171

Fath Qadir

فتح القدير

Mai Buga Littafi

دار ابن كثير،دار الكلم الطيب - دمشق

Lambar Fassara

الأولى

Shekarar Bugawa

١٤١٤ هـ

Inda aka buga

بيروت

وَلَا قَصَّرُوا تَقْصِيرَ الْيَهُودِ فِي أَنْبِيَائِهِمْ. وَيُقَالُ: فُلَانٌ أَوْسَطُ قَوْمِهِ وَوَاسِطَتُهُمْ، أَيْ: خِيَارُهُمْ. وَقَوْلُهُ: لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ أَيْ: يَوْمَ الْقِيَامَةِ تَشْهَدُونَ لِلْأَنْبِيَاءِ عَلَى أُمَمِهِمْ أَنَّهُمْ قَدْ بَلَّغُوهُمْ مَا أَمَرَهُمُ اللَّهُ بِتَبْلِيغِهِ إِلَيْهِمْ، وَيَكُونُ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَى أُمَّتِهِ بِأَنَّهُمْ قَدْ فَعَلُوا مَا أمره بِتَبْلِيغِهِ إِلَيْهِمْ، وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيدًا «١» قِيلَ: إِنَّ قَوْلَهُ: عَلَيْكُمْ يَعْنِي: لَكُمْ، أَيْ: يَشْهَدُ لَهُمْ بِالْإِيمَانِ وَقِيلَ: مَعْنَاهُ: يَشْهَدُ عَلَيْكُمْ بِالتَّبْلِيغِ لَكُمْ. قَالَ فِي الْكَشَّافِ: لَمَّا كَانَ الشَّهِيدُ كَالرَّقِيبِ وَالْمُهَيْمِنِ عَلَى الْمَشْهُودِ لَهُ جِيءَ بِكَلِمَةِ الِاسْتِعْلَاءِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ «٢» كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ «٣» انْتَهَى. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: مَعْنَى الْآيَةِ: يَشْهَدُ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ بَعْدَ الْمَوْتِ وَقِيلَ: الْمُرَادُ: لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فِي الدُّنْيَا فِيمَا لَا يَصِحُّ إِلَّا بِشَهَادَةِ الْعُدُولِ. وَسَيَأْتِي مِنَ الْمَرْفُوعِ مَا يُبَيِّنُ مَعْنَى الْآيَةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَإِنَّمَا أَخَّرَ لَفْظَ عَلَى فِي شَهَادَةِ الْأُمَّةِ عَلَى النَّاسِ، وَقَدَّمَهَا فِي شَهَادَةِ الرَّسُولِ عَلَيْهِمْ، لِأَنَّ الْغَرَضَ كَمَا قَالَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ فِي الْأَوَّلِ: إِثْبَاتُ شَهَادَتِهِمْ عَلَى الْأُمَمِ، وَفِي الْآخَرِ: اخْتِصَاصُهُمْ بِكَوْنِ الرَّسُولِ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ. وَقَوْلُهُ: وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها قِيلَ: الْمُرَادُ بِهَذِهِ الْقِبْلَةِ هِيَ بَيْتُ الْمَقْدِسِ أَيْ: ما جعلناها إلا لنعلم المتبع والمنقلب، ويؤيده هَذَا قَوْلُهُ: كُنْتَ عَلَيْها إِذَا كَانَ نُزُولُ هَذِهِ الْآيَةِ بَعْدَ صَرْفِ الْقِبْلَةِ إِلَى الْكَعْبَةِ وَقِيلَ: الْمُرَادُ: الْكَعْبَةُ، أَيْ: مَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي أَنْتَ عَلَيْهَا الْآنَ بَعْدَ أَنْ كَانَتْ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ إِلَّا لِذَلِكَ الْغَرَضِ، وَيَكُونُ كُنْتَ بِمَعْنَى الْحَالِ وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِذَلِكَ: الْقِبْلَةُ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا قَبْلَ اسْتِقْبَالِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَإِنَّهُ كَانَ يَسْتَقْبِلُ فِي مَكَّةَ الْكَعْبَةَ، ثُمَّ لَمَّا هَاجَرَ تَوَجَّهَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ تَأَلُّفًا لِلْيَهُودِ ثُمَّ صُرِفَ إِلَى الْكَعْبَةِ. وَقَوْلُهُ: إِلَّا لِنَعْلَمَ قِيلَ: الْمُرَادُ بِالْعِلْمِ هُنَا: الرُّؤْيَةُ وَقِيلَ: الْمُرَادُ: إِلَّا لِتَعْلَمُوا أَنَّا نَعْلَمُ بِأَنَّ الْمُنَافِقِينَ كَانُوا فِي شَكٍّ وَقِيلَ: لِيَعْلَمَ النَّبِيُّ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ: لِنَعْلَمَ ذَلِكَ مَوْجُودًا حَاصِلًا، وَهَكَذَا مَا وَرَدَ مُعَلَّلًا بِعِلْمِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ لَا بُدَّ أن يؤول بِمِثْلِ هَذَا، كَقَوْلِهِ: وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ «٤» وَقَوْلُهُ: وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً أي: ما كانت إلا كبيرة، كما قال الفراء في أن وإن: أنهما بمعنى ما وإلا. وَقَالَ الْبَصْرِيُّونَ: هِيَ الثَّقِيلَةُ خُفِّفَتْ، وَالضَّمِيرُ فِي كَانَتْ: رَاجِعٌ إِلَى مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها مِنَ التَّحْوِيلَةِ، أَوِ التَّوْلِيَةِ، أَوِ الْجَعْلَةِ، أَوِ الرِّدَّةِ، ذَكَرَ مَعْنَى ذَلِكَ الْأَخْفَشُ، وَلَا مَانِعَ مِنْ أَنْ يَرْجِعَ الضَّمِيرُ إِلَى الْقِبْلَةِ الْمَذْكُورَةِ، أَيْ: وَإِنْ كَانَتِ الْقِبْلَةُ الْمُتَّصِفَةُ بِأَنَّكَ كُنْتَ عَلَيْهَا لِكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ لِلْإِيمَانِ، فَانْشَرَحَتْ صُدُورُهُمْ لِتَصْدِيقِكَ، وَقَبِلَتْ مَا جِئْتَ بِهِ عُقُولُهُمْ، وَهَذَا الِاسْتِثْنَاءُ مُفَرَّغٌ لِأَنَّ مَا قَبْلَهُ في قوّة النفي، أي: أنها لَا تَخِفُّ وَلَا تَسْهُلُ إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ. وَقَوْلُهُ: وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهَا نَزَلَتْ فِيمَنْ مَاتَ وَهُوَ يُصَلِّي إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، ثُمَّ قَالَ: فَسَمَّى الصَّلَاةَ إِيمَانًا لِاجْتِمَاعِهَا على نية وقول وعمل وقيل: المراد: الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْإِيمَانِ عِنْدَ تَحْوِيلِ الْقِبْلَةِ، وَعَدَمُ ارْتِيَابِهِمْ كَمَا ارْتَابَ غَيْرُهُمْ. وَالْأَوَّلُ يَتَعَيَّنُ الْقَوْلُ بِهِ، وَالْمَصِيرُ إِلَيْهِ لِمَا سَيَأْتِي مِنْ تَفْسِيرِهِ ﷺ للآية بذلك. والرؤوف: كَثِيرُ الرَّأْفَةِ، وَهِيَ أَشَدُّ مِنَ الرَّحْمَةِ. قَالَ أَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ: الرَّأْفَةُ أَكْبَرُ مِنَ الرَّحْمَةِ وَالْمَعْنَى مُتَقَارِبٌ. وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ القعقاع «لروف» بغير

(١) . النساء: ٤١. (٢) . المائدة: ١١٧. (٣) . المجادلة: ٦. (٤) . آل عمران: ١٤٠.

1 / 175