Fatwas on Monotheism
فتاوى في التوحيد
Mai Buga Littafi
دار الوطن للنشر
Lambar Fassara
الأولى
Shekarar Bugawa
١٤١٨ هـ
Nau'ikan
مقدمة الشيخ / عبد الله بن جبرين "حفظه الله "
الحمد لله وحده، وصلى الله وسلم على محمد وآله وصحبه.
وبعد: فقد كنت كتبت هذه المسائل المتعلقة بالتوحيد والعقيدة قبل أربع سنوات، وذلك بناء على رغبة الأخ: حمد بن إبراهيم الحريقي -وفقه الله-، وقد التزمت ألا أخرج فيها عما أعرفه من معتقد أهل السنة والجماعة، والذي يدل عليه الكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة وأئمتها، والذي تلقيته عن مشايخنا من تلامذة أئمة الدعوة، فما كان فيه من صواب فهو من الله -تعالى-، وهو الموفق له، وله الفضل والمنة، وما كان فيه من خطأ فمني ومن جهلي ونقصي، وعلى من عرف الخطأ فيه أن ينبهني، والرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل، نسأل الله أن يمن علينا بالهداية والتوفيق لأقوم طريق، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله الجبرين
1 / 6
تقديم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
أما بعد:
فهذه مجموعة أسئلة كنت قد كتبتها ثم عرضتها على صاحب الفضيلة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين -حفظه الله-، وذلك عام ١٤١٢هـ، وكانت النسخة الأصل لدي، حيث إنني قد عزمت على إخراج مجموع فتاوى للشيخ عبد الله بعد أن أخذت الموافقة منه شفهيا، ثم صدر المجموع من ترتيب أخي علي أبو لوز، وبعد تلك الشهور العديدة رأيت أن أخرجها بجزء مستقل؛ خشية الإثم من كتم العلم وعدم إخراجه للناس، فكان هذا الكتاب الذي يحوي مجموعة من الفتاوى الخاصة بالتوحيد، أسأل الله -جل وعلا- أن ينفع بها.
ونسأل الله -جل وعلا- الإخلاص في الأقوال والأعمال، وأن يجزي الشيخ خير الجزاء على جهوده.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
كتبه حمد بن إبراهيم الحريقي الرس ص ب: ٥٥٣ وتحريرا في القويعية مساء الأحد ٧/ ٥/١٤١٦هـ
1 / 7
حكم التداوي بالقرآن
س١: ما حكم التداوي بالقرآن؟
الجواب: لا بأس بذلك، فإن الله -تعالى- أخبر بأن القرآن شفاء، وأن منه شفاء، فقال -تعالى-: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ﴾ (١) وقال -تعالى-: ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ (٢)، وقال -تعالى-: ﴿قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ﴾ (٣) ويؤخذ من هذه الآيات أن الاستشفاء به يختص بالمؤمنين العاملين به، المصدقين بأنه كلام الله، وأن ذلك يستلزم اعتقادهم صحة التداوي به، واطمئنان قلوبهم إليه، ولا بد مع ذلك من صحة إيمان القارئ وعمله بالقرآن، ومعرفته بالآيات والسور التي يتداوى بها: كآيات السكينة، وآيات الشفاء، وآيات التخفيف، وآيات الأسماء والصفات للرب ﷿، وآيات التوحيد والاعتماد على الله -تعالى-، ويكون ذلك بأن ينفث المريض على نفسه مع قراءتها، أو ينفث عليه القارئ ويقرؤها، أو يخص العضو المتألم فينفث عليه ويمسحه بيده، ويكرر ذلك مرارا،
_________
(١) سورة يونس، الآية: ٥٧.
(٢) سورة الإسراء، الآية: ٨٢.
(٣) سورة فصلت، الآية: ٤٤.
1 / 9
وهذا -بإذن الله وقدرته- يشفي من كل الأمراض: كالمس، والعين، والسحر. والأمراض المستعصية: كالسرطان، والقروح، والأعضاء المتآكلة، وذلك واقع ومجرب ولو استبعده الأطباء وعامة الناس، فإن التجربة أكبر برهان. والله أعلم.
