ولد السيد جمال الدين في قرية "أسعد أباد" من قرى "كندر"1 ببلاد الأفغان, سنة 12454ه-1839م, من أسرة شريفة تنتسب إلى الإمام الترمذي المحدث المشهور، وترتقي إلى الإمام الحسين بن علي -رضي الله عنهما، وانتقل به والده إلى "كابل" وهناك تلقى تعليمه، فدرس مبادئ العلوم العربية والتاريخ، وعلوم الشريعة، والعلوم العقلية؛ من منطق, وحكمة عقلية سياسية، وفلسفة، وكذلك العلوم الرياضية؛ من حساب, وجبر, وهندسة, وفلك، ودرس نظريات الطب والتشريح، ثم سافر إلى الهند، وهو في الثامنة عشرة من عمره، واطلع على علوم الرياضة في الطرق الحديثة، وقدم الحجاز للحج، وقضى في رحلته إلى مكة سنة، فأفادته الرحلة خبرة بالشعوب الإسلامية، وأحوالها الاجتماعية، ثم رجع إلى بلاده، واشترك في مؤامرة سياسية مكنت بعض الأمراء من التغلب على عرش الأفغان، فعظمت مكانته لدى هذا الأمير، ولكن عصفت الأحداث بأميره هذا، وحاول خلفه الانتقام من السيد جمال الدين، ففطن لمكايده, وغادر بلاده إلى الهند فمصر، ومكث بمصر أربعين يوما، ومن ثم يمم نحو الآستانة, فذاع صيته بها، وعلت مكانته, حتى انتخب بعد مدة وجيزة عضوا في مجلس المعارف الأعلى، ولكن آراءه الإصلاحية الجريئة، وأفكاره الحرة التي لم يألفها الناس في عصره, بعثت في نفوس رجال عبد الحميد الهلع، وتألب عليه كثير من علية القوم، ولا سيما شيخ الإسلام، فجاءه الأمر بمغادرة البلاد خشية أن يشعل في عرش عبد الحميد الحريق.
Shafi 263