[1/ 163]
القسم الثاني
التحقيق
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لوليه، والصلاة على نبيه، وعلى آله وأصحابه المتأدبين بآدابه.
أما بعد، فهذه فوائد وافية بحل مشكلات الكافية للعلامة المشتهر في المشارق والمغارب الشيخ ابن الحاجب، تغمده الله تعالى بغفرانه، وأسكنه بحبوحة جنانه، نظمتها في سلك التقرير وسمط التحرير للولد العزيز ضياء الدين يوسف، حفظه الله سبحانه وتعالى عن موجبات التلهف والتأسف، وسميتها بالفوائد الضيائية، لأنه لهذا الجمع والتأليف كالعلة الغائية، نعفه الله تعالى بها وسائر المبتدئين من أصحاب التحصيل، وما توفيقي إلا بالله، وهو حسبي ونعم الوكيل.
Shafi 153
اعلم أن الشيخ رحمه الله لم يصدر رسالته هذه بحمد الله سبحانه، بأن جعله جزءا منها هضما لنفسه بتخييل أن كتابه هذا من حيث إنه كتابه ليس ككتب السلف رحمهم الله تعالى حتى يصدر به على سننها، ولا يلزم من ذلك عدم الابتداء [1/ 164]
به مطلقا/2/أ، حتى يكون بتركه أقطع لجواز إتيانه بالحمد من غير أن يجعله جزءا من كتابه. وبدأ بتعريف الكلمة والكلام، لأنه يبحث في هذا الكتاب عن أحوالهما، فمتى لم يعرفا، كيف يبحث عن أحوالهما؟ وقدم الكلمة على الكلام، لكون أفرادها جزءا من أفراد الكلام، ومفهومها جزءا من مفهومه، فقال:
Shafi 154
[1/ 165]
" الكلمة "
قيل: هي والكلام مشتقان من الكلم - بتسكين اللام -: وهو الجرح، لتأثير معانيهما في النفوس كالجرح، وقد عبر بعض الشعراء عن بعض تأثيراتها بالجرح حيث قال:
جراحات السنان لها التئام ... ... ولا يلتأم ما جرح اللسان
والكلم - بكسر اللام -: جنس لا جمع ك (تمر وتمرة) بدليل قوله تعالى: {إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح}.
Shafi 155
[1/ 166]
وقيل: جمع، حيث لا يقع إلا على الثلاث فصاعدا.
والكلم الطيب يؤول ببعض الكلم. واللام فيها للجنس والتاء للوحدة، ولا منافاة بينهما، لجواز اتصاف الجنس بالوحدة والواحد بالجنسية، يقال: (هذا الجنس واحد) و(ذلك الواحد جنس). ويمكن حملها على العهد الخارجي بإرادة الكلمة المذكورة على السنة النحاة.
" لفظ " اللفظ في اللغة: الرمي يقال: (أكلت التمرة ولفظت النواة) أي: رميتها، ثم نقل في عرف النحاة ابتدءا أو بعد جعله بمعنى الملفوظ، ك (الخلق) بمعنى المخلوق إلى ما يتلفظ به الإنسان حقيقة كان أو حكما مهملا كان أو موضوعا، مفردا كان أو مركبا. واللفظ الحقيقي ك (زيد) و(ضرب) والحكمي: كالمنوي في (زيد ضرب) و(أضرب)، إذ ليس من مقولة الحرف والصوت أصلا، ولم يوضع له لفظ، وإنما عبروا عنه /2/ب باستعارة لفظ المنفصل له من نحو: (هو) و(أنت) وأجروا عليه أحكام اللفظ، فكان لفظا حكما لا حقيقة والمحذوف لفظ حقيقة، لأنه قد يتلفظ به الإنسان في بعض الأحيان وكلمات الله تعالى داخله فيه، إذ هي مما يتلفظ به الإنسان، وعلى هذا القياس كلمات الملائكة والجن.
Shafi 156
والدوال الأربع: وهي الخطوط والعقود والإشارات والنصب غير داخلة في اللفظ فلا حاجة إلى قيد زائد يخرجه. وإنما قال (لفظ) ولم يقل (لفظة) لأنه لم [1/ 167]
يقصد والحدة، والمطابقة غير لازمة لعدم الاشتقاق مع كون اللفظ أخصر.