معنى الورود: ﴿وإن منكم إلا واردها﴾
س٢: ما معنى الورود في قوله -تعالى-: ﴿وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا﴾ (١) الآية؟
الجواب: ذكر ابن كثير في التفسير عدة أقوال وآثار عن السلف في تفسير الورود للنار:
منها: أن الورود الدخول، لقوله -تعالى-: ﴿فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ﴾ (٢).
ومنها: أنه العبور على الصراط المنصوب على متن جهنم، وفي بعض الآثار أنهم يقال لهم: قد مررتم عليها وهي خامدة، وفي بعضها أنها تقول: جز يا مؤمن، فقد أطفأ نورك لهبي.
_________
(١) سورة مريم، الآية: ٧١.
(٢) سورة هود، الآية: ٩٨.
1 / 10
وقيل: إن الورود قيامهم حول النار، ثم يصدرون بأعمالهم، وكان كثير من السلف يشتد خوفهم فيقولون: أخبرنا الله أنا نردها، ولم يخبرنا أنا نصدر عنها.
وقد ورد في الحديث الصحيح عن أبي هريرة مرفوعا: «لا يموت لمسلم ثلاثة من الولد فيلج النار إلا تحلة القسم» (١).
وقد ذكر ابن حجر في "فتح الباري" (٣/ ١٢٤) خلافا في الورود المذكور، وصحح القول بأنه الدخول ثم الخروج، أو أنه الممر عليها، واستدل على ذلك، وضعف القول بأنه مختص بالكفار، أو أنه الدنو منها، أو الإشراف عليها، أو أنه ما يصيب المؤمن في الدنيا من الحمى، وذكر الحديث الذي رواه مسلم أن النبي ﷺ قال: «لا يدخل أحد شهد الحديبية النار. قالت حفصة: أليس الله يقول: ﴿وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا﴾؟ فقال: أليس الله يقول: ﴿ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا﴾؟ (٢).».
وبكل حال فإذا قيل: إنه الدخول، فإنها لا تضر المؤمن، بل يعبرها ولا يحس بحرارتها، ويبقى فيها من كتب له بعض العذاب، أو كتب أنه مخلد فيها. والله أعلم.
_________
(١) متفق عليه.
(٢) سورة مريم، الآية:٧٢.
1 / 11
هل كل مسلم مؤمن؟
س٣: هل كل مسلم مؤمن؟ نرجو الإيضاح
الجواب: لا شك أن من دخل في الدين وعمل بشرائعه يوصف ظاهرا بأنه مسلم، ويدخل في عموم المؤمنين، وقد أمر الله بالإسلام كما أمر بالإيمان في عدة مواضع، وفسر الإسلام بأنه الاستسلام والانقياد مع الخضوع، وذلك يستلزم فعل كل طاعة وعبادة، وترك كل معصية ظاهرة، كما فسر الإيمان بأنه عقد القلب على اليقين بكل الأمور الغيبية التي ورد ذكرها في الوحيين، وذلك التصديق الجازم يستلزم انقياد الجوارح بفعل الأوامر وترك الزواجر.
فلهذا ذهب أهل السنة إلى أن الأعمال البدنية داخلة في مسمى الإيمان، لكن اختار بعض العلماء كشيخ الإسلام ابن تيمية أن إطلاق لفظ "الإسلام" لا يعم الإيمان الكامل، واستدلوا بقوله -تعالى-: ﴿قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا﴾ (١)، ورجح آخرون ومنهم ابن رجب في شرح حديث جبريل المشهور، أنه إذا أفرد اسم الإيمان دخل فيه الإسلام، وكذا العكس، فإذا قرن بينهما فسر الإسلام بالأعمال الظاهرة والإيمان بأعمال القلب،
_________
(١) سورة الحجرات، الآية: ١٤.
1 / 12
وذكر أحاديث فيها تفسير الإسلام بالإيمان والأعمال الباطنة، وتفسير الإيمان بأعمال الجوارح.
