ملكت يدي عن كل سوء ومنطقي ... فعشت بريء النفس من دنس العذر
وأحسنت ظني بالصديق وربما ... لقيت عدوي بالطلاقة والبشر
فأصبحت مأثور الخلال محببا ... إلى الناس مرضي السريرة والجهر
إذا شئت أن تحيا سعيدا فلا تكن ... لدودا، ولا تدفع يد اللين بالقسر
ولاتحتقر ذا فاقة فلربما ... لقيت به شهما يبذ على المثري
ولا تعترف بالذل في طلب الغنى ... فإن الغنى في الذل شر من الفقر
ودار الذي ترجو وتخشى وداده ... وكان من مودات القلوب على حذر
ويقول في غير هذا الموضع:
مداراة الرجال وطئا ... على الإنسان من حرب الفساد
يعيش المرء محبوبا إذا ما ... نحا في سيره قصد السداد
ولعل لتجاربه الكثيرة أثرا في إملائه هذا النصح، وتحوله من الصراحة إلى المدارة, وإذا كانت الحياة قد علمته كيف يداري الناس، ويكون منهم على حذر، فإنها قد علمته كذلك أن المرح والحياة الصاخبة باللذات تورث الأسقام والعلل:
ولقد جريت مع الغواية والصبا ... جري الكميت وللغرام سباق
ولبست هذا الدهر من أطرافه ... ونزعته وقميصه أخلاق
فإذا الشباب وديعة وإذا الفتى ... هدى لفاغرة المنون يساق
هذا هو البارودي كما صور نفسه في شعره، وإذا كان صادقا في تصويره، ولا نحسبه إلا كذلك، فالأخلاق التي تغنى بها تبعث في النفس الإكبار والإعجاب.
Shafi 182