" وضع " الوضع: تخصيص شيء بشيء، بحيث متى أطلق وأحس الشيء الأول فهم منه الشيء الثاني.
قيل: يخرج عنه وضع الحرف، حيث لا يفهم معناه متى أطلق بل إذا أطلق مع ضم ضميمة، وأجيب عنه بأن المراد متى أطلق إطلاقا صحيحا وإطلاق الحرف بلا ضم ضميمة غير صحيح، ولا يبعد أن يقال: إن المراد بإطلاق الألفاظ أن يستعملها أهل اللسان في محاوراتهم وبيان مقاصدهم، فلا حاجة إلى اعتبار قيد زائد.
Shafi 157
" لمعنى " المعنى: ما يقصد بشيء، فهو إما (مفعل) اسم مكان بمعنى المقصد أو مصدر ميمي بمعنى (المفعول) أو مخفف (معنى) اسم المفعول، ك (مرمي). ولما كان [1/ 168]
المعنى مأخوذا في الوضع، فذكر المعنى بعده مبني على تجريده عنه، فخرج به المهملات والألفاظ الدالة بالطبع، إذ لم يتعلق بهما وضع وتخصيص أصلاه، وبقيت حروف الهجاء الموضوعة لغرض التركيب لا بإزاء المعنى، وخرجت بقوله (لمعنى)، إذ وضعها لغرض التركيب لا بإزاء المعنى فإن قلت /3/أقد وضع بعض الألفاظ بإزاء بعض آخر فكيف يصدق عليه أنه وضع لمعنى؟ قلنا: المعنى ما يتعلق به القصد، وهو أعم من أن يكون لفظا أو غيره. فإن قلت: قد وضع بعض الكلمات المفردة بإزاء الألفاظ المركبة، كلفظ (الجملة) و(الخبر)، فكيف يكون موضوعا لمفرد؟، قلنا هذه الألفاظ وان كانت بالقياس إلى معانيها مركبة، لكنها بالقياس إلى ألفاظها الموضوعة بإزائها مفردة. وقد أجيب عن الإشكالين: بأنه ليس هاهنا لفظ وضع بإزاء لفظ آخر كان أو مركبا بل بإزاء مفهوم كلي أفراده ألفاظ كلفظ الاسم والفعل والحرف والجملة والخبر وغيرها، ولا يخفى عليك أن هذا الحكم منقوض بأمثال الضمائر الراجعة إلى ألفاظ مخصوصة مفردة أو مركبة، فإن الوضع فيها وإن كان عاما لكن الموضوع له خاص فليس هناك مفهوم كلي هو الموضوع له في الحقيقة.
Shafi 158
[1/ 169]
Shafi 159
" مفرد " وهو إما مجرور على أنه صفة لمعنى، ومعناه حينئذ ما لا يدل جزء لفظه على جزئه، وفيه توقف، لأنه يوهم أ، اللفظ موضوع للمعنى المتصف بالإفراد والتركيب قبل الوضع، وليس الأمر كذلك، فإن اتصاف المعنى بالإفراد والتركيب إنما هو بعد الوضع، فينبغي أن يرتكب فيه تجوز كما يرتكب في مثل: (من قتل قتيلا) أو مرفوع على أنه صفة اللفظ ومعناه حينئذ ما لا يدل جزؤه على جزء معناه، ولا بد حينئذ من بيان نكتة في إيراد أحد الوصفين جملة فعلية، والآخر مفردا، وكأن النكتة فيه التنبيه على تقدم الوضع على الإفراد، حيث أتى به/3/ب بصيغة المضي بخلاف الإفراد، وأما نصبه - وإن لم يساعده رسم الخط - فعلى أنه حال من الضمير المستكن في (وضع) أو من المعنى، فإنه مفعول به بواسطة اللام ووجه [1/ 170]
Shafi 160
