الفَوَائِدُ المَرْضِيَّةُ
1 / 1
الفَوَائِدُ المَرْضِيَّةُ
لِشَرْحِ
الدُّرَّةِ المُضِيَّةِ فِي عِلْمِ القَوَاعِدِ الفَرَضِيَّةِ
للعلامة
عبد الرحمن بن عبد الله البعلي الحنبلي
(ت: ١١٩٢ هـ)
تقديم
الشيخ العلامة: صالح بن فوزان الفوزان
تحقيق
د. عبد العزيز بن عدنان العيدان
د. أنس بن عادل اليتامى
1 / 3
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، ونشهد ألا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فإن علم الفرائض من العلوم الشرعية اللطيفة، والأصول المرعية الشريفة، التي اعتنى بها العلماء قديمًا وحديثًا، وحثوا على تعلمها وتعليمها، حتى قال عمر بن الخطاب ﵁: «تَعَلَّمُوا الْفَرَائِضَ؛ فَإِنَّهَا مِنْ دِينِكُمْ» [ابن أبي شيبة: ٣١٠٣٤]، بل ولشرف هذا العلم تولى الله تعالى تقديره بنفسه، وذكر أصوله في آياتٍ من كتابه.
ولأجل هذا الشرف والمكانة صنف العلماء فيه المصنفات، ونظموا فيه المنظومات، وذلك في سائر المذاهب الفقهية المتبوعة، ومن ذلك ما قام به العلامة عبد الرحمن بن عبد الله البعلي ﵀، حيث نظم نظمًا لطيفًا في علم الفرائض وسماه: (الدُّرَّةَ المُضِيَّةَ فِي عِلْمِ القَوَاعِدِ الفَرَضِيَّةِ)، اختصر فيه المنظومة الرحبية، وجاءت في (١١٩ بيتًا).
1 / 7
ولما اطلعنا على المنظومة، ورأينا براعة ناظمها في صياغتها، وانسكاب حبر قلمه في سبك عبارتها؛ بحثنا لشرحٍ لها، يُعين على فكِّ أقفالها، ويكشف الأستار عن مكنوناتها، فوفقنا الله تعالى إلى الوقوف على تعليق منيف لمؤلف النظم، سماه: (الفَوَائِدَ المَرْضِيَّةَ لِشَرْحِ الدُّرَّةِ المُضِيَّةِ فِي عِلْمِ القَوَاعِدِ الفَرَضِيَّةِ)، فلله الحمد والمنة.
ولما رأينا أن الكتاب لم يدخل عالم المطبوعات، ولم يُعرف عند كثير من المعتنين بعلم الفرائض فضلًا عن غيرهم، مع ما تمتاز به المنظومة وشرحها من مَيزاتٍ قد تفوق فيها المنظومة الرحبية كما سيتضح في المقارنة بينهما في قسم الدراسة، استعنَّا بالله تعالى وقمنا بتحقيقه والعمل على إخراجه، ليكون بين يَدَيْ طلاب العلم بحُلَّةٍ جميلة وترتيب لطيف.
نسأل الله تعالى أن يكون في ذلك نشر للعلم الذي يحب الله نشره، وأن يكون من البرِّ بأهل العلم الذين صنفوا تلك المصنفات وأفنوا أعمارهم في تبيين شرع الله تعالى وحكمه، وأن يبارك في هذا النظم وشرحه فتُعمر به المجالس العلمية والدروس الشرعية.
وما كان من اجتهاد خاطئ فمنَّا ومن الشيطان، ونرجو من الله العفو والغفران، ومن القارئ النصح والبيان.
والحمد لله رب العالمين
المحققان
1 / 8
ترجمة المؤلف (١)
- اسمه ونسبه:
هو عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد بن محمد الحنبلي البعلي الدمشقي الحنبلي.
_________
(١) مصادر الترجمة:
سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر، تأليف: أبو الفضل المرادي الحسيني، مطبوع عن دار البشائر الإسلامية، (٢/ ٣٠٤)، وغالب الترجمة منه لكونه معاصرًا له وفي مقام مشايخه، حتى أجاز المترجَم له المرادي بجميع مروياته وبعث بها إليه في حلب، كما ذكر ذلك المرادي في الترجمة.
