لقد كان ممكنا أن يلتقي عباس ومحمد عبده ومصطفى كامل2، وينهض الثلاثة بمصر وبالإسلام وبالشرق العربي كله، ولكن لم يتم هذا، كما لم يتم # اجتماع محمد علي والسيد عمر مكرم ومحمد بن عبد الوهاب من قبل، واضهد محمد علي الزعيم الروحي لمصر عمر مكرم, والمصلح الديني الكبير محمد بن عبد الوهاب, وحاربه في نجد، وهكذا تكررت المأساة على يد أحد أحفاده بعد خمسين سنة.
وفاته:
استقال محمد عبده من الإفتاء وقد آمن بعجزه عن إصلاح الأزهر عجزا تاما، ولم يلبث بعد ذلك مدة وجيزة حتى أحس بالمرض، فعزم على السفر إلى أوربا طلبا للشفاء, ولم يحل مرضه بينه وبين ما يقوم به من أعمال جليلة في مجلس الشورى وفي الجمعية الخيرية الإسلامية وامتحان دار العلوم، وإعداد مشروع القضاء، وإعداد مشروع الجامعة المصرية, بيد أن المرض ألح عليه, واختلف فيه الأطباء، هل هو المعدة؟ أو الكبد؟ ثم ظهر أنه السرطان الذي مات به من قبل أستاذه جمال الدين، فأشاروا إليه بعدم السفر, وفي يوم 11 من يولية سنة 1905, انطفأ هذا المصباح الوهاج, عن ست وخمسين سنة برمل الإسكندرية، واحتفل بتشييع جنازته رسميا، وكان حفلا رائعا لم تشهد مصر مثله من قبل, وكان عباس متغيبا عن مصر فلما عاد وسمع بعظم الحفل واشتراك الحكومة فيه أنب كل من أسهم في هذا.
أثره في النثر:
لا نريد أن نتعرض هنا لآرائه الاجتماعية والسياسية والخلقية بالتفصيل، وقد مر بنا ما يعطينا عنها فكرة واضحة، وإنما الذي يعنينا حقا هي آثاره في الكتابة والنثر، وقد عرفنا أنه ابتدأ يكتب في الصحف، وهو بعد طالب في الأزهر، وقد طرأ على أسلوبه الكتابي تغيير كثير منذ المقالة الأولى التي أرسلها لجريدة "الأهرام"1 حتى انتقل إلى جوار ربه، ولمحمد عبده أثر عظيم في النثر العربي, سواء في أسلوبه هو, وجعله مثلا يحتذى به في الأعمال الجليلة التي قام بها لخدمة النثر والكتابة.
Shafi 301