صحته، أن الوضع وإن كان متقدما على الإفراد بحسب الذات لكنه مقارن له بحسب الزمان وهذا القدر كاف لصحة الحالية، وقيد الإفراد، لا خراج المركبات مطلقا سواء كانت كلامية أو غير كلامية، فيخرج به عن حد الكلمة، مثل: (الرجل) و(قائمة) و(بصري) وأمثالها مما يدل جزء اللفظ منه على جزء المعنى، لكنه يعد لشدة الامتزاج لفظة واحدة، وأعرب بإعراب واحد. ويبقى مثل: (عبد الله) علما داخلا فيه مع أنه معرب بإعرابين، ولا يخفى على الفطن العارف بالغرض من علم النحو أنه لو كان الأمر بالعكس لكان أنسب. وما أورده صاحب المفصل في تعريف الكلمة حيث قال: " هي اللفظة الدالة على معنى مفرد بالوضع " فمثل: (عبدالله) علما خرج [1/ 171]
عنه، فإنه لا يقال له لفظة واحدة وبقى مثل (الرجل وقائمة بصري) مما يعد لشدة الامتزاج لفظة واحدة داخلا فيه، فأخرجه بقيد الإفراد ولو لم يخرجه بتركه لكان أنسب، كما عرفت. واعلم أن الوضع يستلزم الدلالة، لأن الدلالة كون الشيء بحيث يفهم منه شي آخر. فمتى تحقق الوضع تحققت الدلالة. فبعد ذكر الوضع لا حاجة إلى ذكر الدلالة، كما وقع في هذا الكتاب.
Shafi 161
لكن الدلالة لا تستلزم الوضع لإمكان أن يكون بالعقل كدلالة لفظ (ديز) المسموع من وراء الجدار على وجود اللافظ وأن تكون بالطبع كدلالة لفظ (أح أح) على وجع الصدر. فبعد ذكر الدلالة لا بد من ذكر الوضع كما في (المفصل) /4/أ" وهي " أي الكلمة: " اسم وفعل وحرف "، أي: منقسمة إلى هذه الأقسام الثلاثة ومنحصرة [1/ 172]
فيها " لأنها " أي الكلمة: لما كانت موضوعة لمعنى والوضع يستلزم الدلالة فهي " إما " من صفتها " أن تدل على معنى *كائن* في نفسها " أي: في نفس الكلمة.
والمراد بكون المعنى في نفسها أن تدل الكلمة عليه بنفسها من غير حاجة إلى انضمام كلمة أخرى إليها لاستقلاله بالمفهومية " أو " من صفتها أن " لا تدل " على معنى في نفسها بل تدل على معنى تحتاج في الدلالة عليه إلى انضمام كلمة أخرى إليها لعدم استقلاله بالمفهومية، وسيجيء تحقيق ذلك في بيان حد الاسم إن شاء الله تعالى.
القسم " الثاني ": وهو ما لا يدل على معنى في نفسها " الحرف " ك (من والى) فإنهما يحتاجان في الدلالة على معنييهما أعني: الابتداء والانتهاء إلى كلمة أخرى ك (البصرة والكوفة) في قولك: (سرت من البصرة إلى الكوفة). وإنما سمي هذا القسم حرفا، لأن الحرف في اللغة: الطرف وهو في طرف، أي: في جانب مقابل للاسم الفعل حيث يقعان عمدة في الكلام وهو لا يقع عمدة فيه كما سنعرف.
Shafi 162
" و" القسم " الأول " وهو ما يدل على معنى في نفسها، " إما " من صفتها " أن يقترن " ذلك المعنى المدلول عليه بنفسها في الفهم عنها " بأحد الأزمنة الثلاثة ": الماضي والحال والاستقبال، أي: حين يفهم ذلك المعنى عنها يفهم عنها أحد [1/ 173]
الأزمنة الثلاثة أيضا. مقارنا له " أو " من صفتها، أن " لا " يقترن ذلك المعنى المدلول عليه بنفسها في الفهم عنها مع أحد الأزمنة الثلاثة القسم " الثاني ": وهو ما يدل على معنى في نفسها غير مقترن بأحد الأزمنة الثلاثة.
