الفِكْر مِن حركة؛ لأنَّ المبادئ [تَسْبَح] (^١) في الذهن؛ فيحصل المطلوبُ مِن غَيْر حركة. وتسمى هذه القضايا "الحَدْسيات".
واعْلَم أنَّ كُلًّا مِن التجربي والحدسي مقصورٌ حصول العِلْم به على صاحبه، فليس حُجَّةً على غَيْره؛ لِجَواز أنْ لا تَحْصُل التجربةُ أو الحدسُ لِغَيْره عَلَى الوجْه الذي أفادَهُ العِلْمَ.
قلتُ: ويَجْرِي مِثْل ذلك في التواتر وغَيْره؛ فإنَّ العِلْم إنما يحصل لِمَن حصَل عنده المُوجِبُ، فلا يُقْصَر ذلك على التجربي والحدسي، ولكن يَتَميزان بأنَّ أصلهما "ظَنٌّ" انضم إليه قرائن قَويَتْ حتى أفادت العِلْم، بِخِلَاف ما سبق، فإنه عِلْمٌ في أَصْله؛ وعلى هذا فلا يختص ذلك [بهما] (^٢) أيضًا، بل كُل ظني انضم إليه قرائن يَحْدُث عنها يَقينٌ - يصير ذلك عِلْمِيًّا. وإليه أَشَرْتُ بِقَوْلي: (بَلْ كُلُّ ظَنِّي حَوَى القرائن) إلى آخِره. وسيأتي بيان أنَّ الدليل السمعي لا يفيد اليقين إلَّا بواسطة قرائن تنضم إليه، ومثله ثبوت المَروِي بالآحاد لا يُقْطَع بِصحته عَمَّن نُقِلَ عنه إلَّا بقرائن، بِخِلَاف المتواتر، والله أعلم.
ص:
٥٦ - وَالْجَزْمُ لَا لِمُوجِبٍ "تَقْلِيدُ" ... صَحيحُ الِاعْتِقَادِ ذَا الْمُفِيدُ
الشرح:
لَمَّا بُيَّنَ القَيْدُ الثالث في حَدِّ العِلم (وهو كَوْنه لِمُوجِب) وشُرِحَ الموجِب، ذُكِرَ هنا ما يُحْتَرَز به عنه.
فإذَا كان حُكْمُ الذِّهنِ الجازِمُ المطابِقُ لَا لِمُوجِب، سُمِّيَ ذلك "تقليدًا"؛ لاستناده إلى