Fath Carab Li Misr
فتح العرب لمصر
Nau'ikan
ولكن العرب لم يعودوا من الفيوم منذ أحسوا بالفشل وحده؛ فلعمري لقد يكون ابن العاص أتم في غزوته تلك أكثر مما كان يطمع فيه؛ فقد أخرج جيشه من مأزق وقع فيه عند «أم دنين»، وانتقل به إلى موضع أكثر أمنا، ولقي في غزوته فوزا كثيرا ونصرا في مواطن عدة وإن لم يحرز انتصارا عظيما، وشغل جنده مدة فقطع عليهم مدة الانتظار؛ إذ جاءته الأمداد بعد ذلك بعد أن طال إبطاؤها عليه، فلما بلغه نبأ مجيئها عاد أدراجه بالمسلمين ليلقوها. أما «تيودور» فإنه جاء كذلك إلى الشمال مع جنوده إلى حصن «بابليون»، وقد اجتمع به الجند من كل جهات مصر فأصبح فيه جيش عظيم.
وكان أول مسير عمرو إلى الفيوم نحو أول شهر مايو، وقضى في غزوته بضعة أسابيع أضاعها الروم ضياعا، بل خسروا فيها خسارة كبرى، وغنم العرب فيها غنما عظيما. ولعل قدوم أمداد المسلمين التي بعث بها عمر بن الخطاب كان في السادس من شهر يونيو.
8
والتقى الجميع قريبا من هليوبوليس، وكان الأمير على المدد الزبير بن العوام، ابن عمة النبي وصاحبه، وأحد رجال الشورى الستة، وكان معه أربعة آلاف رجل، ثم جاء في عقبه كتيبتان كل منهما من أربعة آلاف رجل، فكان جميع من جاء من الأمداد اثني عشر ألفا.
9
وقد علم الروم أن النيل يعلو في مجراه العميق في وسط الصيف؛ ولهذا أرادوا أن يناجزوا المسلمين بمن اجتمع منهم قبل أن يفيض النهر، ولكنهم عجزوا كل العجز عن أن يحولوا دون اجتماع جيوش المسلمين المتفرقة، مع أنهم كانوا يملكون حصن بابليون، وكان نهر النيل في يدهم، وعادوا إلى مسلحة «أم دنين» فملكوها. فلو كان عندهم علم بالحرب وحزم في الرأي لاستطاعوا أن يمنعوا عمرا من العبور إلى الجانب الشرقي، فكانوا يجعلونه بذلك في معزل عمن جاء يمده، ولعلهم كانوا يستطيعون بذلك القضاء عليه.
ولكنهم لم يفعلوا ذلك مع كل ما كان لديهم من ميزة عليه، واستطاع عمرو أن يعبر النهر إما عنوة وإما على غرة منهم، وأغلب الظن أنه عبر النهر في موضع أسفل من موضع «أم دنين» إلى الشمال منها؛ لأن ترعة «تراجان» كانت عند ذلك مطمومة منذ أهمل أمر حفرها وكريها، ولم تكن لتعوق سير العرب حتى في وقت فيض النيل. وكان عمرو قد علم بأن أمداد المسلمين سائرة في طائفتين ميممة شطر «عين شمس»، وهي «هليوبوليس»، وعلم أن مقامه في الجانب الغربي مخطر.
10
والحق أنه فزع خوفا من أن يفطن الروم إلى الأمر فيحولوا بينه وبين الاتصال بالمدد الذي جاء به الزبير، ولكن «تيودور» ضيع الفرصة على عادته، فلم يضرب الضربة القاضية، واستطاع عمرو أن يسير للقاء المدد ويبلغ عسكر المسلمين في هليوبوليس وقد امتلأت قلوب أصحابه عزة وبشرا بما وفقوا إليه من الفوز في غزوتهم.
كانت هليوبوليس في الأزمنة القديمة إحدى مدن مصر الكبرى، واسمها «أون»،
Shafi da ba'a sani ba