" الاسم " /4/ب وهو مأخوذ من السمو وهو العلو لاستعلائه على أخويه حيث يتركب منه وحده الكلام دون أخويه. وقيل من الوسم وهو العلامة، لأنه علامة على مسماه.
" و" القسم " الأول ": وهو ما يدل على معنى في نفسها مقترن بأحد الأزمنة الثلاثة.
Shafi 163
" الفعل ": سمي به لتضمنه معنى الفعل اللغوي وهو المصدر " وقد علم بذلك " أي: بوجه حصر الكلمة في الأقسام الثلاثة " حد كل واحد منها " أي: من تلك الأقسام الثلاثة وذلك لأنه قد علم به، أي: بوجه الحصر أن الحرف كلمة تدل على معنى في نفسها بل تحتاج إلى انضمام كلمة أخرى إليها والفعل كلمة تدل على معنى في نفسها لكنه مقترن بأحد الأزمنة الثلاثة، واسم كلمة تدل على معنى في نفسها لكنه غير مقترن بأحد الأزمنة الثلاثة. فالكلمة مشتركة بين الأقسام الثلاثة، والحرف ممتاز عن أخويه بعدم الاستقلال في الدلالة، والفعل ممتاز عن الحرف بالاستقلال وعن الاسم بالاقتران والاسم ممتاز عن الحرف بالاستقلال وعن الفعل بعدم الاقتران. فعلم لكل واحد [1/ 174]
منها معرف جامع لأفراده، مانع عن دخول غيرها فيه.
وليس المراد بالحد هاهنا إلا المعرف الجامع المانع، ولله در المصنف حيث أشار إلى حدودها في ضمن دليل الحصر، ثم نبه عليها بقوله: وقد علم بذلك حد كل واحد منها، ثم صرح بها فيما بعد بناء على تفاوت مراتب الطبائع.
Shafi 164
[1/ 175]
" الكلام "
في اللغة ما يتكلم به قليلا كان أو كثيرا، وفي اصطلاح النحاة " ما تضمن " أي: لفظ تضمن " كلمتين "، حقيقة أو حكما، أي: تكون كل واحدة منهما في ضمنه/5/أ. فالمتضمن - اسم فاعل - هو المجموع والمتضمن - اسم مفعول - هو كل واحدة من الكلمتين، فلا يلزم اتحادهما. " بالإسناد "، أي: تضمنا حاصلا بسبب إسناد إحدى الكلمتين إلى الأخرى. والإسناد نسبة إحدى الكلمتين حقيقة أو حكما إلى الأخرى بحيث تفيد المخاطب فائدة تامة. فقوله: (ما) لفظ يتناول المهملات والمفردات والمركبات الكلامية وغير الكلامية وبقيد (تضمن الكلمتين) خرجت المهملات والمفردات، وبقيد (الإسناد) خرجت المركبات غير الكلامية، مثل: (غلام زيد) و" (رجل فاضل) وبقيت المركبات الكلامية سواء كانت خبرية، مثل: (ضرب زيد) و(ضربت هند) و(زيد قائم) أو إنشائية مثل: (اضرب) و(لا تضرب).
Shafi 165
فإن كل واحد منهما تضمن كلمتين، إحداهما: ملفوظة، والأخرى: منوية، وبينهما إسناد يفيد المخاطب فائدة تامة، وحيث كانت الكلمتان أعم من أن تكونا كلمتين حقيقة أو حكما، دخل في التعريف مثل: (زيد أبوه قائم) أو (قائم أبوه) أو (قائم أبوه)، فإن الإخبار فيها مع أنها مركبات في حكم الكلمة المفردة أعني: (قائم الأب). ودخل فيه أيضا مثل (جسق مهمل)، (ديز مقلوب زيد) مع أن المسند [1/ 176]
إليه فيهما مهمل، ليس بكلمة فإنه في حكم هذا اللفظ.
