Masanin Falsafa da Fasahar Kiɗa

Fuad Zakariyya d. 1431 AH
181

Masanin Falsafa da Fasahar Kiɗa

الفيلسوف وفن الموسيقى

Nau'ikan

Gertrude Stein » العسيرة الفهم في قطعتيها «أربعة قديسين وثلاثة فصول

Four Saints and Three Acts » ومن بعدها «أمنا جميعا

Mother of us » فإنه عندئذ يذهب إلى الطرف المضاد، فيتجاهل تماما المعنى العقلي للنص.

ولقد كان الفلاسفة السابقون، باستثناء شوبنهور ونيتشه، يؤكدون الحاجة إلى لغة منطوقة من أجل إضفاء معنى ذهني على الانسياب الإيقاعي للانفعال الموسيقي. كذلك كان كبار رجال الدين ينظرون إلى الموسيقى على أنها وسيلة لنشر كلمة الله. وما زال النقد السوفييتي الحديث يذهب إلى أن الموسيقي ينبغي ألا يقتصر على «الميل المتحيز إلى الأشكال المعقدة من موسيقى الآلات والموسيقى السيمفونية، غير المصحوبة بنص كلامي».

إن الشعر والموسيقى هما أكمل صورتين فنيتين يعبر بهما الإنسان عن مشاعره وأفكاره؛ فهما أقدر أنواع الفن على التعبير عن المشاعر، كل في ميدانه الخاص. على أن ما يكون له تأثيره في إحدى هاتين الواسطتين قد يضيع إذا عبرت عنه الواسطة الأخرى. أما عندما يمتزج البيت الشعري أو الفقرة النثرية مع اللحن بنجاح، بحيث لا يفقد أيهما طابعه الفردي، وإنما يزيد كلاهما من فعالية الآخر، فعندئذ يكون الموسيقي قد أدمج على نحو فني نادر بين صورتين رائعتين من صور التعبير البشري.

والوسيلة التي تنقل إلينا أحوال المؤلف الموسيقي النفسية وأفكاره وتعرفنا بها هي مقدرة القائم بالأداء وفهم قائد الأوركسترا؛ فهؤلاء هم الرسل أو الوسائط بين ذلك العدد القليل من البشر المبدعين وبين أولئك الذين يخشعون منا لتلك النفوس الخلاقة التي تثري حياتنا بجمال النغم؛ فالخالق والمتذوق معتمدان معا على القائم بالأداء. والعازف أو المغني البارع يؤدي أعمال موسيقي ما بأمانة أعظم مما يؤديها فنان من الصف الثاني؛ فهو في الحالة الأولى يعيد خلق المدونة الموسيقية بروح مؤلفها وأسلوبه، وتتيح له حساسيته وقدرته على الفهم أن يميط اللثام عن أحوال المؤلف، وينقلها إلينا، وأن يستخلص من المدونة الموسيقية ما وضعه المؤلف فيها. وعليه أن يركز إحساسه في الموسيقى، ويفهم كيف ينقل التفاصيل والفروق الدقيقة بين المشاعر، قبل أن يقوم بأدائها بطريقة فعالة. وفي وسعه أن يبعث الحياة في الرموز الموسيقية، ويجعل ما هو ماض وميت يحيا مرة أخرى من خلال الإيقاع والنغم.

أما إذا كان القائم بالأداء أقل براعة، فلن يستطيع أن يؤكد ويوضح سمات أسلوب المؤلف، أو أن يكون حساسا بما تتطلبه المدونة من شروط دقيقة. ولن يميز بين طريقة مؤلف كبير أو آخر في الغناء أو العزف أو القيادة، بحيث يبدو كل ما يعزفه متشابها على نحو رتيب، وتغيب عنه الفروق الدقيقة بين أساليب مختلف المؤلفين الموسيقيين، لعجزه عن الاندماج في حياة الفنان الذي يحاول أداء أعماله والاندماج في موسيقاه. وقد يعين التدريب شخصا كهذا على مراعاة الأوجه الآلية للأداء، ولكنه في النهاية لن يستطيع أن يقدم إلى سامعيه إلا ما تمكن هو ذاته من استخلاصه من الموسيقى، وما أضفته عليها حساسيته وفهمه، فإن كانت ملكتاه الأخيرتان غير ناميتين، فسوف يظل صانعا أو حرفيا، ولكن لن يرقى إلى مرتبة الفنان الموسيقي.

وتتألف الرموز الموسيقية التي يعيد القائم بالأداء خلقها لنا في صورة موسيقى نغمية من قيم شكلية. هذه القيم تنطوي على أنماط إيقاعية وتراكيب هارمونية هي تجسيد لمشاعر المؤلف الموسيقي وأفكاره. ومهمة القائم بالأداء هي أن يحكي لنا تلك الأحوال الموسيقية بإخلاص. وعندئذ تكون لهذه الموسيقى قيمة في نظرنا إذا كانت تثير شعورا ذا طبيعة جمالية يفي بحاجاتنا النفسية والاجتماعية، ويعمل على إعلاء حياتنا الدارجة، فيتيح لنا عندئذ تحررا مؤقتا من مشاغلنا المباشرة، ويجتذبنا إلى عالم خيالي نحلق فيه ثم نعود إلى المجرى الرئيسي لحياتنا وسلوكنا، وقد انتعشنا وتجددت قوانا. وليس معنى ذلك أن من الواجب أن نقتصر في استخدامنا للموسيقى على اتخاذها مخدرا يغرقنا في الأوهام؛ فالقيمة الجمالية للموسيقى إنما تكون في مقدرتها على أن تجعلنا ندخل مع الموسيقي الذي يصور لنا العالم كما يراه ويسمعه في تجربة أو سلسلة من التجارب المشتركة. وبفضل الفن الموسيقي يمكن أن تصبح حياتنا أكثر ثراء، ووجودنا أكثر امتلاء.

Shafi da ba'a sani ba