النعت الأكمل لأصحاب الإمام أحمد بن حنبل، تأليف: محمد كمال الدين بن محمد الغزي العامري، مطبوع عن دار الفكر سنة ١٤٠٢ هـ، (ص ٣١١).
مختصر طبقات الحنابلة، تأليف: الشيخ محمد جميل البغدادي المعروف بابن شطي، مطبوع عن دار الكتاب العربي في بيروت، (ص ١٤٥).
السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة، تأليف: محمد بن عبد الله بن حميد النجدي ثم المكي، مطبوع عن مؤسسة الرسالة، (٢/ ٤٩٧).
تسهيل الوابلة لمريد معرفة الحنابلة، تأليف: صالح بن عبد العزيز العثيمين، مطبوع عن مؤسسة الرسالة، (٣/ ١٥٦٧).
المدخل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل، تأليف: عبد القادر بن أحمد بن بدران، مطبوع عن مؤسسة الرسالة في بيروت، (ص ٤٤٥).
فهرس الفهارس، تأليف: عبد الحي الكتاني، مطبوع عن دار الغرب الإسلامي - بيروت، (٢/ ٧٣٧).
معجم المؤلفين، تأليف: عمر بن رضا كحالة، مطبوع عن مكتبة المثنى في بيروت، (٥/ ١٤٧).
الأعلام، تأليف: خير الدين بن محمود الزركلي، مطبوع عن دار العلم للملايين، (٣/ ٣١٤).
معجم مصنفات الحنابلة، تأليف: د/عبد الله بن محمد الطريقي، (٥/ ٣٦٣).
الأنوار الجلية في مختصر الأثبات الحلبية، تأليف: محمد راغب الطباخ.
1 / 9
قال الزركلي: وُلد أحد جدوده في بعلبكّ فعُرِف بالبعلي، مولده وشهرته في دمشق، ووفاته في حلب.
- مولده ونشأته:
ولد في ضحوة يوم الأحد، الثاني عشر من جمادي الأولى، سنة عشرة ومائة وألف (١١١٠ هـ).
ثم لما بَلَغ سنَّ التمييز قرأ القرآن حتى ختمه على والده في مدة يسيرة.
ثم شرع في الاشتغال بطلب العلم في سنة عشرين، فقرأ على الشيخ عواد الحنبلي النابلسي في بعض مقدمات النحو والفقه، واشتغل عليه بالقراءة بعد ذلك نحوًا من عشرين سنة، وهو أول من أخذ عنه العلم.
ولما توفي والده في سنة اثنين وعشرين (١١٢٢ هـ)، لازم دروس الشيخ أبي المواهب الحنبلي في الفقه والحديث نحو خمس
1 / 10
سنين، ودروس الشيخ عبد القادر التغلبي في الحديث والفقه والنحو والفرائض والحساب والأصول وغير ذلك مدة خمسة عشر سنة، وأجازه إجازة عامة.
ثم لازم حفيده العلامة الشيخ محمد المواهبي نحو تسع سنين في الحديث والفقه أيضًا، وأجازه.
وحضر دروس الشيخ عبد الغني النابلسي في تفسير البيضاوي، وفي الفقه والعربية وغير ذلك، ولازمه نحو ثمان سنين، وأجازه إجازة عامة بخطه.
ولازم دروس كثير من مشايخ عصره غير هؤلاء المذكورين، منهم الإمام الشيخ محمد الكاملي، والعلامة الشيخ إلياس الكردي، والشيخ إسماعيل العجلوني، والشيخ محمد الحبال، والشيخ أحمد المنيني، والشيخ علي كزبر، وغيرهم.
وأخذ الفرائض والحساب عن الشيخ مصطفى النابلسي.
وحفظ القرآن على الحافظ المقري المتقن الشيخ إبراهيم الدمشقي.