وبكل حال فالمشهور أنهما مراتب، فالإسلام أعمها يدخل فيه كل من اعتنق هذا الدين ولو لم يطبق تعاليمه، والإيمان وصف أعلى منه، يخص من زاد بالعمل وجزم بالقلب بكل الأمور الغيبية، واندفع إلى طلب الثواب بفعل الأسباب، واستعد للقاء ربه أتم استعداد. والله أعلم.
ما هي حقيقة التوكل؟
س٤: ما هي حقيقة التوكل على الله -تعالى-؟
الجواب: التوكيل لغة: إنابة الإنسان غيره فيما يعجز عنه، يقال: توكل بالأمر، إذا ضمن لك القيام به. والتوكل في الشرع: تفويض الأمور إلى الله -تعالى- والاعتماد بالقلب عليه، والرضا به حسيبا ووكيلا، وهو من العبادات القلبية التي يكثر الأمر بها ومدح أهلها، كقوله -تعالى-: ﴿فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ﴾ (١)، وقوله: ﴿فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ﴾ (٢)،
_________
(١) سورة هود، الآية: ١٢٣.
(٢) سورة يونس، الآية: ٨٤.
1 / 13
وقوله: ﴿فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا﴾ (١)، وقوله: ﴿وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ (٢) أي: يعتمدون عليه بقلوبهم مفوضين أمورهم إليه وحده، فلا يرجون سواه، ولا يقصدون غيره، ولا يرغبون إلا إليه، فالله حسبهم أي: كافيهم، كما قال -تعالى-: ﴿وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾ (٣).
والتوكل لا ينافي فعل الأسباب، قال -تعالى-: ﴿فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ﴾ (٤)، وقال: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ (٥)، فأمر بالعبادة والتقوى التي هي فعل الأسباب وتوقي المكروهات، وقد قال ﷺ: «لو أنكم توكلون على الله حق توكله، لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصا وتروح بطانا»، أي: تفعل الأسباب وتتقلب في طلب المعاش، فالمتوكل على الله هو المؤمن الذي يفعل أسباب السعادة في الدنيا والآخرة، ويطلب الرزق ويحترف بنفسه، مع اعترافه بأن ربه -تعالى- هو مسبب الأسباب، فلو شاء لما أثمرت الأشجار، ولا ربح التجار، ولا عاشت المواشي، ولا وجدت الحرف، فإذا فعلها العبد ووثق بربه رزقه من حيث لا يحتسب.
وقد رأى عمر قوما جلوسا في المسجد، وقالوا: نحن المتوكلون،
_________
(١) سورة المزمل، الآية:٩.
(٢) سورة الأنفال، الآية: ٢.
(٣) سورة الطلاق، الآية: ٣.
(٤) سورة هود، الآية: ١٢٣.
(٥) سورة المائدة، الآية: ١١.
1 / 14
فأمرهم بالاحتراف، وقال: بل أنتم المتأكلون. فلا يجعل العبد توكله عجزا، ولا عجزه توكلا.
حكم مرتكب الكبيرة
س٥: ما حكم مرتكب الكبيرة عند أهل السنة والجماعة؟
الجواب: هو عند أهل السنة فاسق أو ناقص الإيمان، وذلك لإقدامه على اقتراف الكبائر وإصراره عليها وتهاونه بخطرها، فلذلك نخاف عليه من العذاب، بل نخاف عليه من الكفر والردة؛ لأن المعاصي بريد الكفر، فهي تنشأ وتتمكن في القلب، فيضعف الإيمان، وتقوى الدوافع نحو المحرمات، من زنا ومسكر وغناء وكبرياء، واعتداء على المسلمين بقتل أو سلب أو نهب أو سرقة أو قذف ونحو ذلك.
فهذه الذنوب مع الاستمرار تضعف سير القلب والجوارح نحو الطاعات؛ فتثقل الصلوات والصدقات وسائر العبادات، ولا شك أن ذلك منذر بخروج عن الدين، ولعل ذلك هو السر في إطلاق الكفر في الأحاديث على بعض الكبائر، أو نفي الإيمان عن أهلها، كقوله ﷺ: «سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر»، وقوله: «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن» إلخ.
