Masanin Falsafa da Fasahar Kiɗa

Fuad Zakariyya d. 1431 AH
131

Masanin Falsafa da Fasahar Kiɗa

الفيلسوف وفن الموسيقى

Nau'ikan

وهناك تشابه ملحوظ بين مفهومي الديونيزية والأبولونية عند نيتشه، وبين شوبنهور السابق بين الموسيقى والفنون التصويرية أو التمثيلية، وفي «ميلاد التراجيديا» فقرة تشهد بهذا التشابه، وإن يكن نيتشه قد اقتصر فيها على الإشارة إلى شوبنهور دون أن يذكر اسمه.

18

فقد كان نيتشه ينظر إلى الموسيقى على أنها وسيلة يستطيع بها الإنسان أن يعيد تقويم قيمه، وأن يحول هذا العالم الأصم إلى مجال أروع وأفضل يعيش فيه الإنسان، مؤقتا على الأقل؛ ذلك لأن الموسيقى في رأيه هي قبل كل شيء فن الانفعال؛ أي إنها ديونيزية بطبيعتها. والفنان ولا سيما الموسيقي، هو الذي يستطيع في مجاله الخاص، أن يطهر المجتمع الفاسد؛ فالموسيقي يمكنه أن ينقلنا إلى أجواء أنقى وأصفى بأن يزيد فنه كمالا عن طريق تحقيق أمانينا ورغباتنا بالخيال في إطار شكلي، وبذلك يساعد على إضفاء الانسجام والنظام على حياتنا المتخبطة في الفوضى.

ومن رأي نيتشه أن فاجنر قد وقع في خطأ آخر؛ إذ حاول أن يخلص البشرية بشخصية لا طعم لها، هي شخصية «بارسيفال» الساذجة التي لم تعرف الحب ولا الخطيئة. أما شخصية «كارمن» فهي على الأقل قد أحبت وخسرت المعركة. وقد عاب نيتشه على فاجنر أنه لجأ إلى الخيال الرومانتيكي وتمسك بالأيديولوجية المسيحية في الوقت الذي كان من الواضح فيه أن آخر مسيحي قد مات على الصليب، وأن المسيحية بوصفها أسلوبا في الحياة، مبنية على قيم زائفة. أما بيزيه

Bizet

فقد عرض الحياة بطريقة واقعية على مشاهديه؛ فأحد الموسيقيين قد انتهى به الأمر إلى أن يدير ظهره للحياة، أما الآخر فقد واجهها مباشرة. وهكذا أصبح فاجنر هو الفنان الزائف الذي يتعامل مع الخداع والتظاهر، وذلك إذ يمجد الإرادة في تريستان، ثم يقضي عليها في بارسيفال الزاهد. أما بيزيه فهو الفنان الحقيقي الذي واجهت شخصياته الحياة وسعت إلى تحقيق ذاتها في عالم مليء بالفوضى.

وفي النهاية، اتفق نيتشه مع أفلاطون في قوله: «ما أكذب الشعراء!» واتهم كل الفنانين بأنهم يحتمون بالسلطان؛ إذ إنهم «كانوا في كل العصور خدما مطيعين لمذهب أخلاقي أو فلسفة أو عقيدة». وإذ وصل نيتشه إلى هذا الحد من المرارة، فقد رأى أن الإنسان الأرقى وحده (السوبر مان) هو القادر على أن يعيد تقويم كل القيم التي نحيا بها، وكان في ذلك تفنيد لرأيه الأصلي القائل إن الفن هو في أساسه «تأكيد إيجابي للحياة، وتمجيد وتأليه لها». وقد اتفق شوبنهور على أن الموسيقى تتيح لنا مهربا، وفترات من الهدوء والسلام، ولكن على حين أن الموسيقى كانت في رأي شوبنهور تتيح الانتقال من الإرادة إلى التخيل، ومن الرغبة إلى التأمل، فإنها عند نيتشه تمكننا من أن نسمو فوق عالمنا الأصم المتخبط إلى عالم وضاء، يعبر عن رغباتنا وآمالنا.

القسم الثاني: فاجنر وهانسليك

تأثر فاجنر، في المراحل الأولى من حياته الفنية، بالفيلسوف لودفيج فويرباخ

Feuerbach (1804-1872م). وكان فويرباخ قد هاجم اللاهوت المحافظ في أيامه بالقول إن للمسيحية أصلا بشريا، وإن الفلسفة لا تزيد كثيرا على لاهوت متنكر. ولقد كان هذا التفسير الطبيعي للمسيحية، الذي صور الخالق بأنه مجرد مثل أعلى متغير خلقه الإنسان، واحتفظ به لكي يلبي حاجة جمالية ودينية؛ كان متمشيا مع الثورة التي قامت في ألمانيا في أواسط القرن التاسع عشر، ضد الأوضاع الاجتماعية القائمة، والعقيدة التقليدية، والقوالب الفنية العتيقة. ولقد كان فاجنر في كتابه «العمل الفني في المستقبل» (1850م) قد اقتبس العنوان ذاته من كتاب فويرباخ «أصول فلسفة المستقبل» (1843م)، وكانت تصدره في طبعته الأصلية التي نشر فيها بوصفه بحثا مستقلا، رسالة كتبها فاجنر إلى فويرباخ، تبدأ بقوله: «لن أستطيع أن أهدي بحثي هذا إلى أحد سواك يا سيدي العزيز؛ إذ إنني إنما أعيد به إليك ما هو ملكك.»

Shafi da ba'a sani ba