ثم بعد أن ارتحل إلى حلب وذلك في سنة أربع وأربعين أخذ عن جماعة من أجلالها، وممن ورد إليها، فسمع الحديث المسلسل بالأولية، وأكثر صحيح الإمام البخاري من المحدث العلامة الشيخ محمد عقيلة المكي.
1 / 11
وقرأ جملة من المنطق والأصول على الشيخ صالح البصري، وطرفًا من الأصول أيضًا والتوحيد والنحو والمعاني والبيان على الشيخ محمد الحلبي المعروف بالزمار.
وحضر دروسه كثيرًا في صحيح البخاري، وأخذ العروض والاستعارات عن الفاضل الشيخ قاسم البكرجي، وأشياخه كثيرون لا يحصون عدة.
وكان بحلب مستقيمًا ساكنًا فاضلًا، وله أناس يبرونه، قائمين بمعاشه، وما يحتاج إليه، واستقام بها إلى أن مات.
- مشايخه:
ذكر البعلي في ثبته (منار الإسعاد) مشايخه الذين أخذ عنهم، فقال: (هذا ثبت جمع فيه جملة ممن تشرفت برؤيتهم، ولحظتني السعادة بأنفاسهم وبركاتهم، من مشايخي الأئمة الأعلام، وهداة الأنام، عمدة علماء التحقيق، وزبدة رؤساء التدقيق، الذين جعلهم الله تعالى لطلب علوم الشريعة المطهرة أوضح منهاج، ولجِيد هذا القرن الثاني عشر ورأسه أشرف عِقد وأعظم تاج)، ثم قال: (قد اجتمع لي بحمد الله تعالى من المشايخ عدة أفراد محققين، وجهابذة مدققين)، وأخذ في سردهم بأسمائهم وألقابهم، ومن هؤلاء:
١ - الشيخ الإمام محمد أبو المواهب الحنبلي، مفتي السادة
1 / 12
الحنابلة بدمشق الشام.
٢ - الشيخ العلامة عبد القادر بن عمر التغلبي، صاحب كتاب: (نيل المآرب بشرح دليل الطالب).
٣ - الشيخ عبد الله بن الشيخ أحمد بن محمد الحنبلي، الشهير بالخطيب
٤ - الشيخ عبد الغني النابلسي.
وذكر آخرين من علماء دمشق وغيرهم، ممن أخذ عنهم ولازمهم واستجازهم، حتى ذكر (٣٦) من العلماء، ﵏ جميعًا.
- ثناء العلماء عليه:
أثنى عليه جملة من العلماء الذين ترجموا له، فمن ذلك:
قال أبو الفضل المرادي (١٢٠٦ هـ): (الشيخ العالم الفاضل الصالح كان فقيهًا بارعًا بالعلوم خصوصًا في القراآت وغيرها).
وقال ابن بدران (١٣٤٦ هـ): (وكان فقيهًا متفننًا أديبًا شاعرًا).
وقال عبد الحي الكتاني (١٣٨٢ هـ): (الشيخ العالم الصالح المقري المسند).
وقال الغزي: (عظم أمره، وارتفع قدره، واشتهر ذكره، وغلا سعره).
1 / 13
وقال ابن شطي (١٣٧٩ هـ): (الإمام العالم العامل، الأديب البارع، الفقيه المقرئ، المفنن الأوحد).
- مؤلفاته:
له مصنفات كثيرة متنوعة، مطبوعة ومخطوطة ومفقودة، فمن ذلك:
١ - منار الإسعاد في طرق الإسناد (١).
٢ - مختصر الجامع الصغير للسيوطي، وسماه: (نور الأخبار وروض الأبرار في حديث النبي المصطفى المختار) (٢).
٣ - شرح مختصر الجامع الصغير، وسماه: (فتح الستار وكشف الأستار).
٤ - النور الوامض في علم الفرائض.
_________
(١) أورده جماعة ممن ترجم له، وهو مخطوط في دار الكتب المصرية برقم ١٣٣ - مصطلح حديث، كما في معجم مصنفات الحنابلة.
