توضيح ذلك أن الشيخ ابن عبد السلام يقول في هذا الموضع: (أحكام الله تعالى كلها مصالح لعباده) (قواعد الأحكام ١: ٢٩٧). وبناء عليه بدأ الشيخ يفصّل تلك الأحكام، سواء ما تعلق منها بالقلوب أو الأبدان أو الجوارح أو الحواس. . . إلخ.
فمن ذلك أن الشيخ نبّه أن هناك أحكامًا تتعلّق بجارحتي (الأفواه والبطون) من الواجبات والمحرّمات والمندوبات والمستحبات. . . إلخ، ومبناها جميعًا على المصالح والمفاسد، فينبغي امتثال ما يُعتبر مصلحةً واجتناب ما يُعدّ مفسدةً. فمما ينبغي اجتنابه في حق هاتين الجارحتين لكونه محرَّمًا، فهو مفسدةٌ في حقهما: أنَّه "لا يجوز أن يُلقَى فيها ما يَحرُم أكله". (النص ٢٧٧).
فجاء البلقيني وتعقب على هذا بأنّه يجوز إلقاء ما لا يتحلل منه شيء إلى الجوف، كالزجاج!
وكما يُلحظ فإنَّه تعقيب بعيدٌ عن النظرة المقاصدية التي يريدها الشيخ في هذا الموضع، إذ إن قصد الشيخ -كما وضحته قبل قليل- هو تقرير أحكام هاتين الجارحتين التي تظهر فيها آثار المصالح والمفاسد، ومن ثَمّ مثّل الشيخ لذلك ببعض الأمثلة، ومنها هذا المثال (لا يجوز إلقاء ما يحرُم أكله في الأفواه والبطون).
وليس قصد الشيخ هنا: بيان ما في نفس الأمر مما يجوز أن يُلقى في الأفواه والبطون، وما لا يجوز؛ إذ محلّ ذلك في كتب الفقه والفتاوى. ولعله لا يُتصور أن مثل الشيخ ابن عبد السلام يغيب عنه -عند تقرير مثل هذه النظرة المقاصدية في أحكام هاتين الجارحتين- ما ذكره البلقيني من هذا الاستدراك بمسألة فرعية لو وقعت ولو صح التسليم بها، لكانت من النوادر أو
1 / 51