Shafi 166
اعلم أن كلام المصنف ظاهر في أن، نحو: (ضربت زيدا قائما) بمجموعة كلام بخلاف كلام صاحب المفصل، حيث قال: " الكلام هو المركب من كلمتين أسندت إحداهما إلى الأخرى "، فإنه صريح في أن الكلام هو (ضربت) فقط والمتعلقات خارجة عنه 5/ب. ثم اعلم، أن صاحب المفصل وصاحب اللباب ذهبا إلى ترادف الكلام والجملة. وكلام المصنف أيضا ينظر إلى ذلك. فإنه قد اكتفى في تعريف الكلام. بذكر الإسناد مطلقا ولم يقيده بكونه مقصودا لذاته. ومن جعله أخص من الجملة قيده به فحينئذ تصدق الجملة الخبرية الواقعة [1/ 177]
Shafi 167
أخبارا أو أوصافا بخلاف الكلام. وفي بعض الحواشي: أن المراد بالإسناد هو الإسناد المقصود لذاته، وحينئذ يكون الكلام عند المصنف أيضا أخص من الجملة. " ولا يتأتى " أي: لا يحصل " ذلك " أي: الكلام " إلا في " ضمن " اسمين " أحدهما مسند والآخر مسند إليه " أو " في ضمن " اسم " مسند إليه " وفعل " مسند. وفي بعض النسخ (أو في فعل واسم) فإن التركيب الثنائي العقلي بين الأقسام الثلاثة يرتقي إلى ستة أقسام، ثلاثة منها من جنس واحد، اسم واسم، فعل وفعل، حرف وحرف. وثلاثة منها من جنسين مختلفين اسم وفعل، اسم وحرف، فعل وحرف. ومن البين، أن الكلام لا يحصل بدون الإسناد، والإسناد لا بد له من مسند ومسند إليه، وهما لا يتحققان إلا في ضمن اسمين، أو في اسم وفعل. وأما الأقسام الأربعة الباقية، ففي الحرف والحرف كلاهما مفقودان، وفي الفعل والفعل، وفي الفعل والحرف المسند إليه مفقود. وفي الاسم والحرف أحدهما مفقود، فان الاسم إن كان مسندا فالمسند إليه مفقود، وإن كان مسندا إليه فالمسند مفقود. ونحو (يا زيد) [1/ 178]
بتقدير: أدعو زيدا، فلم يكون من تركيب الحرف والاسم بل من تركيب 6/أالفعل والاسم، الذي هو المنوي في (أدعو).
Shafi 168
[1/ 179]
الاسم
" ما دل " أي: كلمة دلت " على معنى " كائن في نفسه " أي: في نفس ما دل، يعني: الكلمة.
فتذكير الضمير بناء على لفظ الموصول.
Shafi 169
قال المصنف في الإيضاح شرح المفصل: الضمير في (ما دل على معنى في نفسه) يرجع إلى (معنى) أي: ما دل على معنى باعتباره في نفسه وبالنظر إليه في نفسه، لا باعتبار أمر خارج عنه، كقولك: الدار في نفسها حكمها كذا، أي: لا باعتبار أمر خارج عنها، ولذلك قيل: الحرف ما دل على معنى في غيره أي: حاصل في غيره، أي: باعتبار متعلقه لا باعتباره في نفسه انتهى كلامه، ومحصوله: ما ذكره بعض المحققين حيث قال: كما أن في الخارج موجودا قائما بذاته وموجودا قائما بغيره كذلك [1/ 180]
Shafi 170
في الذهن معقول هو مدرك قصدا ملحوظ في ذاته، يصلح أن يحكم عليه وبه، ومعقول هو مدرك تبعا وآلة لملاحظة غيره، فلا يصلح لشيء منهما. فالابتداء مثلا إذا لاحظه العقل قصدا وبالذات كان معنى مستقلا بالمفهومية ملحوظا في ذاته، ولزمه تعقل متعلقه إجمالا وتبعا من غير حاجة إلى ذكره وهو بهذا الاعتبار مدلول لفظ الابتداء فقط، فلا حاجة في الدلالة عليه إلى ضم كلمة أخرى إليه ليدل على متعلقه، وهذا هو المراد بقولهم: إن للاسم والفعل معنى كائنا في نفس الكلمة