وقد اختصر هذا الثبت الشيخ محمد راغب الطباخ الحلبي في كتابه: (الأنوار الجلية في مختصر الأثبات الحلبية)، مطبوع عن دار البشائر الإسلامية، سنة ١٤٣٢ هـ، ٢٠١١ م، وقد ذكر الطباخ في مقدمته أن (منار الإسعاد) موجود بخط مؤلفه أو بخط ابنه عبد الله، ومحفوظ عند الشيخ ياسين سِريُّو ابن أخت الشيخ كامل الموقت ﵀.
(٢) قال الكتاني: (اقتصر فيه على ما رواه أحمد والبخاري ومسلم). ينظر: فهرس الفهارس ٢/ ٧٣٧.
1 / 14
٥ - الجامع لخطب الجوامع، ومختصره المسمى: النور اللامع في خطب الجوامع.
٦ - رحلة، قال في ثبته منار الإسعاد: (ذكرت فيها ما شاهدته في سياحتي من عجائب البر والبحر).
٧ - كشف المخدرات في شرح أخصر المختصرات (١).
٨ - ديوان شعر، قال المرادي: (وله ديوان رائق محتو على رقائق).
٩ - مجنى الثمرات، وقد ذكر في ثبته أنه مختصر لشرحه كشف المخدرات.
١٠ - بلوغ القاصد جل المقاصد (٢).
١١ - الدرة المضية في اختصار الرحبية، وهي منظومة.
١٢ - الفوائد المرضية شرح الدرة المضية، وهو كتابنا هذا.
١٣ - نظم الآجرومية.
١٤ - الرسالة الحلبية في اختصار الآجرومية، وشرحها: القطع الذهبية.
_________
(١) مطبوع بعناية الشيخ محمد بن ناصر العجمي، عن دار البشائر الإسلامية، سنة ١٤٢٣ هـ، ٢٠٠٢ م.
(٢) وهو شرح لمختصرنا هذا، مطبوع بعناية الشيخ محمد بن ناصر العجمي، عن دار البشائر الإسلامية، سنة ١٤٢١ هـ، في مجلد.
1 / 15
١٥ - بداية العابد وكفاية الزاهد (١).
- وفاته:
كانت وفاته بحلب، سنة اثنين وتسعين ومائة وألف (١١٩٢ هـ)، رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
_________
(١) طُبع الكتاب بتحقيقنا، عن دار ركائز، سنة ١٤٣٨ هـ.
1 / 16
التعريف بمنظومة الدرة المضية
أولًا: توثيق اسم المنظومة:
ذكر الناظم في مقدمته أنه سمى هذه المنظومة باسم: «الدرة المضية»، وفي شرحه سماها: «الدُّرَّة المضيَّة في علم القواعد الفرضيَّة»، ولعل هذا الأخير هو الاسم المعتمد لهذه المنظومة، ولم يذكر اسمها كاملًا في النظم؛ للضرورة الشعرية.
ثانيًا: منهج الناظم في المنظومة:
اشتملت المنظومة على (١١٩) بيتًا، اختصر فيها المنظومة الرحبية، المسماة: «بغية الباحث في تحقيق إرث الوارث»، لمؤلفها: أبي عبد الله، محمد بن علي الرحبي الشافعي (٥٧٧ هـ).
قال الناظم في المقدمة مبينًا طريقته فيها:
وَبَعْدَ ذَا فَهَذِهِ قَوَاعِدُ ... فِي الإرْثِ فِيهَا لِلْوَرَى فَوَائِدُ
قَد اختَصَرْتُهَا لِأَهْلِ الطَّلَبِ ... مِنْ دُرِّ مَا نَظَمَهُ ابْنُ الرَّحَبِي
1 / 17
لِكَيْ يَنَالَ المُرْتَجِي مِنْهَا الأَمَلْ ... مِنْ غَيْرِ تَطْوِيلٍ بِهِ يُبْطِي العَمَلْ
سَمَّيْتُها بِالدُّرَّةِ المُضِيَّهْ ... جَامِعَةِ القَوَاعِدِ الفَرْضِيَّهْ
وقد امتازت هذه المنظومة بميزات جليلة، تحدو الناظر فيها نظر المتمعن أن يعتني فيها ويقدمها على غيرها من المنظومات في علم الفرائض، ومن تلك الميزات:
١ - أنها منظومة وجيزة، قليلة الحشو، مع شموليتها لأبواب الفرائض، حيث جاءت في (١١٩) بيتًا، بينما جاءت المنظومة الرحبية في (١٧٦) بيتًا، وجاءت المنظومة الفارضية، لمحمد القاهري الحنبلي المعروف بالفارضي في (١٢٨) بيتًا، وقد ترك الفارضي فيها أبوابًا استكملها الشنشوري في شرحه.
