Masanin Falsafa da Fasahar Kiɗa
الفيلسوف وفن الموسيقى
Nau'ikan
تصدير المترجم
في هذا الكتاب محاولة لدراسة ميدان لم يطرق من قبل على نطاق واسع، وهو العلاقة بين آراء الفلاسفة وتطور الموسيقى على مر العصور؛ ذلك لأن من المألوف أن نجد دراسات تكتب عن فلسفة الموسيقى، أو عن آراء فلاسفة معينين أو مدارس فلسفية خاصة في الموسيقى، أما تأثير الفلسفة ذاتها في مجرى الموسيقى، فهو موضوع لم يكتب فيه الكثير من قبل. ولعل السبب الأكبر في ندرة ما كتب عن هذا الموضوع هو الاعتقاد الذي يسود معظم الأذهان، بأن تطور الموسيقى سار مستقلا عن أفكار الفلاسفة، ولم يتأثر بها على الإطلاق، وإن كانت هناك نقاط التقاء معينة بين المجالين تتمثل في تلك الكتابات التي كان الفلاسفة يسجلون فيها أفكارهم عن الموسيقى من آن لآخر، أو في تلك التأملات شبه الفلسفية التي قد يعبر بها الموسيقار عن تجاربه في الحياة والفن. ومع ذلك فمن المؤكد أن القارئ يخرج بعد قراءة هذا الكتاب بانطباع مخالف تماما، هو أن تأثير الفلسفة في الموسيقى كان أقوى مما نتصوره للوهلة الأولى، وأن هناك مصيرا مشتركا يجمع بين هذين المجالين للنشاط الروحي في الإنسان، وأن اللقاء بين الفيلسوف والموسيقى قد استمر طوال التاريخ، وما زال قائما إلى اليوم.
والقضية التي يدافع عنها المؤلف هي أن آراء الفلاسفة في الموسيقى لم تكن إلا تعقيبات متنوعة على أفكار رئيسية قال بها فيلسوف يوناني كبير هو أفلاطون في محاوراته، ولا سيما «الجمهورية» و«القوانين»، منذ أكثر من ألفي عام. وأهم هذه الآراء أربعة: (أ)
التأثير الأخلاقي للموسيقى، من حيث إن لها القدرة على دعم العنصر الفاضل في الشخصية أو زيادة ميلها إلى الرذائل، تبعا لنوع الألحان والإيقاعات والمقامات المستخدمة فيها. (ب)
التأثير النفسي للموسيقى، من حيث قدرتها على رفع معنويات الإنسان أو الهبوط بها، وشفاء أمراض معينة، أو بعث الاضطراب والاختلال في النفس. (ج)
ضرورة قيام علاقة سليمة بين الأنغام والكلمات، والربط بين الموسيقى والشعر برباط وثيق، وإيثار الموسيقى المصاحبة للغناء على الموسيقى الخالصة في معظم الأحيان. (د)
الشك في قيمة التجديدات الموسيقية، والنظر إليها بعين الحذر، على أساس أن التجديد في هذا المجال قد يؤدي إلى اضطراب في النفوس، وبالتالي إلى اختلال في نظم الدولة.
هذه المبادئ الأربعة على الرغم مما تتضمنه من مواقف سلبية من الموسيقى، تنطوي ضمنا على اعتقاد راسخ بقوة تأثير هذا الفن في الإنسان، وبأن الموسيقى قوة هائلة يستطيع الإنسان أن يستغلها في الخير والشر على السواء، ويمتد نفعها أو ضررها حتى يشمل المجتمع بأسره، وما يسوده من نظم اجتماعية وسياسية؛ لذلك كان الفلاسفة والمفكرون منذ عهد أفلاطون ينظرون بعين الحذر إلى هذه القوة السحرية الجبارة، ويحاولون وضع الضمانات التي تكفل استخدامها لأغراض تلائم القيم التي يدعون إليها.
ويرى المؤلف أن هذه المبادئ هي التي تحكمت في موقف الفلاسفة من الموسيقى طوال عصور الحضارة الغربية؛ فهي قد انتقلت بعد العصر اليوناني إلى المسيحية في العصور الوسطى، وكانت هي المحور الذي دار حوله تفكير آباء الكنيسة الكاثوليكية في الموسيقى، وكذلك آراء المصلحين البروتستانت في عصر النهضة. واستمر الفلاسفة يدعون إلى هذه الآراء في عصر «الباروك» والعصرين الكلاسيكي والرومانسي، وما زال تأثيرها واضحا في النقد الجمالي الموسيقي حتى اليوم. وبعبارة أخرى فقد امتد تأثير أفلاطون في هذا المجال بدوره حتى عصرنا الحاضر.
على أن آراء أفلاطون في الموسيقى لم تكن وليدة موقف جمالي أصيل بقدر ما كانت نتاجا لذهن نظري يحدد مجموعة من الغايات الاجتماعية والسياسية والأخلاقية لمدينة فاضلة، ويعمل على تسخير كل شيء في سبيل تحقيق هذه الغايات؛ فذلك الفيلسوف الذي كان في كتاباته أقرب الجميع إلى الفنان الأصيل، قد وقف من الفن الصحيح موقفا متزمتا لم يكن يتورع فيه عن القضاء على حرية الفنان من أجل ضمان قيام ما يعتقد أنه الدولة المثلى. وإذا كان أفلاطون بآرائه هذه هو الذي تحكم في تفكير الفلاسفة في الموسيقى حتى اليوم، فلا عجب إذن أن تكون أفكار الفلاسفة عاملا معوقا لتطور الفن الموسيقي، وأن يكون الطابع الغالب على هذه الأفكار هو الطابع المحافظ الذي يدافع عن القيم الماضية أو الحاضرة، ولا يثق في أي تطور يبشر به المستقبل.
Shafi da ba'a sani ba