كان محكوما عليه بالنفي ثلاث سنوات، ولكنه مكث ببيروت ست سنوات, وذلك لأن توفيقا كان غاضبا عليه1، وكان يجهر بخطيئة توفيق في حق الوطن ويقول2: "إن توفيق أساء إلينا أكبر إساءة، لأنه مهد لدخولكم -أي: الإنجليز- بلادنا، ورجل مثله انضم إلى أعدائنا أيام الحرب لا يمكن أن نشعر نحوه بأدنى احترام، ومع هذا, إذا ندم على ما فرط منه, وعمل على الخلاص منكم, ربما غفرنا له ذنبه, إننا لا نريد خونة وجوههم مصرية وقلوبهم إنجليزية".
فكان من العسير أن يعود في عهد توفيق، بيد أن رياض باشا عاد إلى الوزارة، وكان من الذين يجلون الأستاذ الإمام, ويتعقدون فيه النفع والخير لمصر، فما لبث أن سعى لدى توفيق هو وبعض ذوي النفوذ1 حتى عفا عنه، وكان عفوا قريبا من الاعتذار.
بعد العودة من المنفى:
عاد محمد عبده إلى مصر, فوجد الأمور قد تغيرت, وصار الحل والعقد بيد الإنجليز، ولم يعد الخديو صاحب الأمر والنهي كما كان من قبل ، ورأى لزاما عليه وهو المصلح ذو المشروعات الحية في النهوض بالأزهر والأوقاف والمحاكم الشرعية أن يعتمد على سلطة تؤيده وتهيئ له الاستمرار في إصلاحاته، فسالم الخديو -على الرغم منه- واستعان بالإنجليز على الإصلاح المنشود، ولا تعجب بعد هذا إذا صار جمال الدين حانقا عليه, ويرى فيه الرجل الذي تنكر لمبادئه ومد يده لأعذاه يهادنهم ويسالمهم, ورث محمد عبده من جمال الدين آراءه الإصلاحية الاجتماعية، وورث عبد الله نديم وسعد زغلول ومصطفى كامل آراءه السياسية.
Shafi 294