٢ - سلاسة نظمها وسهولة ألفاظها، حيث جاءت المنظومة على بحر الرجز، وهو بحر معروف بسلاسته، وسهولة عبارته، بعيدة عن الألفاظ الوحشية والمفردات النادرة.
٣ - أنها منظومة مختصرة من المنظومة الرحبية، وهي منظومة شهيرة معروفة، صالحة للحفظ والتعلم، حتى قال الشنشوري عنها: (هي من أنفع ما صُنِّف في هذا العلم للمبتدئ) (١).
_________
(١) الدرة المضية الفارضية للشنشوري، ص ٧
1 / 18
٤ - شمولية المنظومة لأبواب الفرائض، حيث تضمنت ما لم تتضمنه الرحبية من الأبواب، كما سيتضح في المقارنة.
٥ - أنها منظومة حنبلية، ومؤلفها من الحنابلة المتأخرين، والمصنفين المعتبرين في المذهب، ولذا فهو يذكر في هذه المنظومة مذهب الحنابلة عند المتأخرين.
إلا في مسألتين خالف فيهما المشهور من مذهب الحنابلة،
الأولى: في توريث الغرقى ونحوهم.
والثانية: في توريث الخنثى.
٦ - أن الناظم قد يذكر الخلاف في بعض المسائل المهمة المشهورة في علم الفرائض، ويذكر قول المذهب فيها، كما في المسألة المشركة.
وغير ذلك من الميزات، ويمكن أن تتضح ميزات هذه المنظومة أيضًا عند مقارنتها بالمنظومة الرحبية التي هي أصل هذه المنظومة.
1 / 19
مقارنة بين المنظومة الرحبية ومنظومة الدرة المضية
تفترق هذه المنظومة عن المنظومة الرحبية في ثلاثة أمور رئيسية:
الأمر الأول: أن هذه المنظومة مختصرة من المنظومة الرحبية، وليس هذا الاختصار بحذف شيء من مسائل المنظومة الرحبية،، وإنما هو في إعادة صياغتها، وحذف الحشو عنها.
فجميع مسائل الرحبية موجودة في هذه المنظومة عدا ثلاث مسائل:
١ - ذكر الرحبي في المقدمة فضل علم الفرائض، وأغفل البعلي ذلك.
٢ - ذكر الرحبي قاعدة: (ليس في النساء عصبة إلا المعتقة)، ولم يذكر هذه القاعدة البعلي، وذلك في قول الرحبي:
وليس في النساء طرًّا عصبة ... إلا التي منَّت بعتق الرقبة
٣ - ذكر الرحبي في تصحيح المسائل الانكسار على فريق واحد وعلى فريقين، بينما اقتصر البعلي على ذكر الانكسار على فريقين.
1 / 20
ويتضح هذ الاختصار في ثلاثة أمور:
١ - أن عدد أبيات المنظومة الرحبية (١٧٦) بيتًا، بينما عدد أبيات هذه المنظومة (١١٩) بيتًا، فالفرق بينهما في (٥٧) بيتًا، وهذا اختصارُ قريبٍ من ثلث المنظومة.
٢ - أن كل باب من أبواب الفرائض كان عدد أبياته في هذه المنظومة أقل من المنظومة الرحبية، عدا باب المناسخات فهما متساويان، ويتضح ذلك في الجدول الآتي.
٣ - أن الرحبي ضمَّن أبيات منظومته شيئًا من الحشو والتطويل، وتمكن البعلي من التخلص منها في منظومته.
