Fatima Zahra da Fatimiyyun
فاطمة الزهراء والفاطميون
Nau'ikan
3
في بغداد.
جاء في وصفه من كتاب «البيان المغرب في أخبار المغرب» لابن عذارى المراكشي، وهو من أعداء الإسماعيليين: «فاختاروا منهم رجلا ذا فهم وفصاحة وجدال ومعرفة يسمى أبا عبد الله الصنعاني. فسار أبو عبد الله هذا إلى موسم الحج ليجتمع به مع من يحج تلك السنة من أهل المغرب ويذوق أخلاقهم ويطلع على مذاهبهم ويتحيل على نيل الملك بضعيف الحيل. ورأى في الموسم قوما من أهل المغرب فلصق بهم وخالطهم وكانوا عشرة رجال من قبيلة كتامة ملتفين على شيخ منهم، فسألهم عن بلادهم فأخبروه بصفتها، وسألهم عن مذهبهم فصدقوه عنه. ولم يزل يستدرجهم ويخلبهم بما أوتي من فضل اللسان والعلم بالجدل إلى أن سلبهم عقولهم بسحر بيانه، فلما حان رجوعهم إلى بلادهم سألوه عن أمره وشأنه فقال لهم: أنا رجل من أهل العراق، وكنت أخدم السلطان، ثم رأيت أن خدمته ليست من أفعال البر فتركتها وصرت أطلب المعيشة من المال الحلال، فلم أر لذلك وجها إلا تعليم القرآن للصبيان، فسألت: أين يتأتى ذلك تأتيا حسنا؟ فذكر لي بلاد مصر. فقالوا له: ونحن سائرون إلى مصر وهي طريقنا، فكن في صحبتنا إليها، ورغبوا منه في ذلك، فصحبهم في الطريق، فكان يحدثهم ويميل بهم إلى مذهبه ويلقى إليهم الشيء بعد الشيء إلى أن أشربت قلوبهم محبته، فرغبوا منه أن يسير إلى بلادهم ليعلم صبيانهم، فاعتذر لهم ببعد الشقة، وقال لهم: إن وجدت بمصر حاجتي أقمت بها، وإلا فربما أصحبكم إلى القيروان، فلما وصلوا إلى مصر غاب عنهم فيها كأنه يطلب بغيته، ثم اجتمعوا به وسألوه فقال لهم: لم أجد في هذه البلاد ما أريد، فرغبوه أن يصحبهم فأنعم لهم بذلك.»
ولا يتسع الكلام في هذا المجال لسرد أعمال أبي عبيد الله في المغرب، فالذي عنيناه هنا هو الإشارة إلى أساليب هؤلاء الدعاة في دخول البلاد التي يقصدونها بالدعوة، وأول هذه الأساليب أن يكون الداعية مطلوبا لا طالبا، وأن يكون له حماة وأتباع من أبناء البلد قبل دخوله إذا استطاع، وقد سار أبو عبيد الله الشيعي على هذا الأسلوب حتى تمكن من القبائل واستمال إليه قبيلة كتامة القوية بعددها وشجاعة رجالها، فاتخذ الحول بعد الحيلة وجرد السيف وهزم دولة الأغالبة أعوان العباسيين، وضمن لمولاه النجاح فاستقدمه فوصل إلى جبال الأطلس قبيل انتهاء القرن الثالث للهجرة (سنة 296).
كذلك يطول الكلام لو تتبعنا أعمال المهدي وخططه التي رسمها لإقامة عرشه في إفريقية وبسط كلمته من ورائها إلى الأقطار الإسلامية، فإن ملك المهدي في المغرب قد دام أربعا وعشرين سنة إلى أن توفي (سنة 322 للهجرة)، فخلفه ابنه القائم، وخلف القائم ابنه المنصور، وخلف المنصور ابنه المعز (سنة 341 للهجرة)، وهو الذي فتحت مصر في عهده وانتقلت من خلافة العباسيين إلا خلافته (سنة 356 للهجرة)، فجاءوها كعادتهم مطلوبين ممهدا لهم الطريق في الداخل والخارج بالدعوة والسلاح. •••
إن تاريخ الدولة الفاطمية جدير أن تفرد له المجلدات الضخام؛ لأنه تاريخ يغني عن التواريخ؛ إذ كانت هذه الدولة نموذجا يقاس عليه ويعرض فيه ما لا يعرض في قيام الدول الأخرى من العبر والأطوار وصنوف التدبير والمصادفة. فهي الدولة التي قامت بين ست دول أو أكثر من ست دول إسلامية وأجنبية تحاربها وتخشى عاقبة قيامها، وأسست حقها على دعوة يتألب الخصوم من حولها على إنكارها، واعتمدت في الدعوة على وسائل لم يسبقها إليها سابق ولم يلحقها نظير لها في تلك الوسائل إلى هذا القرن العشرين. فمن تلك الوسائل فن التخذيل أو «الطابور الخامس» كما يسمى في العصر الحديث، ومنها تسخير العلم والفن والفلسفة والقصص في نشر الدعوة الظاهرة والخفية، ومنها الاستعانة بالجماعات السرية وترتيب الأدوار المنظمة لإنفاذ سياسة بعد أخرى، ومنها المواكب والمواسم والمحافل والأعياد والعادات الاجتماعية، وكانت تثابر على الدعوة ولا تهمل معها أركان الملك من تشييد المدن وتنظيم الدواوين وترتيب الرتب وتدريب الجيوش وبناء الأساطيل وفتح المدارس والجامعات وتزويدها بالمكتبات، وتشويق الناس إليها بمجالس المحاضرة والمناظرة في أيام محدودة يشهدها الرجال والنساء. •••
فقيام الدولة الفاطمية في الواقع نموذج لقيام الدول بالحول والحيلة، ولو استغنى التاريخ بدولة واحدة عن دول كثيرة لكانت هذه الدولة حسبه من عبره وأطواره وتدبيراته ومصادفاته. ولسنا في صدد الإفاضة في هذه الدراسة بتفصيلاتها وفروعها، ولكننا نطرق منها في هذه العجالة ما له علاقة بالانتساب إلى الزهراء، وما له علاقة بآثارها الباقية في هذا البلد؛ لأنه البلد الذي شهد من الدولة الفاطمية أهم أدوارها وأفخم عهودها، وكانت مخلفاتها فيه أبقى المخلفات في تاريخها الحديث.
الفصل العاشر
النسب
الدعوى المنتظرة هي أقوى الدعاوي، وهي كذلك - ومن أجل ذلك - أضعفها وأولاها بالتشكك والمراجعة.
Shafi da ba'a sani ba