1 / 15
فنحن نقول: إنه ناقص الإيمان، أو مؤمن بتصديقه بالله واليوم الآخر والكتب والرسل، لكنه فاسق باقتراف الذنوب وتهاونه بها، وقد تشدد الخوارج فكفَّروا بالذنوب، وأخرجه المعتزلة من الإيمان ولم يدخلوه في الكفر، لكنه عندهم مخلد في النار، وأما المرجئة فجعلوه كامل الإيمان، وقالوا: لا يضر مع الإيمان ذنب، كما لا ينفع مع الكفر عمل، وتوسط أهل السنة فجعلوه فاسقا، وقالوا: هو في الآخرة تحت المشيئة، فإن أدخل النار بسبب كبيرته فلا بد أن يخرج منها بعد التمحيص بشفاعة الشافعين، أو برحمة أرحم الراحمين.
حكم السجود على المقابر والذبح لها
س٦: ما حكم السجود على المقابر والذبح لها؟
الجواب: لا يجوز ذلك، بل هو شرك أكبر وعبادة لساكن القبر، وتعظيم لتلك البقعة، فمن فعل ذلك فقد أشرك بالله -تعالى-، ولا فرق بين قبور الأنبياء وغيرهم، وقد ثبت في الصحيح أن النبي ﷺ قال في مرض موته: «لعن الله اليهود والنصارى؛ اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد. يحذر ما صنعوا»، وقال أيضا في آخر حياته: «ألا فلا تتخذوا القبور مساجد،
1 / 16
فإني أنهاكم عن ذلك»، ولا شك أن تحري الصلاة عند القبور، أو السجود عليها من اتخاذها مساجد، فإن كل موضع يصلى فيه يسمى مسجدا، ولو لم يكن هناك بناء مرتفع.
وسبب النهي أن الذي يقصد السجود عند القبر، يعتقد أن صاحبه ينفعه، إما بقبول عمله أو برفعه أو بالشفاعة له، فقد اعتقد في هذا المخلوق ورفعه فوق منزلته.
ولا شك أن العامة إذا رأوا شخصا يقتدى به يقصد القبور يدعو عندها أو يصلي أو يعتكف حولها أو يدعو أهلها - انخدع به العامة واقتدوا به، واعتقدوا أن لهذا القبر سرا مكتوما، فلازموه وتحروا الصلاة عنده، وذلك يئول بهم إلى عبادة صاحب القبر ودعائه مع الله، وهو الشرك الأكبر، فقد نهى النبي ﷺ عن الشرك وعن وسائله التي توقع فيه. والله أعلم.
حكم الذبح للأولياء ودعائهم
س٧: ما حكم الذبح للأولياء ودعائهم كالبدوي وغيره؟
الجواب: لا يجوز الذبح لغير الله، ولا دعاء غير الله من نبي أو ولي أو شهيد أو سيد أو غيرهم؛ لقوله ﷺ: «لعن الله من ذبح لغير الله»
1 / 17
فيعم الذبح للقبر أو لقبة أو شجر أو حجر أو عين أو بقعة يتبرك بها.
وذلك أن الذين يذبحون لهذه الأشياء يقصدون تعظيمها واحترامها وتقديسها، وهذا النوع من التعظيم لا يصلح إلا لله، فيحرم هذا الفعل، وتحرم تلك الذبائح التي أهلت لغير الله تعالى.
ولا يبيحها أن يسمى الله عليها؛ لكونها تعظيما لمخلوق، فيحرم أكلها، كما يحرم ما ذبح للأصنام والأحجار ولو ذكر عليه اسم الله، وكذا ما ذبح على اسم المسيح أو الولي فلان، ولو كان أضحية أو هديا، فأفضل الذبائح ما تقرب به إلى الله -تعالى- كصدقة أو هدي، ثم ما ذبح للحم وذكر اسم الله عليه، فأما ما ذبح تعظيما لمخلوق، أو ذكر عليه اسم مخلوق، فإنه حرام فعله وأكله.