وهذا الحشو قد أثبته جماعة من الفرضيين، فقال الفارضي (٩٨١ هـ) في منظومته:
وجيزةٌ، والحشو فيها يندرُ ... فاحفظ، وحشو الرحبي سُكَّر
وأقره الشنشوري في شرحه لمنظومة الفارضي فقال: (ولما كان الحشو قد يُعاب، فربما توهم متوهم عبيًا في الرحبية للإمام أبي عبد الله محمد بن علي الرحبي ﵀، وذلك لكثرة ما فيها من الحشو، فذكر أن حشوها كالسكر، فهو تشبيه بحذف الأداة، وذلك لأن غالب حشوها له معنى صحيح مقصود في نفسه، مثل قوله: فاحفظ فكل حافظ إمام) (١).
_________
(١) الدرة المضية للشنشوري، ص ٧.
1 / 21
وقال البعلي في مقدمة شرحه عن المنظومة الرحبية: (لاشتمالها على كثير من الحشو والتَّطويل، من غير إفادة لما عليه القصد والتعويل).
وأمثلة ذلك:
أولًا: الحشو:
ومن أمثلته:
أ) ذكر الرحبي في أول باب التعصيب:
وحق أن نشرع في التعصيب ... بكل قول موجز مصيب
وهذا البيت لا علاقة له بالفرائض، وإن كان لا يخلو من فائدة.
ب) ذكر في أول باب الجد والإخوة:
ونبتدي الآن بما أردنا ... في الجد والإخوة إذ وعدنا
فألق نحو ما أقول السمعا ... واجمع حواشي الكلمات جمعا
واعلم بأن الجد ذو أحوال ... أنبيك عنهن على التوالي
1 / 22
ثانيًا: التطويل:
ومن أمثلته:
أ) ذكر الرحبي أسباب الميراث في بيتين، فقال:
أسباب ميراث الورى ثلاثة ... كل يفيد ربه الوراثة
وهي نكاح وولاء ونسب ... ما بعدهن للمواريث سبب
بينما ذكرها البعلي في بيت واحد فقال:
أسباب ميراث: نكاح، ونسب ... ثم ولاء، ما سواهن سبب
ب) ذكر الرحبي في مسألة سقوط الأخوات لأب بالأخت الشقيقة في ثلاثة أبيات، فقال:
ومثلهن الأخوات اللاتي ... يُدلين بالقرب من الجهات
إذا أخذن فرضهن وافيا ... أسقطن أولاد الأب البواكيا
وإن يكن أخ لهن حاضرا ... عصبهن باطنا وظاهرا
1 / 23
بينما ذكرها البعلي في الدرة في بيت واحد، فقال:
وتحجب الشقائق اللاتي لأب ... ما لم يكن لهن من أخ عصب
ت) ذكر الرحبي الوارثون من الرجال في (٦) أبيات، بينما ذكرهم البعلي في (٣) أبيات.
الأمر الثاني: أن هذه المنظومة زادت على المنظومة الرحبية أبوابًا، أغفل الرحبي ذكرها، وهي أربعة أبواب: باب أركان الإرث، وباب شروط الإرث، وباب الرد، وباب ذوي الأرحام.
الأمر الثالث: أن الرحبي من علماء الشافعية، وقد جعل منظومته على مذهب الشافعية، وأما البعلي فهو من فقهاء الحنابلة، ولذا فقد جعل منظومته موافقة لما عليه المتأخرين من الحنابلة إلا في مسألتين خالف فيهما المشهور من مذهب الحنابلة،
الأولى: في توريث الغرقى ونحوهم، والثانية: في توريث الخنثى.
وفي نهاية هذه المقارنة، ومع جلالة المنظومة الرحبية وجلالة مؤلفها وكثرة شروحها، فإن هذه المنظومة المسماة: الدرة المضية، إن لم تكن أعلى رتبة من المنظومة الرحبية، فإنها لا تقل عنها براعةً ومتانةً وعلمًا، والله تعالى أعلم.
جدول يبين عدد أبيات الأبواب في المنظومة الرحبية ومنظومة الدرة المضية.
1 / 24