ولما ترجمت المجموعة الأولى من كتاب ألف ليلة وليلة، كانت تحتوي ألف خرافة فارسية وتسمى "هازار إفسانه" غير فيها العرب وبدلوا، وأضافوا إليها # أشياء كثيرة, حتى خرج من كل ذلك كتاب ألف ليلة وليلة، وهو ما هو عند الغربيين في الخيال الغريب والتأليف العجيب، والأجواء الساحرة، والافتنان في تصوير الشخصيات, وأنواع الملذات, فصار مضرب المثل، ومنبعا ينهل منه كل من يريد أن يوصف بسعة الخيال، وشروده وجموحه، وقد أثر هذا الكتاب كثيرا في الأدب الغربي منذ ترجم إلى اليوم -كما مر بك، مع أن جمهرة أدباء العرب لا يعترفون بسمو أدبه، ولا يقرون بعبقرية فنه، بل يعدونه أدبا شعبيا يصلح للعامة في أسمارهم، والنساء في أويقات سرورهن، والأطفال في لهوهم وأحاديثهم، وفي العصر الحديث حين اتصل العرب بالأدب الغربي لم يرقهم منه إلا الأدب الإبداعي "الرومانطيقي1" الذي يصور الأبطال، ويغرب في الخيال, ويترجم عن العواطف الجياشة, وظلوا حتى اليوم يعربونه ويحاكونه معرضين عن الأدب الواقعي إلا القليل، مع أن الغربيين قد نفضوا أيديهم من هذا اللون الأدبي منذ مائة سنة، وعمدوا إلى الأدب الواقعي التحليلي كي يعالجوا به مشكلاتهم الاجتماعية المعقدة، وقد حاولت مدرسة لطفي السيد الأدبية أن تدخل الأدب التحليلي الواقعي، وظهرت لذلك آثار لم ترق بعد إلى المرتبة التي وصل إليها المنفلوطي أو الزيات في الأدب الرومانطيقي2".
كل هذا يدلنا على أنه ليس الخيال العربي، وعدم عمقه هو الذي حال بين العرب وبين القصة الواقعية التي لا يعترف النقد الحديث في أوربا بسواها, بل الخيال العربي المجنح وما به من عمق هو الذي ربأ بالعرب عن أن ينزلوا إلى هذا القصص الواقعي.
Shafi 397