فأما دعاء البدوي المصري وغيره: كـ عبد القادر الجيلاني وابن علوان والحسين ونحوهم، ونداؤهم، والاستغاثة بهم عند الكروب والشدائد، فهو شرك أكبر، فإنهم مخلوقون مربوبون، لا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا، ولا موتا ولا حياة ولا نشورا، فكيف يملكون ذلك لمن دعاهم؟! وقد قال -تعالى-: ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا﴾ (١)، فيدخل في ذلك الأولياء والأنبياء والملائكة والجن والأموات، ونحوهم ممن قد انقطع عملهم، فهم لا ينفعون أنفسهم، فكيف ينفعون من دعاهم؟! وإنما علينا
_________
(١) سورة الجن، الآية: ١٨.
1 / 18
أن ندعو لهم، ونسلم على الصالحين منهم في صلاتنا، ونقتدي بسيرتهم التي بها أصبحوا من الصالحين.
حكم تعليق التمائم
س٨: ما حكم تعليق التمائم علما أنها من الآيات القرآنية؟
الجواب: روي عن بعض السلف كابن عمرو بن العاص وعائشة، وغيرهما جواز تعليق التمائم إذا كانت من القرآن أو أسماء الله الحسنى، وحملوا النهي في الأحاديث على التمائم الشركية، وذهب آخرون: كابن عباس وابن مسعود وحذيفة وابن عكيم إلى منع ذلك، وهي الرواية المشهورة عن أحمد، وهذا هو القول الراجح لعموم الأحاديث كقوله ﷺ: «من تعلق تميمة فلا أتم الله له»، وقوله: «من تعلق تميمة فقد أشرك»، وقوله: «من تعلق شيئا وكل إليه».
وعن سعيد بن جبير قال: من قطع تميمة من إنسان كان كعدل رقبة. وعن إبراهيم النخعي قال: كانوا يكرهون التمائم كلها من القرآن وغير القرآن، يعني: أصحاب ابن مسعود كعلقمة والأسود ومسروق وعبيدة السلماني وغيرهم، والكراهة هنا للتحريم.
1 / 19
وأيضا فالمنع منها سدا للذريعة، حتى لا يتوسع الناس بتعليق ما ليس من القرآن.
وأيضا فإن القلب قد يتعلق بها، وهي تحتوي على ورق وخرقة، أو جلد وخيط ونحو ذلك، ومن تعلق بمخلوق وكل إليه.
وأيضا فإن من علقها على طفل ونحوه فلا بد أن يمتهنها، فيدخل بها المراحيض والحمامات والأماكن المستقذرة مما فيه إهانة لكلام الله تعالى.
وهذا بخلاف الرقية بكلام الله -تعالى- أو بأسمائه الحسنى، أو بالأدعية والأوراد المأثورة، فإنه جائز لقوله ﷺ: «لا بأس بالرقى ما لم تكن شركا». والرقية: هي القراءة مع النفث بقليل من الريق مع اختيار الآيات التي يقرؤها، ومناسبة القارئ والموضع. والله أعلم.
حكم الذهاب للعرافين
س٩: ما حكم الذهاب إلى العرافين والمشعوذين؟
الجواب: لا يجوز ذلك للنهي الصريح عنه، بل وللوعيد الشديد في ذلك، ففي صحيح مسلم عن النبي ﷺ قال: «من أتى عرافا فسأله عن شيء، لم تقبل له صلاة أربعين يوما»، فإذا كانت هذه حال السائل، فكيف بالعراف نفسه؟!
1 / 20
وروى أحمد وغيره عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال: «من أتى عرافا أو كاهنا فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد ﷺ». وغير ذلك من الأحاديث المشهورة، وذلك أن العراف يدعي علم الغيب الذي لا يعلمه إلا الله، ولا بد أنه يتقرب إلى الشياطين ومردة الجن، ويدعوهم من دون الله؛ حتى يخدموه فيدلونه على المسروق ومكان الضالة وموضع السحر ونحوه، وهذا التقرب يكون بالذبح لها أو السجود لها، أو فعل معصية، وأكل نجاسة مما تحبه الشياطين، ونحو ذلك مما هو كفر أو ذريعة إلى الشرك.
