحدا، ولا يقدم على اسمه اسما إلا الخليفة وولي العهد، وأن يرقم اسمه بالذهب على ملابس الخليفة وولي عهده، وأن يثبت اسمه على الحصر والبسط، كل ذلك إمعانا في تشريفه. وفي خلافة المعز كان جوذر موضع سر مولاه، إلى أن فتحت مصر، وأراد المعز أن يسير إليها، فأرجف الناس بأن أمر المغرب سيئول إلى جوذر، ولكن جوذر أبى أن يفارق إمامه فسار معه إلى مصر، ولكنه توفي بالقرب من مدينة برقة في مكان يعرف بمياسر سنة 632ه.

لم تقف أهمية سيرة جوذر على هذه الناحية التاريخية من ترجمة أحد رجال الدولة الفاطمية، الذين كان لهم أثر قوي في هذه الدولة منذ نشأتها، وإنما يوضح هذا الكتاب بعض نواح تاريخية هامة أغفلها المؤرخون القدماء أو مروا بها مرا سريعا، ففي الكتاب حديث عن تلك الثورات العنيفة التي نشبت بالمغرب عقب قيام الدولة الفاطمية، وكادت تقوض أركان تلك الدولة، كما يطلعنا على العلاقة بين الفاطميين وصقلية، وعلى ما كان يعانيه الفاطميون من رجال هذه الجزيرة، ومن قرصان البحر، ويظهر سبب الجفاء الذي كان بين المنصور وبين بني عمومته من أولاد المهدي، وكيف طلب إلى جوذر أن يشتد في تأديبهم ورصد حركاتهم. أضف إلى ذلك كله أننا نستطيع أن نعتبر كتاب سيرة جوذر من الوثائق الأدبية؛ فقد جمع مصنفه جميع التوقيعات التي خرجت من المنصور والمعز إلى جوذر، ورسائله إليهما، وقد بلغ عددها في هذا الكتاب نحو المائة ، فالكتاب أشبه بديوان توقيعات للفاطميين، ولا أكاد أعرف كتابا جمع توقيعات الفاطميين سوى هذا الكتاب، وكتاب المجالس والمسايرات للقاضي النعمان الذي جمع فيه مصنفه بعض توقيعات المعز إليه، وكتاب السجلات المستنصرية الذي جمع فيه رسائل المستنصر إلى الصليحيين باليمن. وأجد في سيرة جوذر بعض قطع من شعر المنصور بالله، وخطبة المنصور في نعي القائم، وخطبة المعز في نعي المنصور، وهكذا نستطيع أن نستفيد من هذا الكتاب الصغير من الناحية الأدبية والتاريخية والاجتماعية في العصر الفاطمي بالمغرب.

أما مصنف هذه السيرة فهو رجل مغمور لا نكاد نعرف عنه إلا أنه منصور الجوذري العزيزي، وأنه دخل في خدمة الأستاذ جوذر كاتبا له سنة 350ه، وأصبح موضع سره، وظل في عمله إلى أن توفي جوذر فاتصل بالمعز فالعزيز. ويتضح من كلامه أن العزيز جعله في مرتبة رفيعة هي نفس المرتبة التي كان فيها جوذر، ويضيف المقريزي أن أبا علي منصورا الجوذري زادت مكانته في عهد الحاكم بأمر الله، فأضيفت إليه مع الأحباس الحسبة وسوق الرقيق والسواحل وغير ذلك.

Shafi da ba'a sani ba