الدالة عليه. وإذا لاحظه العقل من حيث هو حالة بين السير والبصرة مثلا، وجعله آلة لتعرف حاليهما، كان معنى غير مستقل بالمفهومية ولا يصلح أن يكون محكوما عليه وبه ولا يمكن أن يتعقل 6/ب إلا بذكر متعلقه بخصوصه، ولا أن يدل عليه إلا بضم كلمة دالة على متعلقه بخصوصه. والحاصل، أن لفظ (الابتداء) موضوع لمعنى كلي، ولفظة (من) موضوعة لكل واحد من جزيئاته المخصوصة المتعلقة، من حيث إنها حالات لمتعلقاتها، وآلات لتعرف أحوالها، وذلك المعنى الكلي يمكن أن يتعقل قصدا، ويلاحظ في حد ذاته فيستقل بالمفهومية، ويصلح أن يكون محكوما عليه، وبه، وأما تلك الجزيئات فلا تستقل بالمفهومية، ولا تصلح أن تكون محكوما عليها، أو بها، إذ [1/ 181]
لا بد في كل منها أن يكون ملحوظا قصدا، ليمكن أن تعتبر النسبة بينه وبين غيره، بل تلك الجزيئات لا تتعقل إلا بذكر متعلقاتها، لتكون آلات، لملاحظة أحوالها، وهذا هو المراد بقولهم: إن الحرف يدل على معنى في غيره. وإذا عرفت هذا، علمت أن المراد بكينونة المعنى في نفسه استقلاله بالمفهومية، وبكينونة المعنى، في نفس الكلمة، دلالتها عليه من غير حاجة إلى ضم كلمة أخرى إليها لاستقلاله بالمفهومية. فمرجع كينونة المعنى في نفسه وكينونته في نفس الكلمة الدالة عليه إلى أمر واحد وهو، استقلاله بالمفهومية.
ففي هذا الكتاب، الضمير المجرور في (نفسه)، يحتمل أن يرجع إلى (ما) الموصولة التي هي عبارة عن الكلمة وهذا هو الظاهر، ليكون على طبق ما سبق في وجه الحصر من كينونة المعنى في نفس الكلمة، ويحتمل أن يرجع إلى المعنى تنبيها على صحة إرادة كلا المعنيين، ولكن عبارة (المفصل) ظاهرة في المعنى الأخير، وهو إرجاع الضمير إلى المعنى، لعدم مسبوقيتها بما يدل على اعتبار كينونة المعنى في نفس الكلمة/7/أ، ولهذا جزم المصنف هناك برجوعه إلى المعنى.
ومما سبق من التحقيق ظهر أنه لا يختل حد الاسم جمعا، ولا حد الحرف منعا بالأسماء اللازمة الإضافة، مثل: (ذو وفوق، وتحت، وقدام، وخلف).
Shafi 171
[1/ 182]
إلى غير ذلك، لأن معانيها مفهومات كلية مستقلة بالمفهومية، ملحوظة في حد ذاتها، ولزمها تعقل متعلقاتها إجمالا وتبعا من غير حاجة إلى ذكرها، لكن لما جرت العادة باستعمالها في مفهوماتها مضافة إلى متعلقات مخصوصة، لأنه الغرض من وضعها، لزم ذكرها، لفهم هذه الخصوصيات، لا لأجل فهم أصل المعنى فهي دالة على معانيها المعتبرة في حد نفسها لا في غيرها، فهي داخلة في حد الاسم خارجة عن حد الحرف. ولما كان الفعل دالا على معنى في نفسه باعتبار معناه التضمني أعني: الحدث وكان ذلك المعنى مقترنا مع أحد الأزمنة الثلاثة في الفهم عن لفظ الفعل أخرجه بقوله: " غير مقترن بأحد الأزمنة الثلاثة " أي: غير مقترن مع أحد الأزمنة الثلاثة في الفهم عن اللفظ الدال عليه فهو صفة بعد صفة (لمعنى)، فبالصفة الأولى خرج الحرف عن حد الاسم، وبالثانية الفعل.
والمراد (بعدم الاقتران) أن يكون بحسب الوضع الأول، فدخل فيه أسماء الأفعال جميعا، لأن جميعها إما منقولة عن المصادر الأصلية سواء كان النقل فيه صريحا نحو:
Shafi 172