Fawaid Dhahabiyya
الفوائد الذهبية من سير أعلام النبلاء جـ 2
Nau'ikan
إبراهيم بن جابر قال: كنت أجلس في حلقة إبراهيم الحربي، وكان يجلس إلينا غلامان في نهاية الحسن والجمال من الصورة والبزة وكأنهما روح في جسد إن قاما قاما معا، وإن حضرا فكذلك، فلما كان في بعض الجمع، حضر أحدهما وقد بان الاصفرار في وجهه والانكسار في عينيه، فلما كانت الجمعة الثانية، حضر الغائب ولم يحضر الذي جاء في الجمعة الأولى منهما وإذا الصفرة والانكسار بينان في لونه، وقلت: إن ذلك للفراق الواقع بينهما وذلك للألفة الجامعة لهما فلم يزالا يتسابقان في كل جمعة إلى الحلقة، فأيهما سبق صاحبه إلى الحلقة لم يجلس الآخر، فلما كان في بعض الجمع، حضر أحدهما فجلس إلينا، ثم جاء الآخر فأشرف على الحلقة، فوجد صاحبه قد سبق، وإذا المسبوق قد أخذته العبرة، فتبينت ذلك منه في دائرة عينيه، وإذا في يساره رقاع صغار مكتوبة، فقبض بيمينه رقعة منها، وحدف بها في وسط الحلقة، وانساب بين الناس مستخفيا وأنا أرمقه، وكان ثم أبو عبيدة بن حربويه فنشر الرقعة وقرأها وفيها دعاء، أن يدعو لصاحبها مريضا كان أو غير ذلك، ويؤمن على الدعاء من حضر؛ فقال الشيخ: اللهم اجمع بينهما وألف قلوبهما، واجعل ذلك فيما يقرب منك، ويزلف لديك، وأمنوا على دعائه ثم طوى الرقعة وحذفني بها، فتأملت ما فيها فإذا فيها مكتوب.
عفا الله عن عبد أعان بدعوة ... لخلين كانا دائمين على الود
إلى أن وشى واشي الهوى بنميمة ... إلى ذاك من هذا فحالا عن العهد
فلما كان في الجمعة الثانية حضرا جميعا وإذا الاصفرار والانكسار قد زال.
فقلت لابن حربويه: إني أرى الدعوة قد أجيبت وأن دعاء الشيخ كان على التمام فلما كان في تلك السنة كنت فيمن حج، فكأني أنظر إلى الغلامين محرمين بين منى وعرفة، فلم أزل أراهما متآلفين إلى أن تكهلا.
ومن كلام إبراهيم الحربي رحمه الله: أجمع عقلاء كل ملة أنه من لم يجر مع القدر لم يتهنأ بعيشه.
فرد عقبي صحيح والآخر مقطوع، ولا أحدث نفسي أني أصلحهما ولا شكوت إلى أهلي وأقاربي حمى أحدها لا يغم الرجل نفسه وعياله ولي عشر سنين أبصر بفرد عين، ما أخبرت به أحدا.
Shafi 96