وقد أخبر النبي ﷺ أن أكثر كلامهم كذب، وإنما توحي إليهم الشياطين ما تسترقه من السماء، فيكذبون مع الكلمة مائة كذبة.
وأما الشعوذة فهي عمل السحرة ما يموهون به على العامة، ويظهرون لهم صورا لا حقيقة لها، ومنها قصة الساحر الذي قطع رأس رجل ثم أعاده، فقتله جندب ﵁ لحديث: «حد الساحر ضربه بالسيف»، فلا يغتر بدجلهم وتمويههم ومخرقتهم الظاهرة، ولا يجوز إقرارهم ولا تصديقهم، بل حدهم القتل بكل حال عند جمهور العلماء من غير استتابة، فمن ذهب إليهم أو صدقهم، فقد أقرهم على كفرهم، فيلحقه الوعيد الشديد. والله أعلم.
1 / 21
حكم الصلاة في المساجد التي فيها قبور
س١٠: ما حكم الصلاة في المساجد التي فيها قبور؟
الجواب: لا تصح الصلاة فيها، بل تلزم إعادتها؛ لقوله ﷺ: «الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام»، وروى ابن أبي شيبة وعبد الرزاق في مصنفيهما، عن أنس قال: رآني عمر وأنا إلى قبر، فجعل يقول: يا أنس القبر. وفي لفظ: القبر أمامك، فنهاني. وروى ابن حبان والبزار عن أنس أن النبي ﷺ «نهى أن يصلى بين القبور».
وقد تمسك أكثر الفقهاء بلفظ الجمع، فرخصوا في الصلاة عند القبر أو القبرين. وعلل بعضهم النهي عن الصلاة فيهما بأنها مظنة النجاسة؛ لاختلاطها بصديد الموتى وروائحهم، وتعقب ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀ كما في "اقتضاء الصراط المستقيم" (٣٣٢)، و"الاختيارات" (٤٤)، و"مجموع الفتاوى" (٤/ ٥٢١)، (١١/ ٢٩٠)، (١٧/ ٥٠٢)، وذكر أن المقصود الأكبر بالنهي عن الصلاة عند القبور هو مخافة اتخاذها أوثانا، وهي العلة التي أوقعت كثيرا من الأمم إما في الشرك الأكبر، أو فيما دونه.
1 / 22
وقد استدل على ذلك بالأحاديث التي فيها النهي عن اتخاذ القبور مساجد، كقوله ﷺ: «ألا فلا تتخذوا القبور مساجد؛ فإني أنهاكم عن ذلك» رواه مسلم عن جندب ﵁. ولو كانت العلة هي مظنة النجاسة، لما نهي عن اتخاذ قبور الأنبياء مساجد كما في الصحيح عن عائشة أن النبي ﷺ قال في مرض موته: «لعن الله اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد»، وفي "صحيح مسلم " في حديث جندب «ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم مساجد ...» إلخ. ومعلوم أن أجساد الأنبياء لا تبلى كما ثبت في الحديث، فلا تنجس بها الأرض، فعلم أن النهي مخافة الغلو فيها، واتخاذها أوثانا تعبد من دون الله. والله أعلم.
حكم قصد زيارة قبر النبي ﷺ
س١١: بعض الناس يذهب إلى المدينة لقصد زيارة القبر النبوي، فما حكم هذا العمل؟
الجواب: لا يجوز هذا القصد، وإنما يجوز السفر إلى المدينة لقصد الصلاة في المسجد النبوي، فهو أحد المساجد الثلاثة التي تشد إليها
1 / 23
الرحال، والصلاة فيه بألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام.
وقد ورد النهي عن شد الرحال لغير المساجد الثلاثة: المسجد الحرام والمسجد النبوي والمسجد الأقصى، فيدخل في النهي سائر البقاع والقبور، فلا تقصد للصلاة فيها أو التبرك بها أو التعبد فيها.
وأما الأمر بزيارة القبور، فإن الحكمة فيه تذكر الآخرة، وهو يحصل بقبور أي بلد، فإنها لا تخلو قرية غالبا من وجود مقابر بفنائها، فزيارة تلك القبور تذكر بالآخرة، وينتفع الأموات بالدعاء لهم.
