Masanin Falsafa da Fasahar Kiɗa
الفيلسوف وفن الموسيقى
Nau'ikan
ولقد تغلغلت الموسيقى اليونانية في فلسطين، وأصبحت محببة إلى نفوس المثقفين فيها، وهو أمر كان يستاء له قادتها الروحيون كل الاستياء، ولا بد أنها قد أثرت في الحياة الثقافية لليهود في فلسطين تأثيرا هائلا؛ إذ إن القادة الدينيين لجوديا (أرض اليهودية) قد جهروا بالشكوى، قبل هدم «المعبد» من أن الاتجاهات الدنيوية للوثنيين اليونانيين تمارس تأثيرا أخلاقيا فاسدا في الشعب اليهودي. وقد أنذر الزعماء الروحيون لجوديا شعبهم، تحت تهديد العقاب الإلهي ذاته، بالتخلي عن الأغاني اليونانية «اللاأخلاقية» المثيرة للشهوات، والعودة إلى ألحانهم الدينية الخاصة حتى في مناسبات الفرح والابتهاج.
18
كذلك لم يكن آباء الكنيسة، الذين راعوا المسيحية في فترة طفولتها غير المستقرة، أقل حرصا واهتماما بالأوجه الأخلاقية للموسيقى من العبرانيين؛ فقد كان القديس أوغسطين أفلاطونيا إلى حد بعيد في دعوته المسيحيين الأوائل إلى أن يحذروا الأنغام الإباحية المنبعثة عن المسرح الروماني، والتي قد تصرفهم عن الحياة الأخلاقية النقية. وقد أصبح أوغسطين، بعد تحوله المتحمس إلى المسيحية، يعتقد أن الألحان الجذابة التي تسمع في الشوارع والمسارح إنما رجس من عمل الشيطان؛ ومن ثم فإن حكمها حكم الخطايا. وكانت الموسيقى الصالحة الوحيدة في نظره هي الموسيقي الدينية التي تقرب الإنسان من الله بفضل اجتماع الغناء والعبادة في وحدة واحدة. وقد تجلت روح القديس أوغسطين بعد أكثر من ألف سنة في الفلسفة الموسيقية لجان كالفان.
والمسألة الثانية هي الدور الذي قامت به الموسيقى بوصفها وسيلة نفسية لبلوغ غاية انفعالية ودينية واجتماعية منشودة في الفلسفة القديمة والوسيطة، وكان أفلاطون يرى أن الموسيقى ينبغي أن تكون إحدى الوسائل التي ينبغي استخدامها في إقرار الفضيلة والروح الأخلاقية.
ولقد كان أنبياء بني إسرائيل بدورهم ينظرون إلى الموسيقى على أنها أداة لنقل الأفكار، فقالوا لأمتهم: «إن الأغاني المدنسة تدعو إلى الحب والشهوة تكفي لدمار العالم، وإن أغاني بني إسرائيل الدينية كفيلة بإنقاذه، وعلى ذلك فلو كان لديك صوت عذب، فلتسبح للرب بتلك الهبة التي منحك إياها، ولتنشد الشيما
19
Shema ، وتؤم الناس في الصلاة.»
20
وكانوا يرون أن الموسيقى الدينية هي وحدها القادرة على عبور الهوة بين الله والإنسان. وهناك نصوص كثيرة في العهد القديم تتحدث عن الطبيعة الدنيوية للموسيقى، غير أن هذا النوع يميز عادة عن الموسيقى الدينية. وعندما هزمت جوديا (أرض اليهودية) في السنوات المتأخرة أصبحت الموسيقى الدينية والدنيوية للإسرائيليين واحدة لا انفصال فيها، وصارت الموسيقى تقدم للعبراني عزاء عاطفيا يعبر به عن أساه وحنينه؛ فلم تكن تلك الموسيقى تعبيرا عن حالة شعب حر خلاق، وإنما كانت وسيلة للابتهال إلى الرب «ياهوا» لكي يخلصهم من العبودية.
كذلك كان أكثر ما يهتم به أوغسطين، في مجال الموسيقى، هو قدرتها على إدخال الوثني في حظيرة الدين، وإمكان استخدامها وسيلة نفسية تساعد على تقوية الحماسة الدينية للمؤمن العادي، فإذا كانت الموسيقى التي تغنى بها «مزامير داود» تجذب الناس إلى الكنيسة فعندئذ تكون الموسيقى، في رأي القديس أوغسطين، قد أدت غرضا نافعا.
Shafi da ba'a sani ba