Fath Carab Li Misr
فتح العرب لمصر
Nau'ikan
انتهى حصار بابليون في اليوم التاسع من أبريل سنة 641 بعد أن لبث سبعة أشهر، وهذا أمر قد ورد جليا في أخبار العرب. على أن جل مؤرخيهم إن لم يكونوا كلهم يخلطون الصلح الأخير الذي سلمت به الروم الحصن بعد أن نفي المقوقس من مصر، بالصلح الذي حدث قبل ذلك في أوان الفيضان بعد بدء الحصار ببضعة أسابيع، وهو الذي عقده المقوقس ولم يقره الإمبراطور. وإنا نستطيع أن نتبين أصل ذلك الخطأ بعد أن انكشف لنا التاريخ الحقيقي، كما نستطيع أن نتبين ما نشأ عن ذلك الخطأ من خلط آخر لم يكن أقل منه شأنا. فليس في التاريخ مواضع وقع عليها خلاف أشد مما وقع في أمر مصر، وهل كان فتحها عنوة أو صلحا. ويقصد هؤلاء الكتاب بلفظ مصر أحيانا كل البلاد، وأحيانا حصن بابليون. وقد أوضحنا فيما سلف أن الحصن يمكن الاختلاف فيه؛ فقد وقع فيه حادثان؛ أحدهما فتح بالقوة؛ فإن الزبير علاه، وكان ذلك سببا في تخذيل الروم وتسليمهم؛ وأما الآخر فإن الفتح لم يكن كله عنوة، بل إن حملة الزبير إنما أدت إلى أن يسلم أهل الحصن ويصالحوا. على أن قصارى الأمر لم يكن غير تسليم عن أمان وصلح، وقد بين الصلح للروم شرط الخروج؛ وعلى ذلك فلا مناص لنا من أن نفند قول من يقول إن العرب فتكوا بمن كان في الحصن، فما ذلك إلا حديث خرافة أساسه قول من قال إن الحصن أخذ عنوة.
1
ولكن الصلح الذي أبرم عند بابليون لم يكن إلا عهدا حربيا، ولم يكن عقدا سياسيا؛ فقد رضي فيه عمرو بأن يشتري الحصن ويدفع ثمنا له تأمين من كانوا فيه، وخروجهم منه بغير أن يسلموا أو يدفعوا الجزية، وإنما دفع الجزية من بقي من أهل المدينة. وإذ كان ذلك العهد لا يمس إلا مدينة مصر والحصن، فقد كانت الجزية قليلة ومؤقتة، فقال مؤرخ إنها كانت دينارا لكل من جنود العرب ولباسا،
2
وكانوا في أشد الحاجة إليه. وهذا القول يتفق مع ما أورده مؤرخ آخر إذ قال:
3
إنه قد بقي في مصر بعد فتح الحصن جماعة كبيرة من جنود القبط. فلما رأى هؤلاء ما كان عليه العرب من الرثاثة قالوا: «ما أرث العرب وأهون عليهم أنفسهم! ما رأينا مثلنا دان لهم.»
4
فلما سمع عمرو مقالتهم دعا جماعة من كبارهم إلى وليمة فنحر جزورا،
5
Shafi da ba'a sani ba