فأما القبر النبوي، فقد ورد النهي عن اتخاذه عيدا، أي: تكرار زيارته كما يتكرر العيد، فقال ﷺ: «لا تتخذوا قبري عيدا، وصلوا علي حيث كنتم، فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم»، وقال ﷺ: «ما من مسلم يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد ﵇»؛ فيعم ذلك المسلم من قريب أو بعيد.
وأما الأحاديث التي في فضل زيارة قبره ﵊ فكلها ضعيفة أو موضوعة، مثل قوله: "من زارني بعد مماتي فكأنما زارني في حياتي"، وقوله: "من زار قبري"، أو قال: "من زارني كنت له شفيعا أو شهيدا"، وقوله: "من زار قبري وجبت له شفاعتي"، وقوله: "من حج ولم يزرني فقد جفاني". وكلها باطلة لا أصل لها، وقد بين العلماء بطلانها، كما في "الرد على الأخنائي " لشيخ الإسلام ابن تيمية، و"الرد على السبكي " لابن عبد الهادي، و"الرد على النبهاني " للألوسي ولا يغتر بمن يروج هذه الأحاديث ويترجمها.
1 / 24
ولا يفهم أن منع زيارته حط من قدره، فإن محبته ﵇ ثابتة في قلوب أتباعه، ولا ينقصها بُعدهم عن قبره. والله أعلم.
حكم وضع علامة على القبر
س١٢: ما حكم وضع علامة على القبر كحديدة وخشبة لكي يعرف بها؟
الجواب: لا بأس بذلك، فقد روى أبو داود برقم (٣٢٠٦) عن المطلب بن عبد الله بن حنطب قال: لما مات عثمان بن مظعون فدفن، أمر النبي ﷺ رجلا أن يأتيه بحجر فوضعها عند رأسه، وقال: «أتعلم بها قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي» سكت عنه أبو داود؛ فهو عنده صالح.
وهذه العلامة لأجل معرفة الميت عند الزيارة ليدعو له، وليدفن إليه أقاربه لتسهل زيارتهم، ويجوز أن تكون من حجارة أو لبن أو خشبة أو نحوها، توضع عند رأس القبر، أو على أحد جانبيه، وقد ورد النهي عن البناء على القبور، ففي "صحيح مسلم " عن جابر قال: «نهى رسول الله ﷺ أن يقعد على القبر، وأن يجصص، وأن يبنى عليه». وفي رواية: «وأن يزاد عليه، وأن يكتب عليه».
والنهي عن هذه الأمور ظاهره التحريم، والحكمة فيه أن ذلك مما
1 / 25
يسبب الافتتان به متى رآه العامة قد رفع عن غيره، أو طلي بالقصة، أو كتب عليه ما فيه مدح له أو إطراء له، لم يؤمن أن يقصده العوام، وأن يقيموا حوله أو يعتقدوا فيه الولاية والفضل، مما يدعو إلى تعظيمه ودعائه، أو التبرك بتربته أو العكوف حوله، ونحو ذلك مما هو واقع في كثير من البلاد التي غمرها الجهل، وفشا فيها الشرك وعبادة الأموات، ودعاؤهم والذبح لهم وصرف القرابين لهم بسبب إطرائهم أو رفع قبورهم، أو تسويل الشيطان أن هذا القبر فيه ولي أو شهيد، مما يسبب انخداعهم بذلك. والله أعلم.
حكم تصدق الأخ عن أخيه الميت
س١٣: ما حكم تصدق الأخ عن أخيه الميت؟ وهل يصل الثواب إلى الميت؟
الجواب: سنة ومستحب، ولا يختص بالأخ، بل يعم كل قريب أو كل مسلم، فقد روى البخاري برقم (٢٧٥٦) عن ابن عباس «أن سعد بن عبادة قال: يا رسول الله، إن أمي توفيت وأنا غائب عنها، أينفعها شيء إن تصدقت به عنها؟ قال: نعم».
وروى أيضا برقم (٢٧٦٠) عن عائشة «أن رجلا قال: يا رسول الله،
1 / 26